Site icon IMLebanon

عدم الإختلاط والفدرالية (بقلم بسّام أبو زيد)

 

 

كتب بسّام أبو زيد

يتجه بعض اللبنانيين إلى تطبيق الشرائع والتقاليد الدينية في البيئة التي يعيشون فيها، ولا بد من القول أن هذا الأمر ناجم عن تعصب مذهبي متزايد تفرضه الأحداث في المنطقة وعن غياب واضح للدولة اللبنانية وقوانينها.

تطبيق هذه الشرائع والتقاليد ولا سيما في البيئة الإسلامية الشيعية والسنية كان موجودا على المستوى الفردي وذلك في نمط عيش أي فرد أو أي عائلة، ولكنه مع قرارات عدم الاختلاط التي اتخذتها بلديات جبشيت وعيترون والخيام، انتقل الأمر من مسألة الخيار الفردي إلى مسألة الفرض على الجماعة الموجودة في تلك البلدات، فهل بالفعل يرغب الجميع بتطبيق تلك المفاهيم؟ وما هي العواقب التي تلحق بالمخالفين؟ ومن هي الجهة التي ستعمل على تطبيقها؟

هذه البلدات هي جزء من البيئة الحاضنة لحزب الله،وهو حركة يطبق المنتسبون لها تقاليد وشرائع دينية يفرضها عليهم الالتزام الديني والولاء للمراجعية الأساسية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية والمراجع الدينية والفقهية التي يتمثلون بها، ويظهر كل ذلك في الحياة اليومية لهؤلاء وما فيها من تصرفات ومظاهر تتعلق باللباس والمأكل والمشرب وتفاصيل الحياة العائلية والزوجية وصولا إلى التعاطي السياسي والعسكري في البيئات التي يتواجدون فيها.

هذه التقاليد والشرائع  في  هذه البيئة،تحتك مع بيئات ومجموعات قد لا ترغب في الالتزام بها وفق نمط ومظهر معين فتترك لنفسها هامشا من الحرية في التصرف بحياتها اليومية قد يكون مخالفا للكثير مما تلتزم به الأكثرية المذهبية التي تنتمي إليها، وهنا يقع الصراع على المستوى الفكري أولا لينتقل بعدها إلى أرض الواقع.

ليست القرارات البلدية بعدم الاختلاط هي المظهر الحديث لهذا الصراع، إذ لا بد من التذكير ببعض القرارت والتصرفات التي طالت محلات لبيع المشروبات الروحية في مناطق متعددة من لبنان،وقد نجحت بعض الجماعات في فرض حظر على بيع هذه المشروبات في مدن وقرى وبلدات من الشمال إلى الجنوب والبقاع وحتى جبل لبنان، إلا أن البعض تحدى هذه الظاهرة وتمكن من العودة إلى سوق العمل تحت شعار أن الأمر على علاقة بالحرية الشخصية والرغبة الفردية شرط إلا تكون هناك مخالفات للقانون فلا تباع لمن هم تحت سن الرشد.

هذا التحدي مرشح للتكرار في وجه قرارات عدم الاختلاط الصادرة والتي قد تصدر، وطبعا سيكون تحديا على مستوى مجموعات من المجتمع المدني والأهلي وليس تحديا على مستوى الدولة باعتبار أنها أعجز من أن تواجه هكذا قرارات ترى في خلفيتها أنها نتاج قوة سياسية موجودة على الارض.

وبانتظار أن ينجح هذا التحدي وبسرعة، يجب الاعتراف بأن ليس هناك من ضمانة يمكن أن توقف في لبنان جنوح البعض نحو التعصب الأعمى، إذ أنه على خلفية القرارات البلدية بعدم الاختلاط، ما الذي يمنع بلديات أخرى مثلا تتمتع بأكثرية مسيحية، بمنع رفع الآذان عبر مكبرات الصوت،وإقفال المحال التجارية يوم الاحد؟ وما الذي سيمنع في المقابل مثلا بلديات ذات أكثرية إسلامية بمنع دق جرس الكنيسة يوم الأحد؟ ومنع فتح المحلات التجارية والمدارس يوم الجمعة؟ من يضمن ألا تلجأ بلديات إلى فرض عدم لبس الشورت أو التنانير القصيرة أو عدم التجول بها في الشوارع؟

أن كل هذه الأسئلة وغيرها أسئلة مشروعة، لأنها تؤشر إلى توجهات خطيرة في المجتمع اللبناني تزيد من تفككه الوطني والمذهبي والديني وتنحو به نحو خيارات تزداد القناعة بأنها السبيل الوحيد للحفاظ على التعددية وحرية المعتقد والحرية الشخصية، خيارات تبدأ من مشروع اللقاء الارثوذكسي الانتخابي النيابي وصولا إلى فدرالية الطوائف أو المناطق.