Site icon IMLebanon

“التوطين”… بعد “البلدية”!

اوضحت مصادر مطلعة لصحيفة ”الجمهورية” انّ الدوائر المختصة تجري اتصالات في مختلف الاتجاهات بعيداً من الأضواء لاستكشاف حقيقة ما ورد في تقرير الامين العام للامم المتحدة بان كي مون والمعطيات التي بُني عليها حتى أتى على ذكر توطين النازحين وتجنيسهم. ومن المنتظر ان يتم التفرّغ فعلياً لمعالجة هذا الأمر فور انتهاء الانتخابات البلدية.

في الموازاة، أكدت مصادر مواكبة لهذا الملف لـ”الجمهورية” أن “ليس من قبيل المصادفة ان تكشف الأمم المتحدة عن مضمون تقرير أمينها العام الذي يتضمن اقتراح تجنيس النازحين حيث هم حين تتعذّر عودتهم، في الوقت الذي ينشغل لبنان بخوض استحقاق الانتخابات البلدية والاختيارية، وكأنّ الهدف هو إمرار الموضوع من دون إثارة ايّ ضجة”. وأشارت المصادر الى “انّ حسابات حقل نيويورك لم تتطابق مع حسابات بيدر بيروت، فجوبِه الموضوع في لبنان برفض شامل.

وجاء الرفض بداية إفرادياً على صعيد بعض الوزراء كوزير الخارجية جبران باسيل ووزير العمل سجعان قزي، ليتحول لاحقاً رفضاً وزارياً من خلال اللجنة الوزارية المكلّفة ملفّ النازحين السوريين، وقد تحدث باسمها وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس، مؤكداً “انّ موقف لبنان موحد بأفرقائه كلها وطوائفه ومؤسساته”، وقائلاً: “لا نقبل أن نعطي جنسيتنا لأحد ولا نقبل للآخرين أن يتخلّوا عن جنسيتهم، هذا موقف قاطع للحكومة لا لبس فيه”.

وتبع موقف اللجنة رفض حكومي شامل من خلال الموقف الذي صدر بعد جلسة مجلس الوزراء الاخيرة والذي أكد “التمسّك بالدستور والإجماع اللبناني على رفض التوطين، وأي سياسات تقوم على تشجيع استيعاب النازحين في أماكن تواجدهم”، معتبراً أنّ “الحل الوحيد لأزمة النزوح هو بعودة السوريين السريعة إلى وطنهم، وهو ما يتناقض مع مفاهيم العودة الطوعية والاندماج والتجنيس”.

وهو الأمر الذي يؤكد أنّ رفض تثبيت النازحين السوريين يشكّل قاسماً مشتركاً للمكونات اللبنانية الأساسية التي اكتوت من تجربة تثبيت اللاجئين الفلسطينيين باسم اللجوء الموقت.

وقد شكّل هذا الرفض السريع الذي برز من لبنان بارقة أمل لوحدة اللبنانيين حيال قضية وطنية بهذا الحجم، وشكّل دافعاً للأمم المتحدة، وحتى للولايات المتحدة الاميركية، لكي تتحرّكا سريعاً لتطويق الضجة التي أثارها موقف الأمين العام في تقريره، فزار القائم بالاعمال الاميركي ريتشارد جونز رئيس الحكومة تمّام سلام وكلّف مجلس الوزراء وزير الخارجية الإبلاغ الى المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان سيغريد كاغ موقف لبنان الرسمي، فيما زار منسّق أنشطة الامم المتحدة والممثل المقيم لبرنامج الامم المتحدة الانمائي في لبنان فيليب لازاريني وزير العمل سجعان قزي الذي سيستقبل كاغ قبل ظهر اليوم.

وذكرت “الجمهورية” انّ ذروة التحرك اللبناني في هذا الإطار سيكون الموقف الذي سيعلنه رئيس الحكومة تمام سلام في القمة الانسانية العالمية التي ستعقد اليوم في اسطنبول التي وصل اليها أمس، حيث سيبلغ كل من يعنيهم الأمر من الامين العام للأمم المتحدة الى المسؤولين العرب والدوليين الموجودين في اسطنبول رفض لبنان مثل هذه الطروحات المشبوهة.

وسيبلغ سلام الى الامين العام للمنظمة الدولية انّ لبنان ليس راغباً الدخول في مواجهة مع الامم المتحدة، لأنه دولة مؤسسة لها تؤمن بالقوانين والشرعية الدولية، وكانت طوال تاريخها على أحسن العلاقات معها، إنما هناك خطوط حمر لا يستطيع ان يتخطّاها مع اي طرف، حتى مع الأمم المتحدة، وهذه الخطوط هي توطين النازحين السوريين في لبنان وتجنيسهم.

وكشفت “الجمهورية” انّ مواقف اوروبية اخرى، خصوصاً فرنسية وبريطانية، ستصدر هذا الاسبوع معلنة عدم تأييدها توطين النازحين السوريين، علماً أنّ كل هذه المواقف تبقى حبراً على ورق، أو كلاماً في الأثير، ما لم تضع الأمم المتحدة والدول الكبرى، ولا سيما منها الولايات المتحدة الاميركية وروسيا، خطة لإعادة النازحين السوريين الى بلادهم، وهو أمر متوافر مع انقسام سوريا اليوم بين منطقة للنظام ومنطقة أخرى للقوى المناهضة له.

وعلمت “الجمهورية” انّ اللجنة الوزارية المكلفة ملف النازحين السوريين ستجتمع هذا الاسبوع لدرس خطة تُعدّها لجنة من الخبراء والاختصاصيين، تتضمّن آلية معاكسة لطرح الأمين العام للأمم المتحدة.

ورداً على سؤال عن سبل محاربة توطين النازحين السوريين في لبنان، قال الاستاذ في القانون الدولي الدكتور شفيق المصري لـ”الجمهورية”: “انّ تصريح الامين العام للأمم المتحدة السيد بان كي مون في شأن اللاجئين السوريين استَند الى نصوص قانونية دولية منها اتفاقية شؤون اللاجئين التي صدرت عام 1951 ومنحَت اللاجئين المسجّلين لدى المفوضية التابعة لها منافع عدة، منها إمكانية توطينهم في الدولة المضيفة او في دولة ثالثة، الّا أنّ هذه الموجبات المُلقاة على الدول بصدد تطبيق الاتفاقية محصورة بالدول التي وقّعتها، علماً أنّ لبنان لم يوقّع هذه الإتفاقية، ولكنه سمح أصلاً بوجود المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، وبتسجيل عدد كبير من هؤلاء في سجلاتها. لذلك، يجب على مجلس الوزراء الآن ان يرسل تأكيداً الى الأمين العام للأمم المتحدة لكي يبلغ أصحاب الشأن أن لبنان مُستثنى من هذه الاحكام”.

وقيل للمصري: الا يعتبر انّ تسليم باسيل الى السيدة كاغ رسالة خطية موجهة الى الامين العام تتضمّن موقف لبنان برفض التوطين وأيّ شكل من أشكال البقاء الطويل للسوريين إجراء كافياً؟ فأجاب: “ليس كافياً إطلاقاً، لأنّ هذا الموضوع يقتضي ان تواجهه السلطة الاجرائية في لبنان الناطقة باسم السياسة اللبنانية أي مجلس الوزراء وليس بمجرد كتاب من وزير”.