Site icon IMLebanon

نداء “حادّ” للمطارنة الموارنة: نبارك موقف الراعي ولا نريد رئيسًا صوريًا!

 

أكِّد المطارنة الموارنة على كلّ ما أعرب عنه غبطة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي في عظة الأحد الفائت، بشأن التقيّد بالدستور الذي تُصاغ حول مبادئه، نصًّا وروحًا، جميع التفاهمات الرامية الى الالتزام بهذه المبادئ الدستورية في انتخاب رئيس للجمهورية، من دون أن توضع عليه أيّة شروط مسبقة. فهو بكونه، حسب المادة 49 من الدستور، “رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن، يسهر على احترام الدستور، والمحافظة على استقلال لبنان ووحدته وسلامة أراضيه، وفقًا لأحكام الدستور”. ولكي يقوم بمهمّته الوطنيّة العليا هذه، ينبغي أن يكون حرًّا من كلّ قيد، وعندئذ يكون “الرئيس الحَكم”، لا “الرئيس الطرف”، ولا “الرئيس الصوري”.

المطارنة الموارنة، وبعد الاجتماع الشهري برئاسة الراعي في بكركي، قالوا في ندائهم: “انّ التقيّد بالدستور يستلزم في الوقت عينه التقيّد بالميثاق الوطني، الذي هو روح الدستور، وبصيغته التطبيقيّة الميثاقيّة. فالميثاق الوطني، كما حدّدته “المذكِّرة الوطنية” التي أصدرتها البطريركية في 9 شباط 2014، إنّما هو “شريعة اللبنانيّين السياسيّة، باعتباره خلاصة تاريخ مشترك من تجربة التعايش المسيحي-الإسلامي، وتكريسًا لثوابته الثلاث: الحرية، والمساواة في المشاركة، وحفظ التعدّدية، وهي ثوابت في أساس تكوين الدولة اللبنانية. لذلك لم يكن الميثاق يومًا مجرّد تسويات أو تفاهمات عابرة، يُقبل بها اليوم ويُراجع في شأنها غدًا، أو يتمّ التراجع عنها في أوقات تضارب المصالح والخيارات”.

ورحّب الآباء بالجهود والمشاورات المتعلّقة بانتخاب رئيس للجمهورية. وثمّنوا النوايا الحسنة التي تعمل جاهدة للخروج بالبلاد من حال الفراغ في سدّة الرئاسة الأولى منذ سنتَين وخمسة أشهر.

كما رحب الآباء باقرار قانون انتخاب يطلق مسارًا لتمثيل حقيقي مشبع من الميثاق والدستور، ويفسح في المجال لقوى جديدة وروح جديدة تصل إلى المجلس النيابي، فلا يكون قانونًا مفصّلاً بإحكام ليعيد إنتاج ما هو قائم. وإذا لم يتمكّن المشرّعون من الوصول إلى هذا الهدف النبيل في خدمة الشأن العام، فهذا يعني أنّ لبنان يتراجع عن الثقافة الديمقراطيّة التي طبعت تاريخه البرلماني، إلى نظام أشبه بأنظمة الحكم الأحادية التي طواها التاريخ استجابةً لنداء الحرّية والتعدّدية. وفي هذا المجال تشجّع الكنيسة جميع قوى المجتمع المدني للضغط بما أوتيت من قدرة لتحريك الرأي العام بالطرق الشرعية، في شأن مطلب مُحقّ على هذا المستوى من الأهمّية.

واضاف الآباء: “نثمن الدَّور الكبير الذي يقوم به الجيش والقوى الأمنية في مكافحة الإرهاب والسَّهر على الأمن وحفظ الحدود، وهم يحيّون الروح الوطنيّة العامرة التي تعبق في تلك المؤسّسات. ولأنّ المهامّ جسيمة والتضحيات كبيرة يلفت الآباء إلى أهمّية إبعاد هذه المؤسّسات عن التجاذبات والصراعات السياسيّة، لأنّ التسييس عندنا ما دخل شيئًا إلا وكانت نتائجه سلبية”.

وبالشأن الإقتصادي، قال الآباء: “بسبب الفراغ القاتل في سدَّة الرئاسة الأولى، وبالتالي إلى تعطيل عمل المجلس النيابي التشريعي، وشلّ قدرة الحكومة على اتّخاذ القرارات الإجرائية، وانتشار الفوضى والرشوة في الإدارات العامّة، كان التراجع الاقتصادي المخيف في مختلف قطاعاته، ولا سيّما في قطاعَي الصناعة والزراعة. يُضاف إليه العبء الناتج عن النازحين السوريّين واللّاجئين الفلسطينيّين الذين يتجاوز عددهم نصف سكّان لبنان، ولهيب المتغيرات التي تعصف بالمنطقة، والنموّ المفقود، والبطالة المتفاقمة، وإقفال العديد من المؤسّسات التجارية والصناعيّة والسياحية أبوابها، وتراجع التصدير، وتقلُّص مداخيل الدولة مقابل ازدياد نفقاتها وعدد موظَّفيها وموجبات الأجور والرواتب، وتضخُّم الدَّين العام، والإهمال المزمن للقطاعات الحيوية، واستباحة المال العام، والتهافت على توزيع العقود والمغانم، وشبه غياب المراقبة والمساءلة، وتفاقم أزمة النفايات وسمومها المَرَضية، وفوضى الكسّارات والمقالع والمصانع التي تشوّه البيئة الطبيعية وتلوِّث الهواء والأنهر والمياه الجوفيّة”.

واضاف: “الاقتصاد بكلّ قطاعاته، هو بمثابة العمود الفقري للدولة: فمن واجب الجماعة السياسيّة والسّلطة العامّة أن تضع الخطّة الناجعة للنهوض الاقتصادي، بالتعاون مع الهيئات الاقتصادية والمجتمع المدني والقطاعات الخاصّة الإنتاجية، من أجل تأمين العدالة والتضامن والتكافل، مع المحافظة على قدرة الدولة ومرجعيّتها، لكونها المسؤولة عن تأمين نظام الحماية الاجتماعية”.

وسأل الآباء: “كيف تسمح القوى السياسيّة لنفسها أن تمعن في التعطيل الذي أنهك البلاد، وأوصل إلى تراجع كلّ المؤشّرات الاقتصادية، بالرغم من تحذيرات المؤسّسات المالية الدولية؟ وكيف تقوم بواجب إقرار سلسلة الرواتب والأجور فيما هدر المال العام يتعاظم، وعجز الموازنة يتفاقم من جرّاء ارتفاع الدَّين العام؟ وهل تدرك الأخطار التي يحملها مشروع الموازنة العامّة الجديد، بفرض عشرات الضرائب وزياداتها على المؤسّسات الاقتصادية والشعب اللبناني، خلافًا لكلّ قواعد الاقتصاد التي تقضي في الأزمات بتحفيز القطاع الخاصّ وخفض الأكلاف عن المنتجين للعودة إلى الاستثمار والنموّ، وبإيجاد فرص عمل للمواطنين؟”

ودعا الآباء  الجميع أن يلتزموا بمصالحة وطنيّة شاملة تطوي صفحة الماضي وتعيد الاعتبار إلى التسوية التاريخية التي جسّدها اتّفاق الطائف.

وعبّر الآباء عن ألمهم في العمق عن تفاقم الوضع في سوريا والوجه الدموي الذي يأخذه، فبعد محو الثقافات يأتي دور الإنسان هناك. لا بد للضمير الدولي ولضمير الجهات المتقاتلة من وعي نتائج هذا الخيار المدمر والشروع بحوار حقيقي يبلغ إلى حلول سياسية، وإحلال سلام عادل وشامل ودائم، وإلى عودة جميع النازحين واللاجئين والمبعدين والمخطوفين إلى عائلاتهم أوطانهم. وهذا يسري أيضًا على العراق وفلسطين وسواهما. هذا الشرق المتنّوع لا يحكم بالحديد والنار بل بالتعايش الحر والكريم والسلمي بين أبنائه. لقد آن الأوان للعودة إلى لغة العقل وصوت الضمير.