Site icon IMLebanon

نبض بيروت.. مش زي ما هي (بقلم هيثم الطبش)

 

 

 

 

كتب هيثم الطبش:

دخلت الانتخابات البلدية والاختيارية دائرة الجدية وباتت تقترب من أن تترجم واقعاً في الصناديق رغم كل ما قيل عن احتمالات تأجيلها، ورغم أن هذه الاحتمالات لا تزال متاحة لأكثر من سبب، إذ لا تكفي رغبة الطبقة السياسية في إجرائها لتتحول إلى حقيقة خصوصاً أن أي اهتزاز أمني أمر وارد في أي وقت.

لكن بما أن الأمور تبدو ذاهبة في هذا الاتجاه، فلا بأس من التفاعل مع الواقع من باب تسليط الضوء على ما يجري في بيروت تحديداً لخصوصيتها كونها العاصمة والبلدية الأكبر والأقدر مالياً. المشهد يتلخص في تنافس ثلاث لوائح على 24 مقعداً: “بيروت مدينتي” و”البيارتة” و”مواطننون ومواطنات في دولة”، وهذا الصراع حضاري في الشكل خصوصاً أن لائحة “بيروت مدينتي” تخرج كنوع من الانتفاض على واقع استمر سنوات وفي صفوفها أشخاص عاديون لا انتماء لهم، ما يعطيها القدرة غلى استقطاب الشارع الناقم على كل الطيف السياسي الذي اجتمع ممثلوه في لائحة سُميت “البيارتة” من دون أن يكون لأهل بيروت، ونعني هنا البيارتة وليس المقيمين فيها، دور يذكر في تركيبها.

هذه السطور لا تهدف بأي شكل من الأشكال إلى توجيه قرائها نحو خيار محدد، ولا تسعى إلى تكوين نبض ما بقدر ما تبغي تسليط الضوء على مزاج الشارع البيروتي قبل الانتخابات. فنبض أهل بيروت يميل إلى إحداث تغيير، وإذا كانت المسائل في القرى تأخذ بعداً عائلياً أكثر منه سياسياً، ففي العاصمة الأمر مختلف وتحديداً مع أهل بيروت الذين تعتبر شريحة وازنة منهم أن “تيار المستقبل” أخذ فرصة بل فرصاً عديدة من دون أن يلسموا تغييراً فعلياً في أمورهم اليومية بحكم أن البلدية هي التي يجب أن تكون السلطة الأقرب إلى الناس.

هؤلاء الناس يطرحون عبر وسائل التواصل الاجتماعي وفي لقاءات البيوت  أسئلة عن المعايير والمقاييس التي تعتمدها القوى السياسية في اختيار المرشحين وفي تشكيل اللوائح، ويستغربون هبوط الأسماء عليهم بالـ”باراشوت” ومطالبتهم بانتخايها كما هي، لماذا؟

قال الرئيس سعد الحريري في كلمة ارتجلها خلال إعلان لائحة “البيارتة” من بيت الوسط أن انتخاب هذه اللائحة يصب في خانة المناصفة والعيش المشترك تماماً كما كان يريده الرئيس الشهيد رفيق الحريري، لكن مَن قال إن أهل بيروت تنكروا يوماً للعيش المشترك؟

في الشارع تُسمع أصوات من بيارتة يفكرون في كسر معادلة “بطلنا العدّ” ويقولون في الوقت ذاته نعم لتمثيل الجميع إنما من ضمن النسب التي يمليها تعداد الصوت الانتخابي؟ البيارتة لا يريدون الانتقاص من قدر أي مكوّن من مكونات مجتمعهم لأنهم هم ضمانة بعضهم أولاً وأخيراً، والشارع البيروتي يُعد عدته للتعبير عن رأي صريح مفاده أن أهل المدينة لن يمنحوا ثقتهم لفريق سبق أن جرّبوه فأدار بلديتهم بمنطق الشركة.

“ليه لازم يكون رئيس البلدية مهندس” يسأل صديقي سائق سيارة الأجرة ويعاجلني بالجواب: “بتعرف ليه؟ لأن المهندس بفكر بمنطق الشركة والصفقة أما الحكيم مثلاً فبفكر بمنطق الإنسان والمحامي بفكر قانون، وهيك شكل… نحن ما بدنا صفقات تركب عضهورنا بقى”. أسأله “شو زاعجك بالمرشحين الجداد؟ يرُدّ عليّ بباتسامة استهزاء وبلهجته البيروتية: “يا خياي قال بدن يعملو بكل حي ملعب فطبول، ليه وين بعد في أراضي ما كلهن صارو لمرت نبيه بري أو لصهرو القديم، قال بدن يعملو انترنت بالجنينات ليه شافين العلم عم تقتل بعضها بجنينة الصنايع؟ قال بدن يفرزو من المصدر أيه وسوكلين ليه بدها تقبض مصاري؟”

أترك سيارة الأجرة وقد قال الرجل ما قد لا يمكن نشره، اجوجل أفكاري المختلطة بكلامه وأحاول البحث عن مخرج أقنع به هذا المحيط المنتفض من أمثال السائق إلى صاحب الدكان وعربة الخضار وبائع الفلافل وسواهم، بأن النية حسنة وأن الاتقلاب على الطاقم السياسي يتطلب ثورة وطنية شاملة، فتغلبني كلمة قالها السائق: “… روح قلو لصاحبك الرئيس يسمحلنا… الله يرحم أبوه الي كان كان… هلق لاء ما زي ما هي، نحن ولاد بيروت عارف حالو مع مين عم يحكي؟”