Site icon IMLebanon

الطباعة ثلاثية الأبعاد: ثورة وشيكة في سوق الوظائف

3dPrinting
برايان بورزيكوفسكي

منذ بضعة أعوام خلت، أُثيرت ضجة إعلامية مكثفة حول الطباعة ثلاثية الأبعاد بوصفها تطورا مرتقبا في مجال التصنيع. فكثير من الخبراء كانوا يعتقدون أننا كنّا سنُصنّع الأدوات والدُمى في المنازل، معلنين أن كل شيء، من السيارات إلى الطائرات وحتى الأدوات الطبية ستُصنّع بسهولة وبكلفة منخفضة.
وعلى الرغم من أن طباعة الكثير من المواد التي تنبأوا بها كانت ممكنة من الناحية النظرية، إلا أن الطباعة ثلاثية الأبعاد لم تصل بعد إلى مستوى توقعات البعض.
لكن يرى كثير من خبراء التصنيع هذا الأمر مقبولًا، قائلين إننا سنشهد في القريب العاجل طفرة في الطباعة ثلاثية الأبعاد، ولعلّ أحد أسباب ذلك هو تزايد إقبال المهندسين والمصممين والتقنيين والباحثين على تعلّم “التصنيع التجميعيّ”، وهو اسم مرادف للطباعة الثلاثية الأبعاد، في المدارس حول العالم.
وفي الوقت نفسه، بدأت صناعات أكثر فأكثر تستحدث استخدامات للطباعة ثلاثية الأبعاد، بدءًا من صناعة قطع غيار السيارات إلى تصنيع الأدوات.
وقد أفاد تقرير لمؤسسة “وانتد أناليتكس”، وهي مؤسسة تعمل في مجال برامج الكمبيوتر وتجميع بيانات عن اتجاهات التوظيف، أن عدد إعلانات الوظائف التي يُشترط فيها الإلمام بمهارات الصناعة التجميعية زاد بمعدل 1.834 في المئة، في الفترة ما بين 2010 و2014.
كما ذكرت المؤسسة أن الموظفين ذوي الخبرة في الطباعة ثلاثية الأبعاد الذين يشتد الطلب عليهم هم المهندسون في مجالي الصناعة والميكانيكا، ومطورو البرامج، والمصممون التجاريون والصناعيون، ومديرو التسويق.
ويرجع السبب الرئيسي في تزايد الطلب الوظيفي إلى أن الاهتمام بالطباعة ثلاثية الأبعاد يتصاعد بمعدل غير مسبوق، وإن كنا لا نطبع تُحفنا الصغيرة في المنزل.

وبحسب تقديرات شركة “ستاتيستا”، وهي شركة تُعنى بجمع التقارير البحثية، سيحقق سوق الطباعة ثلاثية الأبعاد، بما فيه مواد الطباعة والخدمات ذات الصلة، مبيعات تصل إلى 16.2 مليار دولار سنة 2019، بعدما حقق 3.8 مليار دولار سنة 2014.
في حين قدرت مؤسسة “غارتنر ريسيرش”، وهي مؤسسة بحثية عالمية في مجال تقنية المعلومات، أن مبيعات الطابعات التي يقل سعرها عن 1000 دولار أمريكي، وهي محرك مهم للسوق، ستمثل 28.1 في المئة من المبيعات بحلول عام 2018، بعد أن كانت تمثل 11.6 في المئة، من المبيعات سنة 2014.

مهارات متخصصة

وعلى الرغم من محصلة تقرير “وانتد أناليتكس”، فإن نيما ميربوريان، مدير فرع شركة “روبرت هاف تكنولوجي” في تورنتو، وهي شركة متخصصة في التوظيف في مجال تقنية المعلومات، لم ير بعد الكثير من إعلانات الوظائف التي تتطلب مهارات التقنية ثلاثية الأبعاد، ولكنه يتوقع أن يتغير هذا الوضع قريبًا، قائلًا “بدأنا نسمع عن تذمُر البعض من تزايد التوظيف في مجال الطباعة ثلاثية الأبعاد”.
وعلى الرغم من أن الطباعة ثلاثية الأبعاد تعد “أحد مجالات الخبرة المتخصصة” على حد تعبير ميربوريان، إلا أن كل من يهتم بهذا المجال يمكنه أن يجد لنفسه وظيفه فيه؛ فالفرص متوفرة للناس من جلّ المجالات.
فقبل كل شيء، ليست الطباعة ثلاثية الأبعاد تطبيقًا صناعيًا بقدر ما هي درب من دروب التكنولوجيا، وهذا يعني أن المطورين، ومطوري الشفرات، والمبرمجين وغيرهم من العاملين في المجالات ذات الصلة بالتكنولوجيا مطلوبون أيضًا من أجل إنشاء البرنامج المطلوب لتشغيل آلات الطباعة ثلاثية الأبعاد وتطويره.

وقال تود غريم، عضو في المجلس الاستشاري لهيئة الطباعة ثلاثية الأبعاد، يجب أن تتوافر أيضًا فرص عمل للمبدعين، كالمصممين والفنانين، الذين سيسهمون في صُنع المنتجات التي تطبعها هذه الطابعات. كما أن المزيد من العمالة اليدوية ستكون مطلوبة من أجل تشغيل الطابعات ومعالجة الأجزاء والنماذج المبدئية.
وقال بيتي باسيليير، نائب رئيس خدمات الطباعة والتصوير لدى شركة غارتنر للأبحاث، إن ثمة فرص أيضًا في مجالي البحث والتطوير، حيث يعكف العلماء والأكاديميون على تطوير نظريات جديدة عن كيفية استخدام المواد ذات الصلة بالتصنيع التجميعي وتصنيعها.
ومع نمو هذه الصناعة، من المتوقع أن يتزايد الطلب بكثرة على كل من يتمتع ببعض الخبرة الفنية في مجال الطباعة ثلاثية الأبعاد، “فالخبرة تفوق ماعداها في الأهمية”، على حد تعبير ميربوريان. وهذا يمثل أحد مواضع الخلل في السوق، ومن أجل ذلك فإن هذه المهارات تعد ذات صلة كبيرة، ولا سيما في مجالي التطوير والتصميم”.

أسباب التفاؤل

ثمة أساب عديدة تجعل باسيليير وغيره يقتنعون بأن الطباعة ثلاثية الأبعاد توشك أن تحقق النجاح المأمول، من بينها ما تعلمه حديثو التخرج من مهارات التصنيع التجميعي في الجامعة والتي سيطبقونها في أولى الوظائف التي سيحصلون عليها.
فضلًا عن أن القطاع العسكري، الذي يتطلع إلى استخدام الطباعة ثلاثية الأبعاد في كل شيء، بدءًا من الطعام- من خلال عبوات مملؤة بالعناصر التي توفر وجبات بحسب الطلب – إلى الأسلحة، يُعلم المجندين فيه كيفية استخدام هذه التكنولوجيا.

كما أن الأسعار لازالت تنخفض. فعلى مدار السنوات الثمان الماضية، هبطت أسعار الطابعات آلاف الدولارات. وقال غريم إن الطابعة ثلاثية الأبعاد الصغيرة التي توضع على سطح المكتب كانت تكلفتها منذ ثمان سنوات 20 ألف دولار أمريكي، أما الآن فوصل سعرها إلى 400 دولار أمريكي، وسيستمر سعرها في الانخفاض.
ومن ناحية أخرى بدأت الشركات تتوصل إلى كيفية إدراج الطباعة ثلاثية الأبعاد لتصبح جزءًا من أعمالها.
وقال غريم إن للطباعة ثلاثية الأبعاد ثلاثة استخدامات رئيسية، أولها تصنيع المنتجات الأولية والنماذج للتأكّد من خلو تصميم المُجسّم من العيوب قبل تصنيعه، وتلك هي الركيزة الأساسية التي تقوم عليها الصناعة منذ سنوات، على حدّ قوله، وستظل المحرك الأساسي للنمو.
وقد شهدت التكنولوجيا تطورًا كافيًا لإنتاج نحو 500 منتج أو ما يقرب من ذلك على المدى القصير، مما يتيح للشركات اختبار السلع في السوق.
وقال غريم، كما يُستعان بها في المصانع لتصنيع الأدوات، مثل البراغي (المسامير اللولبية)، وأدوات التثبيت والموّجهات، التي تستخدم بعدئذ في تصنيع منتجات أخرى.
وأخيرًا، من المتوقع أن ينتشر استخدام الطباعة ثلاثية الأبعاد في المزيد من الشركات لتصنيع السلع مكتملة الصُنع، أو على الأقل أجزاء السلع مكتملة الصُنع. وأحد مزايا هذه التكنولوجيا هي أنها ستُمكن الشركات من تصنيع أجزاء أكثر تعقيدًا بمراحل من الأجزاء التي تُصنعّها أنظمة التصنيع التقليدية، فضلًا عن أنها أقل سمكًا وأكثر استدارة ومرونة، كما قال غريم.

قطاعات حققت نجاحًا

ستستخدم يومًا ما الطباعة ثلاثية الأبعاد في جلّ الصناعات، لكن حتى وقتنا هذا يمثل مجال صناعة الفضاء أحد أكبر متسخدميها. فقد صنعت شركة جنرال إلكتريك، على سبيل المثال، أجزاء محرك نفاث، مثل منافث الوقود وأنظمة التوربينات، من مكونات مطبوعة عن طريق الطابعات الثلاثية الأبعاد. كما تمكنت وكالة ناسا من تصنيع غرفة احتراق لصواريخها مصنوعة من مواد أنتجت من خلال عملية التصنيع التجميعي.
كما يسير نمو التصنيع التجميعي بخطى متسارعة في مجال العناية الصحية، حيث يُستعان بهذه التكنولوجيا لإنتاج العظام والأنسجة المزروعة والأعضاء وحتى القلب.
وعلى الرغم من أن الطباعة تطورت تطورًا كبيرًا في أوروبا وأمريكا الشمالية، إلا أن غريم يتوقع أن تتصدر الصين هذا السوق كلاعب رئيسي. يقول غريم: “تتخذ هذه الدولة مكانًا في السوق استعدادًا للتغيير المرتقب في عالم الصناعة”.