Site icon IMLebanon

279 سجينة في لبنان


 

 

 

كتبت زينة برجاوي في صحيفة “السفير”:

تفوح رائحة البصل المقلي في الأرجاء. تصرخ سكينة على زميلتها لتقف مكانها وتنتبه إلى الطبخة كي لا تحترق. في المشهد نفسه، تتوجّه رنا إلى المشغل لإنهاء بعض الاشغال اليدوية التي تعتاش من بيعها. تشعر سهيلة بالكسل اليوم، فتفضّل ملازمة الغرفة ومتابعة مسلسلها اللبناني. أما ريتا، فتستمتع بالجلوس في باحة المكان منفردة، سعياً إلى كتابة بعض أبيات الشعر والقصائد.

هنا سجن «بعبدا» للسيدات. وهذه مقتطفات من يوميات سجينات، لا يعتبرن أنفسهنّ مقيدات لولا القضبان التي تفصلهنّ عن العالم الخارجي، فما الذي يجري داخل عالم سجينات لبنان الموزعات على أربعة سجون: «بعبدا»، «فريد الخازن» في بيروت، «القبة» في الشمال و«زحلة» في البقاع.

«الطبق اليومي من صنع السجينات»

يعتبر رئيس فرع السجون المقدم غسان عثمان السجن بحدّ ذاته هو تأهيل لكل شخص مدان بجريمة معينة. من هنا، يؤكد أهمية حملة التأهيل التي تطلقها المديريّة العامة لقوى الامن الداخلي على صعيد السجون، وتهدف الى مساعدة كل سجين بتقبّل واقعه وعدم معاودته ارتكاب أي جريمة. ويلفت الانتباه إلى أن «عدد سجناء لبنان بين إناث وذكور يصل الى 6200 سجين وسجينة، من بينهم 1500 من الجنسية السورية».

بدايةً، يشير عثمان إلى أن السجون الأربعة الخاصة بالنساء هي بطبيعة الحال مكتظة، إذ يصل مجموع السجينات إلى 279 وهو رقم غير مستقر وقد يتغيّر بين يوم وآخر، بحسب تعبيره.

ويوضح عثمان أن عدد السجينات في «سجن بعبدا» يصل إلى 90 سجينة، في حين أنه يتسع لـ60 سجينة فقط. ويؤكد أن أي سجينة تزيد عن هذا العدد تضطر إلى افتراش الأرض لعدم توفر سرير إضافي. أما «سجن القبة» للنساء فهو جزء من سجن الرجال ويتّسع لـ80 سجينة كحدّ اقصى، بينما يضم اليوم أكثر من مئة سجينة. في حين يستوعب «سجن زحلة» 35 سجينة، ليضم اليوم فوق الأربعين سجينة. وأخيراً سجن «بربر الخازن» في منطقة فردان الذي لا يتسع لأكثر من 60 سجينة، ولا يضمّ أعداداً إضافية.

انطلقت الحملة الأخيرة لتأهيل سجن النساء، تزامناً مع تعيين اللواء ابراهيم بصبوص مديراً عاماً لقوى الامن الداخلي عام 2014، حيث بدأت المديرية بتأمين متطلبات السجينات، من خلال التعاون مع عدد من الجمعيات.

وقد استهلت عملية التأهيل، بحسب عثمان، مع السماح للسجينات بتأمين طعامهن اليومي، وتحضيره بأنفسهن، بعد تأمين المواد الأولية لهن. وقد استمرّ هذا الأمر حتى اليوم، حيث تتناوب السجينات على تحضير الطبق اليومي، بعدما كانت المديرية متعاقدة مع أحد المتعهّدين.

ويشيد عثمان بهذه الخطوة، مؤكداً أنها «تساعد السجينة بالشعور بحرية مطلقة داخل السجن، باعتبار أن معظمهنّ ربّات منازل». ويشدّد على حرص «المديرية على الاهتمام بالسجينة التي لا تميل بطبيعة الحال الى إحداث أعمال شغب داخل السجن، إضافة الى كسر الهوة بين قيادة السجن والسجينات أنفسهنّ».

لا قانون يسمح بفصل السجينات

ويشدّد عثمان على «أهمية دور الجمعيات التي تؤمن دورات تدريبية للسجينات، تتنوّع بين تعلّم الخياطة، فن التجميل، الفندقية وغيرها، وتعتاش منها السجينات بعد خروجهن الى الحرية». ولا يخفي عثمان «المشكلة التي تطال جميع السجينات بعد الإفراج عنهن، وهي عدم قدرتهنّ على الانضمام الى سوق العمل، بسبب السجل العدلي الذي يفضح جرمهن».

بعد زيارة «السفير» إلى «سجن بعبدا» ومقابلة عدد من السجينات (تُنشر في أعداد لاحقة)، اشتكت مجموعة منهن من اختلاطهن مع العاملات الأجانب، وطالبت بفصلهنّ. لكن عثمان يوضح أنه «لا يوجد قانون يسمح بفصل السجينات»، معتبراً أن «الفصل لا يعتبر إنسانياً خصوصاً إذا كان لأسباب عرقية». ويؤكد أن أولوية إدارة السجن تبقى في التركيز على أهمية العيش المشترك.

ويشير إلى أن غالبية السجينات محكومات أو موقوفات بتهم تتعلق بالمخدرات والدعارة، عازياً السبب إلى الظروف الاجتماعية الصعبة والاستغلال الجنسي. فيما يأتي الاحتيال في الدرجة الثانية بعد تحوّله إلى ظاهرة، بحسب عثمان، من خلال تورّط النساء في تهمة توقيع شيكات من دون رصيد.

ماذا عن أحكام الإعدام؟ يلفت عثمان الانتباه إلى أنه حتى اليوم، لم يُسجّل أي حكم بالإعدام بحق النساء، فيما سجينة واحدة حُكمت بالمؤبد.