Site icon IMLebanon

النفط اللبناني فرصة اقتصادية ـ اجتماعية أم “منهبة”؟

OilLebanon

 

 

كتب عمّار نعمة في صحيفة “السفير”:

لا تزال المسألة النفطية تخطو خطواتها الأولى في رحلة الألف ميل على طريق استثمار لبنان لثروته النفطية في مياهه الاقتصادية أو المعروفة بـ «المنطقة الاقتصادية الخالصة».

وقد تمت أولى الخطوات في هذا المجال مع وزير الطاقة والكهرباء محمد فنيش قبل سنوات عندما تمت عملية المسح الأولى، ثلاثية الأبعاد، التي كشفت وجود ثروة نفطية، وخصوصا غازية، في منطقة اقتصادية تبلغ 22400 كيلومتر مربع بطول 200 كيلومتر غرباً في اتجاه قبرص.

خلال هذا المسح ثلاثي الابعاد، تبين وجود ثروة غازية ونفطية بنسبة تصل الى نحو 15 في المئة في أعماق البحار، وهو شرط تضعه شركات التنقيب لكي تبدأ بأعمالها وتضمن استخراج ثروة نفطية وغازية، في منطقة تبلغ الثروة فيها، حسب التقديرات، 24 تريليون قدم مكعب من الغاز، وتذهب تقديرات أخرى الى انها تبلغ 96 تريليون، وثمة آمال بالمزيد من الاستكشافات، حسب متابعين للملف، يشيرون الى ان هذه الثروة ستدر على لبنان بما بين 200 الى 250 مليار دولار، أو 4 الى 5 مليار دولار سنوياً، وهو ما يعد ثروة كبيرة بالنسبة الى لبنان.

ما هي أوراق القوة التي يملكها لبنان حماية لثروته الكامنة في أعماق البحر؟

تقول أوساط أوساط مقربة من قوى  «8 آذار» ان لبنان يمتلك أوراق قوة لحماية حدوده البحرية وثروته النفطية، وكما كان سلاح المقاومة مسلطا على العدو الإسرائيلي كلما انتهك حدوده البرية، فإن هذا السلاح كفيل بحماية الحقوق اللبنانية البحرية في منطقته الاقتصادية الخالصة برغم الأخطاء التي رافقت ترسيم الحدود في زمن حكومة الرئيس فؤاد السنيورة.

في كل الأحوال، لا تزال الطريق طويلة وشائكة بيروقراطيا قبل الولوج في عملية التلزيم. فبعد مرحلة الترسيم أو انهاء الخلاف الحدودي بين لبنان واسرائيل وقبرص، تأتي مرحلة منح التراخيص، وهي مرحلة التأهيل التي تشتمل على آلية الموافقة على الشركات، وهو ما يحذر منه بعض المعنيين بالملف خصوصا لجهة وضع معايير تناسب شركات بعينها، بالتواطؤ مع جهات محلية.

ولعل الخشية هي في تحويل الفرصة النفطية الى «منهبة»، وخصوصا في مرحلة تنمية الحقول، والتكاليف القابلة للاسترداد تحت عنوان «بترول الكلفة» ما يؤثر على حجم الربح للدولة، أي إمكان التلاعب بنسبة البترول المستخرج، من دون اغفال مرحلة استخراج مكامن النفط، حيث يحذر بعض المعنيين من التساهل في قبول التغييرات في الحقل بمعزل عن تدقيق الخبراء.

على ان ثمة نقطة في غاية الأهمية لم تتم مقاربتها حتى الآن، يلخصها السؤال حول ماهية المكاسب التي ستحصلها الدولة من عملية الاستخراج، أو، بمعنى آخر، طبيعة التلزيم ونسبة الضريبة التي ستحصلها الدولة من الشركات المنقبة. وهو الامر الذي يبدو، حتى الآن، انه يميل لمصلحة الشركات على حساب الدولة.

والنسبة المطروحة اليوم كضريبة للبنان (أتاوة) على أرباح الشركات لا تتعدى الـ15 في المئة، علما ان عملية الاستخراج تعد بالغة الكلفة، اذ ان حفر عشرة آبار على سبيل المثال، بعمق ما بين ألفين الى ستة آلاف كيلومتر في أعماق الأرض، قد تصل كلفته الى نصف مليار دولار، ومن الممكن ان تصل كلفة كل بئر الى ما بين 60 و70 مليون دولار، مع التأكيد ان قلة من الآبار التي ستحفر ستؤدي الى التوصل الى نتيجة ملموسة!

هنا بالتحديد، تبدو أرباح الدولة اقل منها في دول محيطة وأبعد.

ففي سوريا مثلاً، حيث تجري عملية التنقيب في شكل طبيعي برغم احداثها الأليمة، ثمة ضريبة تصاعدية على أرباح الشركات تتراوح بين 10 و28 في المئة.

وفي إسرائيل، يخضع العائد على الأنشطة البترولية لنظام ضريبي خاص، IPPT، الى جانب الأنظمة الضريبية العامة المعمول بها. وتخضع الشركات الى ضريبة تصاعدية يحدد معدلها تبعا للعائد على الاستثمار. مثلاً، يكون معدل الضريبة 37,5 في المئة في حال كان معدل العائد على الاستثمار بين 1,5 و2،3. ويصبح معدل الضريبة 50 في المئة اذا كان معدل العائد على الاستثمار اكبر من 2,3.

أما في العراق، فإن الضريبة تبلغ 35 في المئة. وفي الجزائر، تتراوح بين 30 و70 في المئة!

إضافة الى كل ذلك، ثمة أسئلة تطرح حول الصندوق السيادي الذي سينشأ كنتاج للعائدات التي سيحصلها لبنان من وراء ثروته الغازية والنفطية. وهذا الصندوق يصنفه كثيرون بأنه المسألة الأهم في السياسة النفطية للبنان. لذا، فإن من الواجب ان ينشأ تحت اشراف هيئة مستقلة، وأن ينظم وفق قواعد مالية ورقابية حازمة.

وثمة طرح حكومي تم تداوله في عهد حكومة الرئيس نجيب ميقاتي ومؤداه تخصيص الجزء الأكبر من تلك العائدات لخدمة الدين العام، وهو ما يعني فعليا ذهاب تلك العائدات الى الدين الداخلي المتمثل في أصحاب سندات الخزينة.

وثمة طرح مقابل يدعو الى تحويل تلك الثروة الطبيعية الى فرصة اقتصادية ـ اجتماعية، بحيث لا يتم تقاسم الصندوق السيادي كغيره من الصناديق من قبل «القبائل اللبنانية الطائفية» عبر نظام محاصصة طائفية سياسية في ظل غياب المساءلة والمراقبة.