كتبت صحيفة “الأخبار” إن الصعوبات التي تعترض إقرار قانون جديد للانتخابات النيابية لا تقلّ أهمية عن الصعوبات التي رافقت تسوية انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، أو تلك التي عرقلت تأليف حكومة الرئيس سعد الحريري. وإن كان العهد الجديد قد «تنصل» من التأخير الحكومي عبر القول إنّ أولى حكوماته ستكون بعد الانتخابات النيابية، إلا أنّ عدم إقرار قانون جديد لا هدف له سوى تصوير عهد التغيير والإصلاح عاجزاً عن التزام ما ورد في خطاب القسم لجهة إقرار قانون انتخابي يؤمّن عدالة التمثيل، قبل موعد الانتخابات المقبلة.
واستهداف بعبدا تتحمل مسؤوليته القوى السياسية مجتمعة، التي تماطل حتى لا يبقى من خيار سوى قانون الـ2008 المعروف بـ”الستين”، مُدركةً أنّ عون لا يقدر أن يذهب في معركة القانون بعيداً ويُخاطر بفراغ في السلطة التشريعية.
وفي انتظار انقضاء المهل، لا يبدو أنّ وتيرة الاشتباك السياسي حول القانون ستخفّ، ولا سيما لدى الكتل التي تتوجس من أن يأتي الاتفاق على حساب وجودها. النائب وليد جنبلاط هو أبرز هؤلاء، وكان آخرَ جولاته تغريدُه على “تويتر”: “لا يا ممثل العلوج في الوزارة، إن مكوناً أساسياً وتاريخياً من لبنان لا يُمحى بشخطة قلم في مزايدات النسبية”.
الطمأنات التي قدمتها القوى السياسية لجنبلاط لجهة تخليها عن اعتماد النسبية، لا يبدو أنها كافية لتبديد هواجسه. المعركة وجودية بالنسبة إليه، لذلك لا يُمانع إفراغ كلّ رصاصاته في النسبية، حتى ولو كان ذلك يُهدد علاقته بتيار المستقبل وسعد الحريري.
فبحسب مصادر مطلعة على الجو الاشتراكي “المقصود بممثل العلوج هو من اعتبر أنه يوجد 9 قوى من أصل 10 موافقة على أن تكون النسبية جزءاً من القانون، وكأن الاشتراكي أصبح خارج الإجماع الوطني، أي الوزير نهاد المشنوق”. وعلى الرغم من أنّ تغريدة جنبلاط تصيب بيت الوسط أيضاً، إلا أنّ المصادر ترى أنّ جنبلاط خاطب المشنوق بصفته الشخصية وليس الحريرية.
لعب جنبلاط طويلاً دور «بيضة القبان» في الحياة السياسية، ولكنه بدأ منذ التسوية الرئاسية يشعر بأنه لاعب هامشي وخارج المعادلة. سقوط خياراته الإقليمية والمحلية، غلّب لديه الإحساس بالهزيمة، فيتصرف على قاعدة أنه لم يبقَ الكثير ليخسره. صراخه على مواقع التواصل الاجتماعي لم يُزعج تيار المستقبل، الذي يتفهم تصرفات كليمنصو.
تقول مصادر مقربة من الحريري إنّ جنبلاط «حاصل على ثلاث ضمانات: سعد الحريري يحميه، الرئيس نبيه بري لن يوافق على قانون انتخابي لا يرضى عنه، وحزب الله لا يريد إضعافه». لذلك، لا يتعدّى كل الكلام الاعتراضي إطار “فشّة الخلق”.
لكن ما يُقلق جنبلاط لم يظهر بعد، إذ لا بوادر انفراجات قريبة في مفاوضات الاتفاق على قانون انتخابات، على الرغم مما يُشيعه تيار المستقبل.
اجتماع يتيم حصل، حتى الآن، بين الوزير علي حسن خليل والنائب وائل أبو فاعور أول من أمس من أجل التنسيق، «لكن عملياً ما في شي على النار»، بحسب مصادر الاشتراكي. هناك عدد من الاقتراحات «تجري مناقشتها من دون أن تكون هناك أرضية ننطلق منها للنقاش». الاشتراكي المُطمئن إلى نيات برّي تجاهه، يعتقد أنه «طالما لا يوجد صيغة اتفقنا عليها، فلنبقَ على القانون الحالي أفضل».
وتضيف ساخرةً: «نحن رجعيون والكل تقدميون». أما بالنسبة إلى القوات اللبنانية، فهي تنتظر «إن كان لدى الرئيس بري أجواء جديدة». تقول مصادر الحزب النيابية إن “هناك مساعي ونقاشاً باتجاه المختلط. إذا توافقت حركة أمل وتيار المستقبل، يُصبح من السهل إمرار الاتفاق مع بقية الأطراف”.
من جهتها، كتبت “الجمهورية”: إذا كان أنصار النسبية، وفي مقدّمتهم رئيس مجلس النواب نبيه بري و”حزب الله” وحلفاؤهما، قد حسَموا خيارَهم منذ الآن لجهة الرفضِ الكلّي لبقاء القانون الحالي، والسعي للوصول الى صيغة لقانون لا ينطوي على نسبية كاملة بل على نسبية جزئية، ويلتقون بذلك مع موقف رئيس الجمهورية الذي جرى التعبير عنه في اللقاء الاخير بين الوزيرين علي حسن خليل وجبران باسيل اللذين أكّدا التوافق انتخابياً وعلى النسبية بشكل اساسي، ورفض بقاء قانون الستّين، فإنّ تيار «المستقبل» ومعه «القوات اللبنانية» ما زالا متمسّكين بالمشروع المختلط المقدم من قبَلهما بالشراكة مع «الحزب التقدمي الاشتراكي».
إلّا أنّ حسم الموقف النهائي الذي لم يتمّ التوصل اليه بعد، مرهون بما ستُسفر عنه المشاورات الجارية حول الملف، وخصوصاً بين «حركة أمل» وتيار «المستقبل» و”حزب الله”.
لكن حتى الآن، وبحسب اجواء الاطراف الثلاثة، لم يتمّ الاقتراب بعد من ايّ نقطة مشتركة، يمكن البناء عليها لتوسيع حلقةِ الحوار الانتخابي تمهيداً لبَلورة صيغة انتخابية ترضي الجميع وتبدّد الهواجس المتراكمة في هذا الجانب أو ذاك.
على أنّ النقطة الأكثر سخونةً على هذا الصعيد ماثلةٌ في الضفّة الجنبلاطية، حيث لوحِظ في الآونة الأخيرة ارتفاع النبرةِ الاعتراضية لدى النائب وليد جنبلاط، على المنحى الذي يشمّ فيه رائحة إلغاء وتهميش على حدّ تعبير أوساط مقرّبة منه، والتي تؤكّد أنه «إزاء هذا المنحى الإلغائي ليس امام جنبلاط إلّا الدخول في مواجهة قاسية معه، لرفعِ السيف الانتخابي أو سيف النسبية الذي يشهره البعض، من خلفيات سياسية وإقصائية وإلغائية له ومن يمثّل، لا بل لإعدام طائفته.
والواضح أنّ جنبلاط قد أعدّ العدّة للمواجهة ـ إنْ فُرضت عليه ـ ويمهّد لها بسلسلةِ التغريدات التصعيدية والتي يعبّر فيها عن امتعاضه من بعض الوزراء ومن القرارات الحكومية وهجومه على مراسيم النفط وتلميحه عن صفقات قادمة بالسؤال عن “العروس الجديدة: الميكانيك أم نمَر السيّارات”.
ولعلّ أكثرها دلالةً التغريدة التي أطلقَها في الساعات الماضية، وفيها” لا يا ممثّل العلوج في الوزارة إنّ مكوّناً أساسياً وتاريخياً من لبنان لا يُمحى بشحطة قلم في مزايدات النسبية”.
وسألت «الجمهورية» جنبلاط عمّن يقصد بالعلوج، فاكتفى بالقول: “معروفون، هناك علج، وعلوج، وأول العلوج، وعلى كلّ حال فتّشوا عليها في المعجم لعلّكم تجدون معناها”.
وردّاً على سؤال حول مستجدّات الملف الانتخابي، وموقفه من الصيغ والأفكار التي تُطرح، أجاب: “ليكن معلوماً أنّني أرفض اعتبار مكوّن اساسي في لبنان قيمةً ثانوية.. وأنني لن اتخلّى عن مصلحة هذا المكوّن مع جهوزيتي الدائمة للتشاور”.
وقال: «كفى مزايدات ومشاورات جانبية، كلٌّ يفصّل على طريقته ويفتّش عن مصلحته وعمّا يناسبه، في الزوايا والأروقة والاندية وتحت الارض وفوقها ومِن وراء البحار والمحيطات، كلّ يفصّل على مقاسه وكأنّهم هم وحدَهم فقط موجودون، وكأن لا وجود لمكوّن أساسي في لبنان هو الطائفة الموحّدة الدرزية اللبنانية. أصبحنا في وضعٍ يشبه وكأنّنا نحمل قيد الهوية “مكتومو القيد”، وهذا ما لن نقبل به على الإطلاق.
