Site icon IMLebanon

المشهد اللبناني في قمة إسطنبول


عصام الجردي

قبل مغادرة رئيس الحكومة اللبنانية تمّام سلام إلى إسطنبول على رأس وفد للمشاركة في مؤتمر «القمة العالمية للعمل الإنساني»، صرّح بوجوب توفير «دعم غير مشروط وغير مقيّد للاقتصاد اللبناني وسوق العمل، لتشغيل اليد العاملة اللبنانية، ومن ثم اليد العاملة السورية. نحن نعرف منذ عشرات السنين، أن لليد العاملة السورية حصة في لبنان سواء في القطاع الزراعي أو في القطاع العمراني، ولكن في ظل غياب مشاريع إنتاجية وبنى تحتية وإنمائية بدأت أعداد من السوريين تذهب إلى قطاعات ليست لهم أو لغيرهم الحق في العمل فيها مما يشكل منافسة لليد العاملة اللبنانية».
مؤتمر إسطنبول الأول منذ الحرب العالمية الثانية بدعوة من الأمم المتحدة، أهميته أنه سيرفع توصيات إلى الجمعية العامة السنوية في أيلول/ سبتمبر 2016 لاتخاذ قرارات في «الشأن الإنساني» لجبه مشكلة اللاجئين والتزام الدول والمؤسسات الدولية توفير الدعم لهم. والكل يعلم أن مرد هذه «الصحوة الإنسانية» غير المسبوقة إلى المشكلات الكبرى التي تواجهها البلدان الأوروبية اقتصادياً وسياسياً للحد من أزمة النزوح إليها. لبنان يحضر هذا المؤتمر مثقلاً بأعباء لم تواجهها دولة من قبل، تتمثل بأعداد النازحين السوريين التي تقدرها حكومته بنحو مليون و700 ألف من أصل نحو 4.5 مليون مواطن.
حتى الآن لا تتعدى نسبة النزوح إلى دول في الاتحاد الأوروبي 0.1 في المئة من مواطنيها. في الأردن ترتفع النسبة إلى نحو 7.93 في المئة. وفي تركيا إلى 2.53 في المئة. أما في لبنان فنحو 25 في المئة، مع احتساب للسوريين الذين كانوا يعملون في قطاعي الزراعة والبناء قبل اندلاع الحرب في سوريا 2011. ومصدر الأرقام الحكومة اللبنانية ومؤسسات دولية. هامش الخطأ فيها بأعشار الواحد في المئة. وهلة أولى تبدو النسبة إلى تعداد اللبنانيين مهولة، لو قيست بقدرات لبنان المالية والاقتصادية، وبالأوضاع الاستثنائية التي يمر بها، وبالمخاطر الإقليمية التي تحفر في نسيجه الاجتماعي وتركيبته الديموغرافية لبدا المشهد دراما شديدة التعقيد.
في التقرير الذي صدر عن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بعنوان «كيفية التعامل مع أزمة النازحين واللاجئين».. كلام خطر، نفى صاحبه بعد الضجة التي أثارها أن يكون قصد به لبنان، ودعا التقرير إلى «سياسات استيعاب وطنية لدمج اللاجئين. فهو النهج الأفضل لللاجئين للحد من الاعتماد على المعونة الإنسانية التي يقدمها المجتمع الدولي، وضرورة توفير وسائل لاستدامة البقاء، تقوم على النازحين بأنفسهم في الدول المضيفة» وإلى «إصدار الوثائق المتعلقة بتسجيلهم» وإلى «توسيع فرص حصولهم على عمل قانوني». و«منحهم وضعاً قانونياً، ودرس أين، ومتى، وكيف تتاح لهم الفرصة ليصبحوا مواطنين بالتجنس» لو كان لبنان ليس مقصوداً، من المقصود أكثر من لبنان؟
من المسّلم به أن الأمين العام للأمم المتحدة، يدرك استحالة تطبيق ما ورد في تقريره على لبنان. كلمة السر في ما قاله تكمن في تسهيل عمل النازحين من الإخوة السوريين في لبنان لعلّه يحد من موجة النزوح إلى أوروبا. وبحسب المفوضية الأوروبية فمعظم اللاجئين السوريين إلى دول الاتحاد من «اللاجئين الاقتصاديين».
عدد اللبنانيين تحت خط الفقر نحو 1.5 مليون. والبطالة من زهاء 22 في المئة. وترتفع فوق 30 في المئة في صفوف الشباب، الإنفاق الحكومي على المساعدات النقدية المباشرة للأشد عوزاً، ومجالات اجتماعية ذوات الصلة تبلغ نحو 2.5 مليار دولار أميركي سنوياً. ويحتاج إلى 2.5 مليار دولار أمريكي إضافية لتمويل الخدمات في المستوى التي كانت عليه قبل الحرب في سوريا. لا علاقة لكل تلك الأعباء المالية باهتلاك البنية التحتية وخدماتها الأساسية من طرق، وكهرباء، ومياه، وتعليم رسمي، واتصالات لخدمة 25 في المئة على تعداد السكان. ويقيناً أن تقديرات الحكومة اللبنانية في 2014 لحاجتها إلى نحو 7.3 مليارات دولار أميركي لإعادة تفعيل البنى التحتية مثقّلة بأعباء النازحين، باتت تستدعي نفقات أكبر في 2016. ونفقات بلا سقف لحرب مفتوحة في سوريا بلا نهاية واضحة.
يتأهل نحو 37 ألف لبناني كل سنة للدخول إلى سوق العمل. ولا تستوعب السوق منهم سوى 10 آلاف. أصحاب الكفاءات ينسابون إلى الخارج. ويعجز الاقتصاد عن استيعاب الباقين. فكيف باستيعاب مئات الآلاف من النازحين القادرين على العمل؟ مع الإشارة إلى أن خدمات نظام الضمان الصحي في لبنان القائم على الاشتراكات وليس على التوزيع، تتوقف بعد أشهر ثلاثة على ترك المستخدم لعمله. نحو 50 في المئة من اللبنانيين خارج الغطاء الصحي، وحصة وزارة الصحة حصراً بأدوية الأمراض المستعصية وبالعمليات الجراحية المتصلة بها. الوزارة تعاني نقصاً فادحاً في التمويل. والضمان الصحي عاجز لأن الدولة لا تسدد 25 في المئة من نفقاته السنوية التي يفرضها القانون. وعائدات الخزانة من الضرائب والرسوم تتراجع بتراجع اقتصاد يعمل بنحو 70 في المئة من طاقته.
يستباح لبنان في المحافل الدولية، بعدما استباح نفسه بلا رئيس للجمهورية، ولا مؤسسات دستورية تعمل. لن يتغير المشهد في إسطنبول حتى يتغير المشهد في لبنان.