Site icon IMLebanon

من إيماءات أجساد السياسيين.. تقرأ أفكارهم

كتبت كلير شكر في صحيفة “السفير”:

قد يكون السيّد حسن نصرالله، من أكثر السياسيين اللبنانيين، قدرة على إتقان “لغة الجسد” التي لا تقلّ تأثيراً عن التعبير الشفهي، والتي يعجز بعض “زملائه” عن استخدامها، ربما لإدراكه بأن العاطفة تُنتجها الحركة.

وفق التفسير العلمي، يولّد التعبير الجسدي شعورا يلتقطه الغير، وهو الأسرع للتسلل إلى لا وعي الإنسان..

إشارات الجسد، المسافات الفاصلة عن الآخر، الإيماءات، وغيرها من “ألف باء” اللغة الأم “الفطرية”، التي تولد مع الانسان، المرئية وغير المسموعة، والتي تحاكي الأذهان مباشرة، دون استئذان. يعرفها سياسيو الصف الأول، يلجأون إلى “حيلها” أحياناً، ويقعون في شركها، أحياناً أخرى، لأنها أكثر تعبيراً من زميلتها الشفهية، ولأنها مرآة الداخل. هناك من ينجح في تطويعها، وهناك من توقعه في مطبّاتها.

وفق المنطوق العلمي، فإن أدولف هتلر هو أكثر السياسيين، في التاريخ الحديث استخداماً لتقنيات لغة الجسد. كان يكفي أن يبسط يده، تصويباً نحو الأرض، كي يهزّ العروش، ويُرعب جيوش العالم. تشير الدراسات إلى أن جون كيندي يحتلّ المرتبة الأولى بين الرؤساء الأميركيين اتقاناً للإيماءات الجسدية. كان “بُلبلاً” في اللعب على أوتار مفرداتها. بيل كلينتون عوّل على هذه اللغة لاختراق قلوب الأميركيين. ونيكولا ساركوزي تابع دورات متخصصة في إحدى الجامعات الأميركية لفكّ أبجديتها… وباراك أوباما يمارس “سحره” بواسطة أدواتها، ودونالد ترامب يشي جسمه بالحركات، أما فرنسوا هولاند، فقد سقط في امتحان بداية العام الدراسي، من خلال الصورة التي سرعان ما سحبت من التداول الرسمي في أول ايامه في الأليزيه.

ميشال عون..

ليديه حكايات

نبرة عالية، يدان في حركة دائمة، كالعينين اللتين تحلّقان بين الموجودين. رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، عسكري بامتياز. انفعالي، وانفعاله في الضوء دائماً. خطاه تشبه نبرته. يدخل الحالة الانفعالية، أحياناً إرادياً، لاعتقاده بأنها “الفيزا” الأسرع لاختراق أذهان جمهوره، وفي أحيان أخرى، تفلت زمام الأمور من بين يديه، فيصبح أسير تلك الحالة.

كريم بنصائحه، تعكسها نظرة العينين الحاضنتين لمحدّثه. ابتسامة صادقة تجتاح سحنته، وعفويتها طاغية. وضعية رأسه ثابتة مثلما ثباته لتحقيق أهدافه. في طريقة جلوسه بعض الانغلاق. ولاستخدام حركة يديه، تفسير واحد هو الاستنفار الدائم الذي يطغى على شخصيته، أسوة بمشيته، ويعود ذلك إلى نشأته العسكرية. لدوران نظراته حول المحيطين به، قراءة محددة، ومفادها أن ردود فعل الآخرين تهمّه، ولهذا يحرص على التواصل النظري معهم.

ليديْ الجنرال “حكاية”، لها “رفيقتها” في لغة الجسد، ذلك أن اليدين تتحركان بقرار مباشر من العقل. يستخدم يمناه، في حركة كالمنشار، انسجاماً مع الخطاب العنيف، وكأنه يقول إن هذه المسألة خط أحمر. فتتناسق نبرة صوته مع مفرداته. وإذا كان يتناول قضيّة تمسّه أو تمسّ مجموعته أو مسيحيته، تلازم يده مستوى الصدر، والقلب تحديداً، تعبيراً عن صدق انفعاله. أما “خصلة” وضع اليدين في جيب بنطاله، فمردّها إلى رغبته بعدم البوح بكلّ ما لديه.

بري.. طفوليّ التعبير

أكثر من دور يتقمّصه رئيس مجلس النواب نبيه بري. بين الجدّية والمرح، حضور آسر، وطلّة مميزة، لا يلغيان بعض الهفوات غير المرئية. يقف بري بقامته الفارعة أمام الهيئة العامة، مطرقته بيده، ونهفاته لا تحصى ولا تعد. يداعب أذنه لحظة يريد “التطنيش”، ويكون محرجاً في إسكات أحد النواب. يمدّ يداً آمرة موجّهاً أصبعه نحو الأرض. عينان لا تهدآن، “تغزلان” بين “تلامذة الصف”، لترويا قصة “ثعلبية” شخصيته. حركة بؤبؤ العينين تعكس حبّه للاستكشاف و “النميمة”. صوت جهوريّ وقبضة يد، قادران على جذب الجمهور.

لا يجيد “أستاذ” الجلسات التشريعية، أبجدية لغة الجسد، وإن كان طفولياً في تعبيره: حكّ الأنف على الملأ، ملامسة العينين باستمرار، وغيرها من تفاصيل غير متوقعة من زعيم. في طريقة جلوسه ارتياح، يعكس هدوءاً عميقاً. يختصر المسافات الفاصلة بينه وبين الآخرين، في دلالة على قربه من الناس. يداه في حركة مستمرّة انفعالية غير مضبوطة. في قراءته لذاته، عفويته مصدر قوّة، لا بل سطوة على محيطه الأقرب.

لحركة رأسه الدائمة، تفسير علمي، يقال إن “دولته” يهتم بالتفاصيل المهمة وغير المهمة. يريد أن يعرف كلّ ما يدور من حوله بالشاردة والواردة، يخشى مؤامرات قد تحاك في الكواليس، أو طعنات قد توجه في الظهر. حدّ في تعبيره، إمّا أبيض وإمّا أسود، إمّا غاضب وإمّا ضاحك، وابتسامته لا مجاملة فيها. يحبّ المديح الذي تعكسه حركة البؤبؤ الذي سرعان ما يتسع فور سماع الكلام المعسول.

الحريري..

حركته تعكس إرباكه

يقف سعد الحريري على المنبر ممسكاً بطرفيه، في حركة لا تعكس إلّا إرباكه. كتفان يميلان إلى الانحاء، كأنه يحمل أثقالاً تتعبه. حاول تقليد والده في بعض حركاته. السلام، الابتسامة، والمشية. لكنه رسب في الامتحان. كانت بداياته متعثّرة. حضور لفظي هاوٍ، وحضور جسدي ثقيل. أرهبته مواجهة الجمهور وبدت عليه “أمارات” التقليد المصطنعة، غير المقنعة. مع الوقت، تراجع عن مخططه، استعاد ذاته، وهو يحاول رسم كيانه الخاص. كانت مهمته صعبة. رفيق الحريري زعيم تحيط به هالة الكاريزما، فيما نجله لم يألف الضوء أو متطلباته.

مع دخوله مقّر الرئاسة الثانية، استعادت مشيته شيئاً من ثقتها، التي تقرأ شحرور بين سطورها، عزماً على تنفيذ مشاريعه، ولكن من دون القدرة على الابتكار. تسلل الهدوء إلى وجهه، عفوية ضحكته عكست بعض الارتياح. وبرغم ذلك، لا تزال هناك حلقة مفقودة في شخصيته: صعوبة ضخّ الحماسة في نفس جمهوره. تتجلى في نبرة خطابه الذي يبدو كأنه “نوتة” واحدة.. وإن حاول التلوين يقع في المطبّ. نظرة عينيه متقطّعة ولا تزال شاردة، وميله إلى النظر إلى الأعلى يعبّر عن محاولة لاستذكار بعض الأفكار.

يهرب من “التلعثم الخطابي” إلى “القارئ الآليّ”، وإذ بلغة جسده “تغيب عن الوعي”. “اللوحة الزجاجية” سرقت نظره، وكلّ انتباهه، خوفاً من التعثّر، فبنت حاجزاً بينه وبين نفسه، كما مع الجمهور الذي فقد التواصل النظري مع “زعيم” حاضر بالجسد… من دون الروح. بدا التناقض واضحاً بين اللغة الشفهية وتلك غير الشفهية: التهديد بالصوت، لا تعكسه حركات اليد، فيما وضعية الجسم تتأرجح لتعكس فقداناً للثقة بالذات..

بكلمتين، شخصية رئيس الحكومة ذات لون واحد، فيما المطلوب حركيّة ألوان يتفاعل معها الجمهور. شفّاف في تعبيره الجسدي، ولكنه لا يزال في الصفوف الابتدائية…

حسن نصرالله..

يتقن المفردات

وفق التفسير العلمي، فإن التعبير الجسدي هو الذي يولّد الشعور الذي يلتقطه الغير. هناك من يتقن أهمية هذه اللغة الصامتة، ومفعولها السحري على الجمهور.

الامين العام لـ “حزب الله” السيّد حسن نصرالله، هو الأكثر استخداماً للغة الأم وبطريقة إيجابية. يتقن مفردات الجسد كما يجيد الخطاب الشفهي. تبدأ من نظرات عينيه، ولا تنتهي مع حركات أصابعه. لناظريه القدرة على إيصال الرسالة التي يريد، بأمانة يُشهد لها، سواء كانت رسالة تودّد، أو إنذار غضب. إذا تضخّم حجم البؤبؤ، تسود الطمأنينة، ولا سيما أن الإنسان يرتاح للعين المنفتحة، وإذا تقلّص حجم البؤبؤ، فهذه دلالة على الحزن أو الغضب. وإذا راح صوب الأفق، فهو الحديث عن المستقبل.

لكلّ حركة من حركات رأسه، معنى ومغزى، وفق شحرور. إذا مال رأسه إلى اليسار، جهة القلب أو العاطفة، فهي حركة تودّد، وإذا دنا من جهة اليمين، جهة العقل، فهذا يعني أن المنطق هو السائد. حتى في طريقة جلوسه المركّزة، تطلّ معالم الثقة بالنفس، فيما حركة كتفيه تعبّر عن حبّه للانفتاح على الآخرين.

يدا “السيّد” تنطقان كما ينطق لسانه، وهما تشكّلان جزءاً من وسائل الإقناع. فتراه يلجأ ليُمناه للتدليل على الإيجابيات، ويلوّح بيُسراه عندما يحين وقت السلبيات. تلامسان الصدر عندما يتناول قضيته، وتتجهان نزولاً عندما يكون العدوّ محور الحديث. لسبابة “السيّد” فصل محايد، وحدها ترتفع عندما يقارب الخطاب حدود التهديد والوعيد.

واللافت للانتباه أن للسبابة تأثيراً يتخطى تأثير بعض جيوش العالم. هي قادرة على نشر الرعب في قلب العدوّ، وتمتاز بالقوة التي تمكنها من قلب المعادلات. فيما أصابعه ترقص فرحاً عندما يتحدث عن الانتصار..

وكما للسبابة فعلها، لضحكة رجل “العمامة السوداء”، مكانتها في قلوب محبّيه، تعكس صدقية، نادرة بين أهل السياسة، فيما تتحول الروح المرحة إلى بطاقة مرور سلسة تحمل سطور مواقفه الجادّة، إلى أذهان الجمهور، مناصراً كان أم خصماً.

بروفيل” موحّد يطبع الإطلالات الإعلامية للسيّد نصرالله، خلال أيام “تموز” الثلاثينية: حاجبان معقودان، كتفان ثابتتان، وسبابة اليمين منتصبة تخترق الشاشة، باتجاه العدوّ! ابتسامة استثنائية، تخرج عن السياق التقليدي، لتتسلّل بخجل إلى وجهه خلال مؤتمرات صحافية محدودة، قبيل تموز 2006، وكانت كفيلة بتصدّر صورة صاحب “العمامة السوداء”، صدارة الصفحات الأولى للصحف.

جنبلاط.. رجل التناقضات

رجل التناقضات، وموزاييك الألوان. جنبلاط المتمايز دائماً بأدائه السياسي، فريد أيضاً بأدائه الجسدي. عبثيّ في تعبيره الجسدي، وعلى الرغم من ذلك، هو من المؤثّرين في محيطة القريب والبعيد. يُسمح له بما لا يسمح لغيره. لإيماءات اليدين، وحركتهما القريبة دائماً من الوجه، تفسير واحد، هو المراوغة، أو القفز بين المواقف. ميله الدائم إلى حكّ رأسه، معناه استرجاع الأفكار. يحرّك رأسه بشكل دائم، ولكن في حركة بطيئة، غير آبه بأراء الآخرين. كتفان هابطتان، ولكن غير مكترث. لحركة مرفق اليدين رمزية محددة، تفيد أن لصاحبها توجهاته الخاصة.

أهداب عينيه في حركة دائمة، تعبير عن ميله لإخفاء بعض الأمور، أو وضعها في إطارها غير الصحيح. أما النظرات الواثقة تماماً، فهي مرآة شخصية صاحبها. ومتى وضع يده على فاهه، فهو بذلك يمارس رقابة ذاتية، عفوية.

يتمتع بكاريزما قوية، كما بخصال كثيرة. يتّكل على حضوره المميّز، ونبرة صوته، من دون الاستعانة بمفردات لغة الجسد. يبدع في فنّ الإقناع، ومن راقب وجهة يده المصوّبة نحو الأرض، يتأكد من قدراته القيادية. تراه متأبّطاً ملفاته، أو يحمل “جاكيتته” على كتفه. باعتقاد شحرور، أن هذه الخصلة هي من باب إرساء توازن جسدي، ولا سيما أن طريقة جلوسه تدلّ على فقدان الثبات. مضمونه يطغى على شكله الخارجي. شخصية قريبة من جمهورها، لكنها ليست بحاجة إلى الاتصال النظري بمحيطها، في دلالة على الثقة العالية بالذات، وفي بعض الأحيان لضرورات إخفاء بعض الحقائق.

التوتر بادٍ على الرِجلين، تتملكّهما الحركة الدائمة. أما تثبيت اليدين عليهما، فيشير إلى روح انفتاحية، وتصالح مع الذات. يتمتع باهتمامات متناقضة. العمل السياسي الشرس، والحفاظ على البيئة، معاً. وهو قادر على الفصل بين هذه وتلك.

لا يشبه وليد، كمال جنبلاط في حضوره الجسدي. الأخير كان استقطابياً في تعبيره الجسدي. حركة رأس ثابتة، خطاب متناسق مع توجهات اليدين، وميل للتغيير.

سليمان فرنجية..

الخجل والجرأة معاً

من مشية سليمان فرنجية تعرفون مضمون خطابه. في لغة جسده، غير المتمرّس بها، الكثير من المفردات الجريئة، التي تعبّر عن شجاعة صاحبها. يتميّز بابتسامة صادقة، كمواقفه. تغلب لديه النزعة الزغرتاوية، فلا تراجع عن قناعاته مهما كلّفه ذلك.

وضعية رأسه غير ثابتة، تواصل نظري مع الآخرين متقطّع يعكس الخجل، أما “شردة” عينيه، فتفقده أحياناً بعض الصدقية. يشبك يديه، انزعاجاً، عندما يتحدث عن خلاف، ويفتحهما عندما يحين وقت المصالحة. في حديثه عن العلاقات مع سوريا، يجد التعبير اليدوي مكانة له في لغة جسده. وقد يحرّك يديه في بعض الأحيان بطريقة خطأ، تربك من حوله، فتراه “يكتّفهما” في اللحظة الخطأ، تعبيراً عن الانغلاق. أما إطباق اليدين فيشعره بالطمأنينة.

يميل إلى مداعبة ذقنه، في حركة عفوية تعبّر عن حاجته للحنان، وتعكس صراعات عاطفية دفينة، بدأت مع فقدانه لعائلته. أما ملامسة الوجه، فهي من باب استذكار مواضيع موازية لتلك التي يتحدث عنها.

جعجع لصوته تأثير على جمهوره

“أكيد.. أكيد.. اكيد”، قد تعني “تشكيك.. تشكيك.. تشكيك”. التعبير الزائد يوازي التعبير الناقص، وفق شحرور. وضع ينطبق على سمير جعجع، وهو يدلّ، إمّا على المراوغة لتضييع الجمهور، وإمّا يعكس فوضى في الأفكار، وقلّة التنظيم. وفي الحالتين يسجّل له أنه قادر على اللعب على أوتار أذهان جمهوره. لعينيه القدرة على الاستقطاب. وللدائرة التي ترسمها حركة أصابعه، كالقلب النابض، مفعول سحريّ في ضخّ الحماسة في أذهان جمهوره.

حركة اليدين والرأس وبؤبؤ العينين، التي لا تهدأ، والتكرار المتعمّد لبعض المفردات، قد ينمّ عن تشكيك بالذات. حتى في طريق جلوسه يغيب الثبات. أما لتلك الحركة التي تقودها اليدان بعيداً من الجسم، وتتخطى، الإطار المرسوم لحركة الجسم والتي تعرف في لغة الجسد بـ “الصندوق”، فقد تعبّر في بعض الحالات عن أذى جسدي تعرّض له في عمر الطفولة. ولكن مشيته الثابتة تنمّ عن تمسّك بالأفكار، غير أن نطرته الجانحة صوب الأعلى، قد تخبئ أجندة خاصة مختلفة عن تلك المحكية.

الانتقال من الحالة العسكرية إلى الوضعية السلمية، ظاهر على أدائه، وإن كان النجاح ليس من نصيبه في كثير من الأحيان. لصوته تأثير على جمهوره، والنبرة المتحركة بين تصاعد وانخفاض، تعكس الحياة النابضة في لهجته، التي عادة ما ينقلها إلى مريديه. أسلوب وضع اليدين على الطاولة له مفعوله من باب ضخّ الحماسة في أذهان مؤيديه، يستخدمه جعجع عن سابق إصرار. أما إطباق اليدين فيعني التسليم بالأمر الواقع، أو الإيحاء بالشعور بالظلم. أما الإطباق الطويل فيعكس التوتر، وحين ترفع السبابة، فهي للوعيد.

إذاً، لغة الجسد هي الأصدق تعبيراً، والأكثر تأثيراً من نظيرتها الشفهية، لأنها قادرة على بلوغ اللاوعي بسرعة أكبر، وإيصال الرسائل القادرة على برمجة العقل… وتحقيق ذاتها.

سليمان..

عسكري ببزة مدنية

صورة واحدة مطبوعة في أذهان اللبنانيين، عن رئيس الجمهورية السابق العماد ميشال سليمان. عسكري ببزة مدنية. وقفة جامدة، كملامح الوجه. حاجبان معقودان حتى في المناسبات السعيدة، ونبرة صوت كمشية العسكر، لا تعرّجات فيها، لا نزولاً ولا صعوداً.

يبدو التناقض جلياً على ملامح سليمان. بين عينيه وابتسامته يضيع التناسق. تاريخه العسكري يطغى على شخصيته، ودخول المعترك السياسي لم يضفِ الألوان الزاهية على بزته المرقّطة. بنظر الاختصاصية في علم النفس الاجتماعي والحائزة على دكتوراه في البرمجة اللغوية العصبية د.ليلى شحرور، فإن محدودية استخدام ميشال سليمان للغة الجسد، واحدة من أسباب محدودية شعبيته. إيماءاته غير قادرة على تلوين ذاتها، من باب الإبداع. يغيب التركيز عن عينيه، وهو دليل على قلّة التمرّس، وغياب التنسيق بين حركة اليدين واللغة الشفهية، ودليل إضافي على الإرباك، الذي يظهر أيضاً من طريقة جلوسه التي يطغى عليها الجمود.

ومقابل المنسوب المنخفض في جاذبية نبرة الصوت، فإن مشية سليمان تدل على عناده لتحقيق أهدافه. ولكن لا يمكن إلا الإشارة، لافتقاده إلى الكاريزما الفطرية الموروثة.

تمام سلام:

باحث عن التوازن

ميزتان أساسيتان تطبعان لغة تمام سلام الإيمائية: هدؤه وابتسامته. للأولى القدرة على التعويض عن رتل من الكلمات التي قد تضيع في الهواء، فالصمت أحياناً لا يقلّ تأثيراً عن الكلام. وهذه ميزة الذي صار عضوا في نادي رؤساء الحكومات، وأثبت أنّه يحسن فنّ الانتظار.

كما أنّه بمقدور الميزة الثانية أن تكون “سفينته” إلى قلوب الناس، وخشبة خلاصه. فهو الأشطر في توزيع الابتسامات يمنة ويسرة. بعض تلك الابتسامات يكون من باب اللياقة الاجتماعية، وبعضها الأخر يعبّر عن سعادته، لا سيما تلك التي تظهر بين أصدقائه ومحبيه.

ولعينيّ سلام فصل محايد: تعكسان تركيزه على التفاصيل الدقيقة ورغبة شديدة لحل المشكلات التي يواجهها. مع توليه رئاسة الحكومة، بدت عيناه لامعتان واتسع معهما البؤبؤان، ليعكسا دهشة وسعادة وحماسة لا مثيل لها. كما يستعين بهما ليجذب رضى الآخرين. ولكن تخفيان خشية دائمة من الوقوع في الخطأ.

في مشية “البيك البيروتي” ما يشي وكأنه يسير نحو هدف رسمه لنفسه، ليعكس ثقة بالنفس. إلا أنّ حركة قدميه تصطدم بمعاكسة جسدية من الجزء العلوي، فبدلاً من أن نرى وضعيته في خط مستقيم ينطلق من الرأس إلى أخمص القدمين، مع انحناءة في الأكتاف إلى الأمام، تشير إلى عبء ثقيل على كاهله وضغوط تقلقه.

لكن الرجل لا يزال يعاني من تمايل جسدي في وقوفه على المنبر، وكأنّه يبحث عن التوازن أو المعادلة الوسطية. كما أنّ قدميه عاجزتان عن الثبات في مكان واحد، وكأنه يرغب في التحليق تعبيراً عن سعادته.

ميقاتي “حرّيف”

في التعبير الجسدي

نجيب ميقاتي لا تزال صورته ماثلة في الأذهان. عندما أطل على اللبنانين بعد تكليفه في العام 2011، واثق النفس. حماسة في النبرة. جسم متأهب للتحدي الذي ينتظره، مشية ثابىة، كتفان مركّزان، وخطى متينة. مؤشرات كافية لرسم بروفيل يشي بالاندفاعة والقدرة على الدفاع عن أفكاره وطموحاته، بدليل حركة اليدين التي يجيد “دولة الرئيس” استخدامها بمهارة.

التفاعل على طريقة “التانغو” بين الصوت والخطاب، كفيل بتظهير انسجام نادر بين اللغتين، الشفهية وغير الشفهية، يرافقه حضور قوي للعينين اللتين تعكسان التحدي الذي يهواه، فيما حركة البؤبؤ ثابتة لتعكس نزاهة الجوهر.

كلّها تفاصيل، تدلّ وفق شحرور، على “حرفية” ميقاتي في التنقل بين أبجدية لغة جسده، ما يؤكد أنه مطلع على هذا العلم، لا بل يجيد استخدام “سلاحه” لصقل مفاتيح الكاريزما التي يمكلها. حتى لون وجهه المتحرك بتدفق الدم، ينضم إلى قافلة العناصر التي تدل على سروره.

يطغى التردد على مفردات خطابه، وإن كان اعتماده التحية بواسطة يده لم يتبدل، تدليلاً على انفتاحه على الجميع وسعيه لمدّ الجسور.

صاحب القامة الفارعة، قادر على محاكاة محدثيه، بلغة الجسد، كما بتعابير شفاهه. يقفز بين مفرداتها بسلاسة مضبوطه، تميّزه عن الكثير من أبناء “ملّته السياسية”.