Site icon IMLebanon

«مايكروسوفت» تنتقل من «العالم القديم» إلى الحوسبة السحابية

ساديا ناديلا
ساديا ناديلا

ريتشارد ووترز وسوجيت إنداب

مع استحواذها الكارثي على قسم الأجهزة في “نوكيا” قبل ثلاثة أعوام، كانت “مايكروسوفت” تنظر إلى الوراء في الوقت الذي كانت تسعى فيه إلى خوض معركة قديمة. في الواقع، كانت قد خسرت بالفعل حروب الهواتف الذكية لمصلحة “أبل” و”جوجل”، الأمر الذي أدى إلى استبعاد نظام ويندوز الخاص بها، وإلى عملية شطب تعيسة للوحدة العام الماضي.

ساديا ناديلا الذي أصبح الرئيس التنفيذي في ظل هذه الصفقة، يضع الآن رهانا أكبر بكثير على ما يأمل أنه سيكون مستقبل “مايكروسوفت”: ليس منصات تكنولوجيا مثل أنظمة التشغيل وأجهزة الهاتف، لكن تطبيقات وخدمات تعمل عليها.

النتيجة ـ شراء موقع التواصل المهني لينكدإن مقابل 26.2 مليار دولار – هي حتى الآن أكبر عملية استحواذ في تاريخ “مايكروسوفت”، تجعل 8.5 مليار دولار دفعتها مقابل سكايب قبل خمسة أعوام و7.3 مليار دولار مقابل أصول “نوكيا”، تبدو ضئيلة بالمقارنة.

ناديلا كشف من قبل عن رغبة محتملة في الحصول على صفقات كبيرة لتعويض الوقت الضائع، في محاولته لتسريع الانتقال من العالم القديم لأجهزة الكمبيوتر الشخصي والبرامج المستندة إلى الخوادم، إلى العالم الجديد للحوسبة السحابية. قبل عام فكرت “مايكروسوفت” لفترة وجيزة في محاولة للحصول على Salesforce.com، موقع البيع الرائد لبرامج التطبيقات القائمة على خدمة السحابة، وهي صفقة كانت ستكلف 60 مليار دولار.

ومع أن شراء لينكدإن هو علامة على استراتيجية استخدام عمليات الاستحواذ نفسها لبناء شركة خدمات قائمة على خدمة السحابة سريعة النمو، إلا أنها ليست الصفقة التي كان يتوقعها كثير من المحللين الماليين ومختصي التكنولوجيا.

رد فعل محلل مؤسسة جارتنر، برايان بلاو، لخص معنى أوسع للمفاجأة: “غريبة على يبدو”. شركة تجني معظم أموالها من مساعدة الشركات الباحثة عن موظفين لتعيين الناس المستهدفين تندمج مع شركة أكبر أعمالها تنطوي على ابتكار الكثير من البرامج الأساسية التي يستخدمها العاملون كل يوم في المكاتب.

ناديلا أخبر “فاينانشيال تايمز” أن الوصول إلى بيانات لينكدإن عن المستخدمين الأفراد لديها، البالغ عددهم 433 مليون شخص، جنبا إلى جنب مع علاقاتهم المهنية، يضع “مايكروسوفت” في موقع “لإعادة ابتكار عمليات الأعمال والإنتاجية”.

وأشار إلى أن الملفات المهنية التي ينشئها الناس على لينكدإن يمكن تغذيتها في خدمات “مايكروسوفت” الأخرى، من برنامج وورد وباوربوينت إلى سكايب. وتستطيع “مايكروسوفت” ضخ المعلومات بشأن مستخدمي أدوات إنتاجية برنامج أوفيس الخاصة بها، مثل اجتماعاتهم المقبلة، أو المشاريع التي يعملون عليها، إلى مصادر أخبار مشتركة قائمة على شبكتهم واهتماماتهم في لينكدإن. ومندوبو المبيعات الذين يعتمدون على برامج “مايكروسوفت” يمكنهم سحب البيانات من لينكدإن لمعرفة المزيد عن المبادرات المحتملة.

من حيث التمويل، على الأقل، ينبغي أن تكون “مايكروسوفت” قادرة على تنفيذ عملية الاستحواذ دون أن تفقد توازنها. حتى بعد احتساب ديون قائمة تبلغ 46 مليار دولار، لا تزال شركة البرمجيات تملك أكثر من 70.5 مليار دولار صافي نقدية في ميزانيتها العمومية. وجميع مواردها السائلة تقريبا توجد في الخارج، بسبب الضرائب الأعلى التي ستضطر إلى دفعها لو أنها أعادت النقود إلى الولايات المتحدة. وقالت الشركة إنها ستقترض الأموال اللازمة لشراء لينكدإن.

لكن ثقة وول ستريت بقدرة “مايكروسوفت” على تنفيذ عملية استحواذ كبيرة تضررت بسبب الإخفاقات الأخيرة. فإلى جانب شطب معظم تكاليف عملية الاستحواذ على “نوكيا”، شطبت شركة البرمجيات أيضا الجزء الأكبر من 6.3 مليار دولار دفعتها لشركة الإعلان على الإنترنت aQuantive منذ نحو عشرة أعوام. وأشار برنت ثيل، محلل البرمجيات في “يو بي إس”، في مذكرة إلى المستثمرين إلى أن الشركة “لم تكن ناجحة قط” في الصفقات الكبيرة. بلاو وصف الأمر بشكل أكثر صراحة، حين وصف سجل “مايكروسوفت” بأنه “رهيب”.

هناك سؤال واحد هو ما إذا كانت لينكدإن تمثل شبكة تواصل قوية كما تزعم “مايكروسوفت”. لينكدإن التي تستخدم في الأساس موقعا للتوظيف، كانت تحاول منذ أعوام تحويل نفسها إلى شبكة أكثر فاعلية يلجأ إليها المستخدمون أكثر في وظائفهم اليومية. لكن بلاو يقول: “هناك علامات على تباطؤ النمو والمشاركة”.

سجل “مايكروسوفت” في دمج عمليات استحواذ على نطاق واسع في البرمجيات والخدمات التي تقدمها كان أيضا ضئيلا. عملية الاستحواذ على شبكة التواصل الاجتماعي Yammer، مثلا – التي تهدف إلى مساعدة العاملين على التواصل بسهولة أكثر مع الزملاء – لم تحقق فتحا مهما في مجموعة الشركة الأوسع من أدوات التعاون. كذلك الاتصال عبر الإنترنت في سكايب لم يصبح أداة رئيسية في منتجات “مايكروسوفت” الأخرى.

ولعل الأهم من ذلك، أنه سيكون على “مايكروسوفت” إثبات أنها تستطيع دمج شركة على نطاق واسع مع ثقافة إنترنت قوية مبنية حول الهيمنة التاريخية لبرامج أجهزة الكمبيوتر الشخصي الخاصة بها. وبحسب ثيل، قد يكون هناك “صدام ثقافي” بين موظفي لينكدإن الأصغر، الموجودين في وادي السليكون وبين “ثقافة البالغين” في “مايكروسوفت” في مقرها بالقرب من سياتل.

لتخفيف تلك المخاوف وتهدئة أعصاب موظفي لينكدإن، قال ناديلا إن الشبكة سوف تستمر في العمل من وادي السليكون. لكن بلاو يرى أن هذا يجعل من الصعب أكثر الحصول على مزايا التكامل من الصفقة. ويرد ناديلا على مثل هذه الأسئلة: “بالطبع سنتعلم من الماضي”. بعد كل الألم الواقع من عمليات الاستحواذ السابقة، سيأمل المساهمون في “مايكروسوفت” أن يكون محقا.

في الإطار نفسه، جنى فرانك كواترون، بوصفه مصرفيا استثماريا مختصا في مجموعات التكنولوجيا، ثمار تخصصه هذا.

شركته، كاتالست بارتنرز، حققت أكبر فوز لها منذ تأسيسها في عام 2008، بتقديمها النصح والمشورة لشبكة لينكدإن بشأن انتقال ملكيتها إلى مايكروسوفت.

في التسعينيات أصبح كواترون المصرفي الأبرز في وادي السليكون، مستخدما سلسلة من المواقع في “مورجان ستانلي” و”دويتشه بانك” و”كريدي سويس” لإسداء المشورة بشأن مجموعة كاملة من عروض الاكتتاب العام الأولي، وعمليات الاستحواذ والاندماج، وبحوث الأسهم، والمبيعات، والتداول وحتى إدارة الثروات.

ومن ثم توقفت مسيرته المهنية بعدما اقتاده مدعون فيدراليون للمحاكمة مرتين بتهمة عرقلة تحقيقات حكومية، قبل أن يتوصل هو والسلطات إلى تسوية أدت إلى إسقاط تلك التهم.

وأسس كواترون شركة كاتالست، التي لديها فقط 41 موظفا من المحترفين، وركز على بيع الشركات الناشئة المدرجة حديثا، مثل موقع الحجز “أوبن تيبل”، أو شركات السفر مثل “أوربتز”.

وفي واحدة من أول صفقاتها الكبرى بحق، باعت كاتالست شركة البرمجيات “أوتونومي” في المملكة المتحدة إلى هيولت باكارد مقابل عشرة مليارات دولار في عام 2011، وهذه صفقة سرعان ما انهارت وسط مزاعم باحتيال محاسبي لا تزال الشركتان تقتتلان بشأنه في المحاكم.

وعملت تكتيكات الشركة الثابتة أحيانا على استعداء من هم موجودون على الجانب الآخر من الطاولة. في عام 2015 كان كواترون يقدم المشورة لشركة “أروبا نيتويركس” Aruba Networks في عملية بيع قيمتها ثلاثة مليارات دولار لشركة هيولت باكارد. لكن وفقا لبيانات مقدمة إلى الأجهزة التنظيمية، اضطرت “أروبا” إلى التعامل مع بنك استثماري ثان، لأن “هيوليت باكارد لم تكن تريد التفاوض بشأن شروط التسعير مع شركة كاتالست بارتنرز خلال عملية البيع هذه”.

في شباط (فبراير) الماضي أعلنت كاتالست أن كواترون يمكن أن ينتقل ليصبح رئيسا تنفيذيا لمجلس الإدارة، ما يتيح لصديقه منذ فترة طويلة، جورج بطرس، تولي مهام الرئيس التنفيذي.

مع ذلك، تواصل شبكة كواترون في الوادي، التي أنشئت على مدى نحو 40 عاما، استقطاب أعمال جديدة. وعمل كواترون في البداية مع عضو مجلس إدارة لينكدإن، ستانلي ميريسمان، في الثمانينيات عندما كان ميريسمان كبير الإداريين الماليين لشركة سينابس للكمبيوتر. وفي عام 2004 كتب ميريسمان رسالة تأييد لكواترون موجهة للقاضي الفيدرالي الذي كان ينظر في قضية عرقلة سير التحقيق.