كتب نبيل هيثم في صحيفة “السفير”:
هناك شريحة لا يُستهان بها من اللبنانيين لا تصدق بأن الانتخابات البلدية والاختيارية ستُجرى في مواعيدها المحددة بدءًا من الشهر المقبل.
وعلى الرغم من ان التحضيرات الرسمية لانجاز هذا الاستحقاق، واعلان القوى السياسية الاستنفار البلدي وتزييت ماكيناتها في المدن والقرى ومباشرة، وكذلك الاستعدادات الشعبية والعائلية لخوض الانتخابات ترشيحا واقتراعا، فإن هذه الشريحة مثل “توما”، يأخذها الشك الى المدى الابعد، ولن تصدق بأن الانتخابات ستُجرى الا اذا لمست لمس اليد، ان صناديق الاقتراع قد فتحت لاستقبال المقترعين.
شريحة المشككين هذه، زادت في الآونة الاخيرة، بعدما نُفخت شائعة، من مكان ما، في الاجواء اللبنانية، بان الانتخابات البلدية على وشك التأجيل، وثمة من نسب الى النائب نقولا فتوش انه موكل إعداد اقتراح قانون التأجيل مع الاسباب الموجبة لذلك، على غرار اقتراح التمديد لمجلس النواب.. بينما فتوش لا علم له بذلك!
الرئيس نبيه بري أكد ان لا علم له بكل ما يقال عن أن وليد جنبلاط يريد تأجيل الانتخابات. أكثر من ذلك “لم اسمع بموضوع تأجيل الانتخابات الا من الإعلام، كما لم اسمع بأن احدا ما قد طلب التأجيل”.
وعندما يُسأل بري عما اذا كانت جهات سياسية او غير سياسية قد عرضت عليه موضوع التأجيل، يجيب فورا: “أبدا”.. ثم يكمل: “حتى أكون حاسما وقاطعا ولمرة واحدة وأخيرة، واللهِ ـ بكسر الهاء ـ لم يفاتحني احد بموضوع تأجيل الانتخابات البلدية لا من قريب ولا من بعيد، وأقول للمرة الأخيرة إن الانتخابات حاصلة في مواعيدها”.
ويقول بري: “كل البلد ينبض بالانتخابات البلدية والاختيارية، وماكيناتنا ـ في حركة “امل” ـ بدأت في العمل 24 على 24، وشرعت في الاتصالات والمشاورات مع العائلات وكل المعنيين بهذا الاستحقاق في المدن والقرى وكل المناطق المعنيين بها، للوصول الى تفاهمات ونسج تحالفات لاخراج الاستحقاق باعلى نسبة من التفاهم والانسجام العائلي والسياسي، وها انا شخصيا اسخر جانبا مهما من وقتي واهتماماتي لهذا الموضوع، وقد قطعنا شوطا كبيرا ومهما جدا في الوصول الى التزكية في الكثير من المناطق، وهذه علامة جيدة ومريحة”.
في قاموس بري “لا شيء اسمه تأجيل الانتخابات البلدية”، ثم ان وزير الداخلية نهاد المشنوق قد قام بما عليه وحدد مواعيد الانتخابات ولن يصدر عنه أي أمر خلاف ذلك. ولمزيد من التأكيد، يضع بري ما يمكن وصفها بـ”اللاءات الحاسمة”: لا تأجيل ولا إلغاء ولا تمديد. وكل كلام عن تأجيل او إلغاء أو تمديد لا قيمة له. واكثر من ذلك، لن يكون لمثل هذا الكلام ممر في مجلس النواب، ولنفرض ان هناك من فكر في اي لحظة في اقتراح تمديد للبلديات، فأنا اقول من الآن، سأكون رأس حربة المواجهة، ولن ادع هذا الاقتراح يمر في المجلس، لا بل لن اتركه يصل الى جدول الاعمال، وبالتالي لن ادرجه في جدول أعمال أي جلسة”. ونقل زوار بري عنه قوله ان أي تراجع عن الانتخابات سيدخل البلد في خضة كبيرة جدا.
اما وزير الداخلية نهاد المشنوق فهو متأكد من حتمية اجراء الانتخابات البلدية في مواعيدها، وليس سرا انه لا يريد ان يشرب كأس التأجيل لا من ايدي الخصوم ولا من ايدي الاصدقاء.
قال المشنوق صراحة ان جنبلاط لم يفاتحه بموضوع تأجيل الانتخابات. وقال ايضا انه لن يبادر الى التأجيل، فيما كانت الشائعة تشق طريقها سريعا وتضع جنبلاط في “بوز” مدفع التأجيل، وانه الاكثر حماسة لهذا التأجيل لأنه يخشى خسارة بلديات مسيحية سواء في الشوف او عاليه، في ظل التحالف القواتي ـ العوني، بالاضافة الى بعض البلدات السنية في اقليم الخروب في ظل ازدياد عدد المتأثرين بالمناخ المتشدد.
وثمة من يدعّم شائعة ان جنبلاط يريد التأجيل، بالاستشهاد بكلام زعيم “التقدمي” نفسه حينما تهكم على الانتخابات بقوله: “الانتخابات البلدية والاختيارية مصيبة وحلت بنا.. في أي حال هناك استحقاق اسمه الانتخابات البلدية، ولكن، كأننا نخالف الأعراف، فلا توجد انتخابات رئاسية، ولا توجد انتخابات نيابية، ومع ذلك نذهب ألى الأسهل، وهذا أمر عجيب غريب”!
غير أن جنبلاط يستخف أكثر من غيره بهذه الشائعة، ويردد أنه مع مجاهرته بالاستعداد للانسحاب من الحياة البرلمانية عبر الاستقالة من النيابة في اول جلسة يعقدها المجلس النيابي، لا يرى موجبا او بالاحرى لا يريد ان يضيع وقته على ما هو “سخيف”، اي الرد على مثل “هذا الكلام الفارغ”، خصوصا ان تلك الشائعة لا وزن لها، وتنفي نفسها بنفسها، فضلا عن ان حزبه، مثله مثل سائر القوى السياسية، يتحضر للاستحقاق البلدي في كل مناطق نفوذه من الشويفات الى الجبل واقليم الخروب، الى البقاع الغربي وصولا الى حاصبيا.
ويردد أحد المتابعين أن أكبر متضرر من الانتخابات هو “تيار المستقبل” الذي تنتظره محطات بلدية قاسية اقرب ما تكون الى معارك “تصفية حساب”، في مقدمها صيدا، وكذلك طرابلس التي تعدُّ بعض القوى، وفي مقدمها الرئيس نجيب ميقاتي، العدة للمعركة لتكرار نموذج انتخابات المجلس الاسلامي الشرعي الأعلى في طرابلس، حيث خسر مرشحو سعد الحريري في المدينة (باستثناء واحد)، لمصلحة مرشحي تحالف ميقاتي ـ محمد الصفدي ـ أحمد كرامي ـ فيصل كرامي ـ جهاد الصمد والمشايخ.