Site icon IMLebanon

هل ستفقد بورصة لندن موقعها في صدارة الأسواق العالمية؟

london-stock-exchange

 

لا يخفي كبار رجال الأعمال الدوليين ومن بينهم مستثمرون عرب تخوفهم تجاه المستقبل وما يحمله من آثار سلبية على أسواق الأسهم والعملات جراء خروج بريطانيا من عضوية الاتحاد الأوروبي، وقد تصاعدت تلك المخاوف بعد أن أقدمت مؤسسة “موديز” للتصنيف الائتماني إلى خفض التصنيف الائتماني للمملكة المتحدة من “مستقر” إلى “سلبي” لتكشف بذلك عن فترة طويلة من عدم الاستقرار وعن تداعيات سلبية على نمو الاقتصاد البريطاني في الأجل المتوسط، وفقا لما جاء في تقرير المؤسسة.

ويعزز تراجع التصنيف الائتماني لبريطانيا خشية البعض أن يشهد الاقتصاد الأوروبي والعالمي هزة شديدة خلال الفترة المقبلة، خاصة في أسواق المال والأسهم والعملات.

وأوضح هنري كاير المحلل المالي في بورصة لندن، لصحيفة “الاقتصادية” أن مستقبل أسهم الشركات الدولية والمحلية عليه العديد من علامات الاستفهام وتحيط به شكوك كبيرة حاليا، فعملية الانسحاب من الاتحاد الأوروبي تأتي في توقيت سيئ للغاية، فالاقتصاد البريطاني لا يزال في مرحلة التعافي من الأزمة المالية والاقتصادية التي ضربته عام 2009.

وأشار كاير إلى أن معدلات النمو البريطاني بدأت في التحسن أخيرا ولكن ليس بدرجة كبيرة، والآن نحن نواجه عجزا كبيرا في الميزانية، والمتوقع أن تتراجع الصادرات البريطانية إلى القارة الأوروبية كرد فعل على الانسحاب، مما سيزيد من عجز الميزان التجاري والميزانية، وعملية فتح أسواق جديدة ليست بتلك السهولة، وقد تأخذ سنوات من المفاوضات الشاقة، من أجل التوصل إلى اتفاقيات عادلة للتجارة الحرة، هذا إذا لم تعرقل فرنسا وألمانيا وإيطاليا تلك الاتفاقيات بتقديم تسهيلات وامتيازات أفضل منا للأسواق التي سنسعى لتعزيز تجارتنا معها، وفي ظل تلك الأوضاع يتوقع انسحاب رؤوس الأموال الأجنبية والشركات الاستثمارية التي بدأ بعضها بالفعل في الانسحاب مثل الشركات الألمانية، خاصة مع تراجع الاسترليني وانخفاض معدل الأرباح، وهذا حتما سيسفر عن تراجع أسهم الشركات في بورصة لندن.

ولكن هل يمكن أن تفقد بورصة لندن وضعها الدولي بين البورصات العالمية، يقول جين أستون نائب مدير شركة دي “إندك” للاستشارات المالية، لصحيفة ” الاقتصادية” إن بورصة لندن ستتعرض لضغوط شديدة، لكنه يصعب القول إنها ستفقد مكانتها باعتبارها أحد أهم البورصات الدولية إن لم تكن أهمها جميعا، ولا شك أن عضويتنا في الاتحاد الأوروبي كانت تسمح بدرجة ملموسة من التنسيق مع البورصات الدولية الأخرى، مثل بورصة فرانكفورت وباريس وروما، والمؤكد أن التنسيق سيحل محله حالة من المنافسة الشرسة، وربما نواجه ما يشبه لوبي من البورصات الأوروبية ضدنا، لكن ما تمتلكه بورصة لندن من خبرات يجعل من الصعب للغاية هزيمتها أو هز مكانتها العالمية.

ويعتبر البعض أن الغيوم التي تحلق في سماء البورصات العالمية، قد تزداد كثافة وخطورة خلال الأشهر المقبلة، خاصة أن الأزمة الراهنة لا يمكن حلها عبر إجراءات السياسة النقدية أو تدخل البنوك المركزية، لكونها أكثر تعقيدا من ذلك، وسط مخاوف من أن تؤدي أي إجراءات أوروبية “عقابية” تجاه لندن إلى تعقيد المشهد الاقتصادي، ليس فقط بالنسبة للمملكة المتحدة ولكن بالنسبة للاقتصادات الدولية الكبرى.

وأشار لـ “الاقتصادية” البروفيسور براين كلارك الاستشاري الاقتصادي في مقر الاتحاد الأوروبي في بروكسل، إلى أننا إذا تغاضينا عن الهزات العنيفة التي تعرضت لها بورصة لندن والبورصات الدولية الأخرى في أعقاب النتيجة، فسنجد أن الخسائر تقدر بـ 2.1 ترليون دولار، وإذا رغبنا في التعرف على الآثار المستقبلية على البورصات العالمية، فعلينا الانتظار بعض الوقت لمعرفة نتيجة الانتخابات الإسبانية غدا، لأنه سيكون لها تأثير أيضا على الاتحاد الأوروبي، وكذلك علينا معرفة نتائج الاجتماع المقبل لمحافظ المصرف الأوروبي المركزي وبنك إنجلترا ومحافظة المجلس الاحتياطي الفيدرالي، كما يجب أيضا أن نتعرف على تفاصيل ردود الفعل الأوروبية، فإذا حسم الأمر لصالح التيار الأوروبي الذي تقوده فرنسا ورئيس المفوضية الأوروبية ويطالب بسرعة خروج بريطانيا من الاتحاد، فإن لندن ستواجه أوقات اقتصادية عصيبة وستتعرض بورصتها لخسائر مالية عنيفة.

ويعتقد البعض أن تحليل المؤشرات المختلفة لبورصة لندن والبورصات الأوروبية ومدى إصابتها بخسائر مالية، قد يمنحنا رؤية عامة لطبيعة الملمح المستقبلي للأفق الاقتصادي المقبل لبريطانيا، فمؤشر فوستي 250 وهو مؤشر للشركات متوسطة الحجم التي تعتمد في عوائدها على الاقتصاد الداخلي وليس التصدير قد خسر نحو 7.2 في المائة، بينما أغلق مؤشر Euro Stoxx 600 وهو مقياس رئيسي للأسهم في جميع بلدان القارة الأوروبية على خسارة بـ 7 في المائة.

ولكن إلى أي مدى ستتأثر أسواق العملات بخروج المملكة المتحدة من النادي الأوروبي؟ تعتقد كريستين براج رئيسة قسم التحويلات الدولية من “رويال بنك أوف اسكتلندا”، أن وقع النتيجة كان واضحا على تراجع قيمة الاسترليني إلى مستويات متدنية للغاية أمام الدولار واليورو، ففي بعض المراحل خسر نحو 11.1 من قيمته، وعندما أغلقت الأسواق الأميركية كان الباوند البريطاني قد خسر نحو 8 في المائة من قيمته، و11 في المائة أمام الين الياباني و5.8 في المائة في مواجهة اليورو.

وأضافت لـ “الاقتصادية”، أن تلك الموجة ستستمر لبعض الوقت، وخاصة إذا ما تبنت أوروبا إجراءات متشددة تجاه بريطانيا، ولكن على الأمد المتوسط وأعني خلال السنوات الثلاث أو الخمس المقبلة، فإن سعر صرف الاسترليني سيتحسن بعض الشيء عن مستواه الحالي، ولكن لن يكون قادرا على منافسة اليورو أو الدولار أو الين.

وتشير براج إلى أن هذا التراجع الشديد في قيمة العملة البريطانية حاليا يعود إلى ما يمكن وصفه بأسباب ومبررات نفسية ولا يعود إلى مجموعة العوامل المحددة لقوة اقتصاد من الاقتصاديات، فالقدرة الإنتاجية والبناء الاقتصادي البريطاني سواء في قطاع الخدمات أو القطاع الصناعي لم يصب بتآكل أو تدهور يؤدي إلى تراجع حقيقي في قيمة العملة البريطانية.

وينظر التيار الفائز بنتيجة الاستفتاء إلى الجزء الممتلئ من الكوب، معتبرا أن تراجع الاسترليني يمثل فرصة ذهبية لإنعاش الصادرات البريطانية وتحسين الميزان التجاري. وأوضح لـ “الاقتصادية”، روجر. بي. برمبيلي الباحث الاقتصادي وأحد المؤيدين للخروج من عضوية التكتل، أن أوروبا تبالغ في إمكانية تخليها اقتصاديا عن بريطانيا، فنحن ثاني اقتصاد في أوروبا والخامس على العالم، ومستوى معيشة المواطن البريطاني مرتفع للغاية، وسيكون من مصلحة الشركات والبنوك الأوروبية مواصلة استثماراتها هنا، فنحو 60 في المائة من واردتنا تأتي من أوروبا وما يقارب 50 في المائة من صادراتنا تتجه إلى القارة الأوروبية، وعلاقات تجارية بتلك القوة لا يمكن فك روابطها في غضون عامين أو ثلاثة، كما أن على الجميع أن يتذكر أننا لم نكن ملتحمين تماما مع الاتحاد الأوروبي اقتصاديا، فلنا عملة مستقلة وهذا سيساعدنا على مواجهة الأوضاع الصعبة. وحول الخسائر التي تعرض لها الاقتصاد البريطاني جراء تصويت الناخبين لصالح الخروج، يقول برمبيلي إن المشهد ليس كله بالسوء الذي تظهره وسائل الإعلام، فمثلا مستثمرو الذهب حققوا أرباحا قياسية نتيجة ارتفاع الأسعار بنحو 8.1 في المائة، وعلى الرغم من تراجع الأسعار في مرحلة لاحقة فإنها زادت بنحو 5 في المائة خلال يوم واحد، ونتيجة لذلك ارتفعت أسعار المعدن منذ بداية العام بنحو 24 في المائة.

ورغم أن يوم “الجمعة الأسود” الذي شهدته الأسواق العالمية نتيجة قرار بريطانيا الخروج من الاتحاد الأوروبي كان قاسيا، إلا أن أبعاده لا يمكن مقارنتها بأزمة مصرف “ليمان براذرز”، إذ تقتصر الأزمة على البعد السياسي.

ولم يشهد المستثمرون مثل هذه التقلبات منذ الأزمة المالية عام 2008 حين انهار مصرف الأعمال “ليمان براذرز”، وأزمة الديون في منطقة اليورو التي بلغت ذروتها في صيف 2011، لكن إن كانت عواقب تراجع البورصة والغموض الاقتصادي والسياسي المرتبط بخروج بريطانيا قد تستمر لبعض الوقت، إلا أنه من الصعب في المرحلة الراهنة التحدث عن أزمة مالية جديدة. وقال آلان زيتوني مدير إدارة العمليات في شركة راسل إنفستمنتس فرنسا المتمركز في لندن: “إننا لا نشهد موجة بيع على خلفية حركة هلع ولسنا أمام دوامة على غرار ما حصل في قضية ليمان براذرز، مع ترقب سلسلة تبعات وتعثر مصدري سندات الديون في السداد”.

وأشار لوران كلافيل المختص الاقتصادي لدى شركة إكسا آي إم إلى أن الحركة بلغت حجما كبيرا لكنها ليست كارثية في الوقت الحاضر مضيفا أن الوضع أقل خطورة بكثير من الانهيار الذي نجم عن ليمان، وإحداث صيف 2011.

وخلافا لما حصل خلال أزمة مصرف ليمان، فإن ما اهتز صباح الجمعة لم يكن مصير النظام المالي، ففي 2007-2008، حاصرت المخاطر المستثمرين الذين كانوا يخشون انهيار القطاع المالي نتيجة أزمة الرهونات العقارية والصعوبات التي واجهتها المصارف.

ويبدو أن خروج بريطانيا لا ينطوي فقط على تحديات سياسية خطيرة للبناء الأوروبي، بل يمتد لمكانة السوق المالية نفسها في لندن، غير أنه لا يحمل في الوقت الحاضر على إعادة النظر في الاستقرار المالي العالمي.

ويستبعد مختصو مكتب “أوكسفورد إيكونوميكس” إمكانية أن يكون خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لحظة شبيهة بأزمة ليمان، معتبرين أنه لا بد أن تتخذ أمور كثيرة منحى سيئا في الوقت نفسه حتى يتلقى النظام برمته ضربة “لا يمكن إصلاحها”.

كما أن الوقت ما زال مبكرا للحديث عن أزمة اقتصادية على النطاق العالمي، إذ تبدو الدول الكبرى جميعها باستثناء بريطانيا بمنأى عن تباطؤ اقتصادي قوي، ولخص كلافيل الوضع بالقول “ليست هذه صدمة عالمية” موضحا أن الوطأة المرتقبة على الاقتصاد في منطقة اليورو ستكون سلبية حتما، لكنها لن تكون هائلة، كما أن الانعكاسات على الاقتصاد الأمريكي ستكون محدودة.

وكانت العواقب في وول ستريت أقل حجما منها في أسواق المال الأوروبية، غير أن فرانك ديكسمير مدير إدارة السندات في العالم لدى شركة “آليانز جي آي” لفت إلى أن هذا التراكم لعوامل الغموض لا يوجه إشارة جيدة إلى المستثمرين الدوليين حين يكون المطلوب النظر في إقامة فروع في أوروبا أو توظيف استثمارات.

وما يختلف أيضا عن أزمتي 2008 و2011 أن السياسات النقدية تتسم الآن بليونة كبيرة، ولا سيما في منطقة اليورو حيث يعمد البنك المركزي الأوروبي إلى إعادة شراء الديون بشكل مكثف، وقال زيتوني إن “الأزمة سياسية”، ما لا يشكل بالضرورة خبرا سارا للأسواق.

وأوضح ديكسمير أنه كان من الممكن تقدير الخسائر المالية، إلا أنه من الصعب للغاية تقدير العواقب السياسية، حيث نواجه عواقب على المدى البعيد مقارنة بالمدى القريب لردود فعل المستثمرين الذين فوجئوا بالوضع، وحذر كلافيل بأن ردود الفعل السياسية ستكون موضع متابعة عن كثب، ولا سيما في ما يتعلق بمستقبل منطقة اليورو والاتحاد الأوروبي.

ويتحتم بحسب ديكسمير متابعة قرارات كبار المستثمرين مثل صناديق التقاعد وشركات التأمين التي لا تبدي عادة رد فعل سريعا، غير أن شركة بلاك روك العملاقة الأمريكية لإدارة الأسهم حذرت من أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لا يبدل شيئا في إدارتها لأصول عملائها في أوروبا.