Site icon IMLebanon

بين فرنجيه الجدّ وفرنجيه الحفيد: خيط التشابه؟

كتب نقولا ناصيف في صحيفة “الأخبار”:

منذ شاع تفاهم باريس بين الرئيس سعد الحريري والنائب سليمان فرنجيه على دعم ترشيح نائب زغرتا للرئاسة، حار مؤيدو هذا الخيار ومعارضوه من اين يمسكون خيط التشابه بين الحفيد وجده الرئيس سليمان فرنجيه في تجربة انتخابات 1970.

ما بين اجتماع الرئيس سعد الحريري والنائب سليمان فرنجيه في 19 تشرين الثاني 2015 في باريس واليوم تبدلت مفاهيم الرجلين، ومقاربتهما الاستحقاق الرئاسي. يكادان يتكلمان بلغة واحدة. بل في وسع كل منهما ان ينوب في الكلام عن الآخر: اجيز في تيار المستقبل انتخاب رئيس من قوى 8 آذار وإن وُسم بصداقة الرئيس السوري، مقدار ما بات الرئيس القوي ــ صاحب التمثيل السياسي والشعبي الواسع ــ وهو احد مواصفات اجتماعات بكركي ــ عبئاً ثقيلاً على طائفته. على مرّ ذلك الوقت ما ان يُذكر ترشيح فرنجيه يؤتى على ذكر انتخاب جدّه الرئيس سليمان فرنجيه. آخر مثال على شد خيط التشبيه بينهما كان في استقبال نائب زغرتا في طرابلس الاسبوع الفائت، ضيفاً على مفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعار.

على مرّ عقود الرئاسة اللبنانية امكن استخلاص قاعدتين اساسيتين على الاقل كانتا تعدان لانتخاب رئيس الجمهورية:

اولاهما، ان الحياة لا تكتب الرئاسة لكل الناس، ولا خصوصاً لجميع الذين يطلبونها، لدوافع شتى معظمها اقترن بالاستحقاق نفسه ووطأة التحالفات الداخلية والتدخلات الخارجية. فإذا اللحظة الاخيرة تصنع الرئيس: تارة الذي تحضّر للمنصب وطوراً مَن هبط عليه. كثيرون ممن كانوا يستحقون الرئاسة لم تمنحهم اياها الحياة كحميد فرنجيه وريمون اده وجان عزيز وميشال اده ونسيب لحود، مقدار ما اعطيت الرئاسة مَن تستحقه كبشارة الخوري وفؤاد شهاب، او مَن تليق به ككميل شمعون.

ثانيتهما، ان الرئاسة اللبنانية في الغالب لا تبصر النور الا ببصمة الهية تمنح المنصب لمَن لم يتوقعه حتى. رفضه شهاب عام 1952 فعاد اليه عام 1958 قبل ان يحل فيه بعد 6 سنوات مَن اعتقد شهاب انه قد يشبهه في الحكم هو شارل حلو، فإذا الرجل من طراز نقيض. بلغه بشير الجميل عام 1982 فتسلم الحكم شقيقه امين الشهر التالي. وطأه رينه معوض فإذا الياس هراوي الرئيس بعد 21 يوماً. يكاد لا يحصى بين الموارنة مَن رام رئاسة الجمهورية. سواء مَن طلبها للمرة الاولى كبيار الجميل، ومَن طلبها للمرة الثانية ولم يطل كالشيخ بشارة، او لم ينلها ثانية كشمعون، ومَن رفض المرة الثانية كشهاب والياس سركيس.

تجتمع في فرنجيه الجدّ، في هذه السلسلة، اكثر من سابقة: كان من اؤلئك الذين كتبت لهم الحياة الرئاسة من دون ان يتوقعها، وممن طلبها مرة ثانية عام 1988 ولم تؤتَ له هو الذي نادى زعماء السنّة والشيعة والدروز بتنحيه قبل نهاية ولايته عام 1976. كان ممن هبطت عليهم البصمة الالهية في لحظة بدا من المستحيل ان يحل فيها اي من الزعماء الموارنة الآخرين. وهو كذلك.

لعل كمّ من المصادفات وضع رئاسة الجمهورية عام 1970 بين يدي فرنجيه الجدّ، من غير ان يكون في قلب الاشتباكات الدائرة آنذاك:

1 ــ خامس الزعماء الموارنة الاقوياء حينذاك، بعد شهاب وشمعون والجميل واده. لم يرئس كتلة نيابية مرة، بل رعى ائتلافاً جمع العائلات الثلاث المتناحرة في زغرتا (هو ومعوض وسمعان الدويهي) في لائحة واحدة في انتخابات 1964. لم تمسِ اللائحة الانتخابية في الدورتين التاليتين (1968 ثم 1972 مع نجله طوني) كتلة نيابية متضامنة: قدم معوض في الشهابية وهو ممن لم ينتخب فرنجيه رئيساً، وقدم الدويهي عند شمعون. كانت لجان عزيز في جزين زعامة محلية مماثلة لفرنجيه، الا انه تمكن من ان يرئس كتلة نيابية عامي 1964 و1968.

2 ــ انتخب فرنجيه الجد بإرادة مارونية نجمت عن تعذّر حصول اي من زعماء “الحلف الثلاثي” (شمعون والجميل واده) على اصوات الفوز في مواجهة المرشح الشهابي سركيس. كان فرنجيه في صلب كتلة نيابية اخرى مختلطة جمعت الشيعي كامل الاسعد والسني صائب سلام، ولم تطرح هذه مرشحاً لها ما خلا تشبثها بهدفين: منع انتخاب المرشح الشهابي، وفي الوقت نفسه معارضة ترئيس اي من المرشحين الثلاثة في “الحلف الثلاثي”. كان الى جانب سركيس ايضاً حليفان قويان هما الشيعي صبري حمادة والسنّي رشيد كرامي.

الخميس 13 آب قرر فرنجيه التوجه من منزل صهره رودريك دحداح في محلة البطريركية في بيروت إلى اهدن، كي يرتاح من عناء استحقاق اصطدم باشتباك الحلفاء الموارنة وتنافسهم ورفض بعضهم البعض الآخر رئيساً، مشيراً الى المتصلين به انه سيؤيد حتى الاثنين 17 آب ــ موعد الجلسة ــ سركيس، ممتعضاً من تعذر الاتفاق على مرشح قوي ينافس المرشح الشهابي وينتصر عليه. على انه تلقى اتصالاً من سلام للمكوث حيث هو. اليوم التالي 14 آب، اجتمع تكتل الوسط ورشحه رسمياً. الاحد قصد اهدن وظل فيها حتى الاثنين. بفضل بوانتاج جوزف سكاف وتوقعه فوز الرئيس بفارق صوت واحد، رشّح فرنجيه الذي يأتي الى الانتخاب وصوته معه.

3 ــ لم يكن بين الزعماء الموارنة آنذاك اكثر مما هو بين زعماء اليوم المرشحين الاربعة المعلومين. لا في الخلافات، ولا في التشهير المتبادل، ولا في التشتت على تحالفات متناقضة. رضي شمعون بترشيح فرنجيه بعدما تذكر رد جميل تنحي حميد له عام 1952 هو الذي حكم على سليمان بالاعدام عام 1957. كذلك سلّم به الجميل الذي تطلع باكراً الى مد نفوذ حزبه الى زغرتا، واده الذي لم يبصر فرنجيه سوى نقيض شقيقه و”قاطع طريق” من فرط اتهامه بالعنف والنزق. مع ذلك ذهبوا جميعاً الى انتخاب رئيس الجمهورية، وصوّتوا لرابع كي يفوز بإرادة مارونية أولاً، لا تتناقض بالضرورة مع خيارات الشركاء الآخيرن.

في ذلك الزمان كان انتخاب الرئيس أولى من طموحات المرشحين.

بالتأكيد ليست ثمة اوجه شبه بالضرورة بين الجدّ والحفيد.