Site icon IMLebanon

قانون الإيجارات بين التفسير والتطبيق

tripoli-lebanon-building

هدى صليبا

ما أن تخبو مسألة صحة أو عدم صحة تطبيق قانون الايجارات، خصوصا في ما يتعلق باسترداد المأجور وبالبدل، وبالمطالبات المتناقضة لحقوق المستأجرين والمالكين الذين يردّون على بعضهم بردّات فعل تكون حيناً قاسية، وأحياناً مليئة بالحقد والكراهية، بعيدة عن المنطق السليم والانساني، حتى تطفو من جديد هذه المشكلة بين المالك والمستأجر عبر وسائل الاعلام، التي باتت المتنفس الوحيد لصبّ الغضب وللتشاطر ليس إلا, وبعيدا عن الوجهة الانسانية. فكل يردّ بمواقف أعنف، في غياب الدولة التي تصبّ الزيت فوق النار، ولا تبسط سلطة العدل والحق بين الناس حتى الساعة! وأيضا في وضع تناقض القضاة عند تطبيق هذا القانون، حيث لا تصل الدعاوى المتعلقة بمواد القانون الدقيقة الى خواتمها، فإما تُفْصَل ظلماً بحق المستأجر أو المالك، فيُخاصَم القضاة ويتوقَّف التنفيذ لكي يُعاد النظر في الدعوى من جديد، أو تقف القضية عند حدود معينة يفرض توقفها القاضي، لأن القانون الجديد وضع مُشَرِّعاه، روبير غانم وسمير الجسر، وحدهما، بعض النصوص التي لا يمكن تطبيقها في غياب شروطها العملية، كإنشاء صندوق الدعم للمستأجر وتأليف لجنة لتخمين بدل الشقق السكنية، بحيث أصبح القانون الذي هو تماما القانون القديم مع بعض التعديلات التي تثير الخلاف، مشلولا بحكم الواقع.

الخطأ في تفسير القانون الجديد

ويعمل بعض القضاة الذين اعتادوا على نشر دراسات لهم في كتب، خلال شدّ الحبال هذا، على اعداد كتب تتعلق بقوانين الايجارات، بينهم القاضي المتقاعد، والعضو في المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، الدكتور في الحقوق عفيف شمس الدين الذي أعدّ كتابا جديدا وضعه في متناول الحقوقيين يحمل عنوان «دليل المالك والمستأجر في قانون الايجارات – القانون المنشور في 26\6\2014».
هذا الكتاب الذي أثار الكثير من الانتقادات، وبحسب مصادر مطلعة وآراء لحقوقيين يراقبون التشريعات، صدر مقتضبا نسبة لأهمية وتشعّب الموضوع، وغامضا في شرح وتفسير القانون الجديد، ومليئاً بالتناقضات وبالأخطاء، لأنه وفي مسألة جوهرية وحقيقية، أكد الكتاب من ناحية وفي أحد الأبواب أنه من الخطورة بمكان إحلال القاضي عينُه محل المشترع اللبناني، فيما من جهة أخرى وفي باب آخر أشار الكتاب الى أحقية القاضي باعتبار نفسه يحل محل اللجان!… هذا فيما عنى مسألة اللجان على وجه التحديد. أما لجهة انشاء صندوق دعم مالي للمستأجر، فقد تجاوز الدكتور عفيف شمس الدين، ودائما وفق ما يردّده محامون وحتى قضاة، تلك المسألة الهامة في القانون الجديد للايجارات، حيث بحث في القانون وكأنه لا وجود مطلقاً لذلك الصندوق، في وقت عمَد فيه المشترع اللبناني الى التأكيد تكرارا ومرارا على تلك المسألة، ذلك أنه لا يُخفى على أحد من الضليعين في الحقوق والقوانين، أن المشترع اللبناني انتهز سياسة «الغنم بالغرم» عندما نصّ على حرمان المستأجر من فرصة الانتفاع من مأجوره لقاء بدلات زهيدة، وحرُص في الوقت نفسه على اعطاء لا سيما الشريحة الفقيرة، وذات المستوى المعيشي الذي لا يتجاوز ثلاثة أضعاف الحد الأدنى للأجور، فرصة الحصول على مساهمة مادية، أتت مواكبة وفي آن لتلك المسألة بالذات، حيث لا يمكن التغاضي أبدا عن تلك المساهمة المالية، المتمثلة بالصندوق، ذلك الصندوق الذي بقي في مهب الريح!!!؟
وفضلا عن ان اجتزاء المواد او انتقاء مادة دون أخرى، يعني حرمان المستأجر من ذوي الدخل المحدود من تلك الافادة من دون مبرّر مقبول قانونا او واقعاً، وان القفز فوق مسألة تأمين الصندوق للمساهمات المالية بهدف دعم المستأجر لا يقبل به منطق سليم، فالأخذ بإعطاء القاضي حق تجزئة النص بحيث يطبّق من النصوص ما يراه مناسبا، وملائما من دون مبرّر قانوني محق وسليم، أمرٌ يؤول الى جعل المستأجرين عِرْضة للحرمان الفوري ومن دون وجه حق، من آخر معقل لهم في الوجود ضمن الاراضي اللبنانية، وهذه علامة تهجير صريحة ظالمة في حين ان لبنان بات مليئا بالأجانب الشرقيين والغربيين.
وانطلاقا من هذا الواقع الأليم، يقول الحقوقيون، ان الدكتور شمس الدين وقع في الخطأ الذريع عندما عرض في كتابه هذه المسألة بالشكل المذكور آنفا، وهو ما يتنافى في مطلق الاحوال مع المنطق القانوني السليم الذي يفرض التقيد بالتفسير الحصري غير المجتزىء لقانون الايجارات الجديد وتطبيقه بصورة حصرية وضيّقة. (لطفا راجع جريدة اللواء يوم 17 شباط 2016 في مقال «دراسة موضوعية هامة في قانون الايجارات الجديد»).

اجراء المادة 25 لاحق أم سابق للاسترداد؟

من جهة ثالثة، وفيما يعني مسألة الاسترداد تحديدا، فقد نص القانون على المساهمة المالية العائدة للمستأجر (المادة 22 فقرة اخيرة). غير ان كتاب القاضي شمس الدين لا يذكر تلك المادة بتاتا، في حين نجد من جهة رابعة واخيرة لهذه الناحية، تأكيد كتاب القاضي شمس الدين فيما خص نص المادة 25 من القانون، على ان تلك المادة تأتي لاحقة لصدور الحكم لا بل لانبرامه!!! في حين ان تلك المادة تشير الى النقاط المختصرة التالية:
– لقد نص المشترع اللبناني وبصورة واضحة وجازمة وأكيدة لا تقبل تأويلاً أو التباساً، ان على المالك وفي جميع حالات الاسترداد ان يعرض ويودع لدى كاتب العدل ما لا يقل عن 90% من مجمل قيمة التعويض المتفق عليه، قضاءً أم رضاءً، وبالتالي فانه على المالك، وتحت طائلة رد الاسترداد، واجب العرض والايداع، ولا يمكن في اي حالٍ القول بأن ذلك الاجراء لاحق، انما هو سابق لعملية الاسترداد! لماذا؟
لأنه اذا كان هذا الاجراء لاحقاً للحكم، فما حاجة المُشْترِع الى القول «رضاءً أم قضاءً»؟ ان ما يعزّز تلك الفرضية هو ان المشترع نفسه، حتّم ايضا ايداع 90% من قيمة التعويض المتفق عليه. ولو كان حقاً ذلك الاجراء لاحقاً للحكم، لما قال 90%، انما لكان قال 100%. ثم ما دور كاتب العدل (الذي يأخذ من المالك النسبة المالية عن كل معاملة ينجزها)!؟
لو كان هذا الإجراء لاحقا للحكم، كما ذكر القاضي عفيف شمس الدين في كتابه، لما كان على المالك ان يودع الجزء الغالب من المبلغ المتفق عليه في هذه الحالة لدى كاتب العدل (مراجعة بعض الاجتهادات الصادرة عن محكمة استئناف بيروت، كدعوى مكاري في قضية الاسترداد للضرورة العائلية. تاريخ الحكم 23 شباط 2016).
ولو كان هذا الاجراء، وعلى فرض انه لاحق لصدور الحكم المتعلق بالاسترداد، لكان من الاجدى الاكتفاء بتنفيذ الحكم لدى دائرة التنفيذ المختصة، ما يطرح السؤال الآتي: هل نحن هنا امام تنفيذ حبي ان جاز التعبير؟ وان كان الأمر كذلك، هل نحن في مرحلة افساح المجال امام المستأجر للاتفاق الرضائي؟ وعلى أي أساس؟
عندما نص المشترع على احكام المادة 25 من قانون الايجارات الجديد، انما حرُص وبصراحة على افساح المجال في آن، للمالك كما للمستأجر، لإمكانية التوصل حبيا الى انهاء نزاع يتصل ولو في استرداد المأجور، وبذلك نكون امام اجراء يسبق الدخول الى القضاء وليس لاحقا له. ولا يُرَدْ بذلك القول ان الاتفاق قد يكون حبيا او قضائيا، لأن المسألة تتصل على وجه التحديد ببدل المثل، الذي نُصَّ عليه في احكام المواد السابقة لتلك المادة (مراجعة المادة 20) فكلمة بدل المثل القضائي هنا انما تعود لبدل المثل المتوجب الحصول عليه قضاءً عن طريق لجنة عطّلها المجلس الدستوري، اذ ان بدل المثل هو الركيزة الاساسية التي عليها تُبْنى التعويضات المتعلقة بالاسترداد تحديداً.
ويستنتج مما تقدم، ودائما وفق اقوال الحقوقيين، ان المادة 25 من قانون الايجارات الجديد، سابقة وليست لاحقة لأي حكم أو قرار في قضايا الاسترداد المتعلقة بها، والقول عكس ذلك يعني الغاء دور دائرة التنفيذ التقليدي، او الالتفاف عليه، في وقت لا يُسْتَشَف فيه ابدا، من مراجعة كافة الاحكام المتعلقة بالاسترداد، ما يوحي بذلك او يفرضه على وجه الخصوص. اما اذا كان هذا الاجراء اضافيا للدور العادي المتعلق بدائرة التنفيذ، فهل يُعْقَل ذلك؟
هل يُعْقَل ان يحصَل التنفيذ مرتين؟ المرة الاولى في التحصيل العادي لدى دائرة التنفيذ، والمرة الثانية في التحصيل الاستباقي او التمهيدي لذلك الدور، عبر القيام بعملية العرض والايداع لدى كاتب العدل، وهو اجراء لا مبرّر له في الاساس ولا موجب يستحق القيام به؟
والذي يدلّ على ذلك هو المادة المُسْتَتْبعة الـ26 من القانون، والتي تنص على انه في حال قبض المستأجر مبلغ الـ90% من التعويض المتفق عليه، وبقي في المأجور 6 أشهر من دون أن يُخليه، يبقى على المستأجر ان يدفع غرامة محدّدة للمالك! ما يطرح السؤال من جديد:
هل يُعقَل وبعد صدور الحكم المُبْرَم فيما خصّ الاسترداد ان تكون المادتان 25 و26 لاحقتين لقرار مُبْرَم، يُفْتَرَض تنفيذه اصولا لدى دائرة التنفيذ المختصّة؟!

المواد الواجب تعديلها

يكتنف المادتين 25 و26 من قانون الايجارات الجديد الغموض، وما قدّمه كتاب القاضي عفيف شمس الدين من اجتهادات في القضاء اللبناني، هو اضافة غير مُسْتَحَبّة من شأنها أن تضيف على ذلك الغموض تعقيدات لم يكن المُشترع ابدا في وارد اضافتها او تشريعها. ويُلَخَّص مما تقدّم ان المؤلَّف لم يُضِف ما من شأنه القول بايجاد مخرج ولو بسيط للآفات القانونية الناتجة عن التطبيق غير المنطقي لأحكام قانون، تحتاج للتنقيح والتعديل من قبل مجلس النواب، وأبرز نقاطها التالية:
أ – لا بد من تدخل المشرِّع اللبناني لكي يوضح ويعدّل النصوص التي عطَّلها المجلس الدستوري، اي المواد 7 و13 و18 الفقرة الرابعة منها، فضلاً عن وجوب تحديد مصير الصندوق والمستأجرين من ذوي الدخل المحدود. ولا بد أيضاً وبوجهٍ أخصّ، ان يُعدِّل المشرع اللبناني مسألة الغاء التخفيض 1\9 ثم الـ1\9، لأن الأخذ بالتخفيض هذا يعني تشريع الاسترداد من دون تعويض، ويعني ايضا رمْي المستأجر في قارعة الطريق، وحرمانه من مأواه الأخير.
ب – لا بد للمشرّع اللبناني ان يعدّل المادة 29 من القانون الجديد للايجارات والتي تنص على انذار المالك للمستأجر، وان جاز التعبير، على حرمانه من الاستفادة في حال توفي المستأجر الأصلي بعد صدور القانون الحالي مثلا، وليس بعد عام 1992، لأنه بذلك التاريخ يكون قد انقضى ما يزيد عن 24 عاما على استئجار المأجور، حيث لا يعطى المستأجر ابدا فرصة لتدبير أمر نفسه. فان أُجيز القول بعدم امكانية الافادة للاشخاص الذين عدّدهم المشرع اللبناني، ينبغي ان لا يصار الى تفرقة ما بين العام 1992 وبين اليوم، بل يجب ان يكون التاريخ الاخير هو الواجب اعتماده منعا لحدوث عمليات تهجير جماعي لقدامى المستأجرين، ولكي لا تتفاقم ازمات اجتماعية واقتصادية لبنان اليوم في غنىَ عنها، علما ان تلك المادة 29 أتت لكي تفرّق وتميّز ما بين مستفيد وآخر من دون وجه حق، فما الفرق بين الزوجة والابن.. حتى ان القاضي شمس الدين في كتابه ميّز ايضا وبحكم تلك المادة بين أم ورضيعها!! فهل يُعقل ان تبقى الأم ويؤخذ منها الرضيع؟؟!!! لذلك فانه من الضروري تعديل تلك المادة بما يتلاءم ايضا مع الاوضاع المعيشية والاجتماعية والحقوقية الانسانية المتعارف عليها.
ذكر قانون الايجارات الحالي بدل المثل، فأسماه السنوات التسع التمديدية، حيث يكتمل بدل المثل في السنة السادسة!! لقد التفّ المشرع اللبناني على الحق التأجيري للمستأجر من خلال الانتقاص من تلك المدد والآجال، فاذا وصل بدل المثل في عامه الثالث الى كامل ما على المستأجر دفعه، يعني ان السنوات باتت ست وليست تسع!
لذلك لا بد من تعديل الأسس الفنية والعملية الحسابية العائدة لبدل المثل، حيث لا تزيد ابدا عن النصف، انما تقف عند النصف لغاية مرور التسع سنوات الاولى، أي اذا ما قاربت نصف بدل المثل تقف عند تلك الحدود من دون ان تتجاوزها، والا فالقول بخلاف ذلك يعني ان مدة التمديد هي ست سنوات، وليست تسع سنوات، وبالتالي فان هذا من غير المعقول ومن غير المقبول قانونا وواقعا ضناً بحقوق الفريقين، وائتلافا في آن مع شرعة العقود، لا سيما العقود المتصلة تحديدا بالايجارات، في ظل تمديدٍ جبري بات يزيد بعمره اليوم عن السبعين عاما قتاليا، وايضا على ضوء الانعكاسات الاجتماعية – الاقتصادية – العمرانية – الحقوقية المتلاصقة به.
وبعد كل ما تقدم، فانه لا بد من تدخّل المجلس التشريعي، لتعديل النصوص الواجب تعديلها، وللاستئناس بالنقاط المذكورة اعلاه والتي نتجت عن قراءة مفصّلة لكتاب «دليل المالك والمستأجر» وعن جوجلة لآراء حقوقية فيه، في حال اغفالها يكون اللبنانيون امام كارثة تهجيرية بكل ما للكلمة من معنى.