Site icon IMLebanon

لبنان على الطريق السريع الى الدولة الفاشلة!

 

كتب نوفل ضو في صحيفة “الجمهورية”:

“الدولة الفاشلة” هي التي تغيب فيها السيطرة الكاملة للدولة على أراضيها، وتتراجع فيها القدرة على الاستخدام المشروع لوسائل القوة، وتتآكل فيها السلطة الشرعية لصنع القرار، وتنعدم فيها القدرة على توفير الخدمات العامة، وينتشر فيها الفساد والجريمة، ويتدهور فيها الاقتصاد، ويتفلّت فيها العنف الطائفي.

درج التقليد السياسي في عالمنا المعاصر على تقويم نجاح أيّ حكم أو عهد أو ولاية حكومية، أو فشله من خلال ثلاثة مؤشرات هي:

1ـ السياسة الإقتصادية والإجتماعية المتمثلة في نسبة النموّ وميزان المدفوعات وفرص العمل والعجز في الموازنة والخدمات العامة والرفاهية الإجتماعية ومكافحة الفساد وغيرها.

2ـ السياسة الداخلية من خلال الإستقرار السياسي والأمني والديموقراطية في تداول السلطة وتسيير عمل المؤسسات الحكومية.

3ـ السياسة الخارجية من خلال النجاح في بناء علاقات إقليمية ودولية تساهم في رفع شأن الدولة وتعزّز موقعها في المجتمع الدولي وتأثيرها في بناء السياسات الإقليمية والدولية.

وعليه، فإنّ القول إنّ شخصية معيّنة أو حزباً معيّناً نجَح في الحكم يتطلب على الأقل نجاحاً في واحد من المؤشرات الثلاثة المذكورة على الأقل. ويتعزّز مستوى النجاح في حال تمكّن حاكم أو حكومة من تحقيق هدفين من ثلاثة. ويصبح النجاح شبه كامل بتحقيق إنجازات في المجالات الثلاثة مجتمعة.

ولأنّ الحكم في لبنان تتولّاه منذ عقود طبقة سياسية لا تتغيَّر لاعتبارات لا مجال للغوص فيها الآن، فإنّ الحكم على نجاح هذه الطبقة السياسية في إدارة شؤون الدولة وأبنائها يتطلّب مراجعة الواقع اللبناني الراهن المتعلق بالسياسات: الإقتصادية والإجتماعية، الداخلية والخارجية.

ومثل هذه المراجعة تظهر النتائج الآتية:

1ـ في الواقع الإقتصادي الإجتماعي: دين عام تجاوز 75 مليار دولار، وفساد مستشرٍ، ونموّ معدوم، وميزان مدفوعات في عجز مستمرّ، وخدمات عامة رديئة متى توافرت، وهجرة داخلية وخارجية، وفرص عمل الى تناقص، وأزمة اقتصادية خانقة، وبنى تحتية تتآكل يوماً بعد يوم…

2ـ في السياسة الداخلية: أزمات حكم متكرّرة، عدم الإلتزام بالدستور والقوانين، عدم الإلتزام بتداول السلطة في المواعيد الدستورية، خلافات سياسية عميقة، مؤسّسات مترهّلة، إدارة بالية، قضاء بطيء يُعاني من التدخّلات السياسية، إزدواجية في قرارات السلم والحرب، قوى أمنية وعسكرية غير قادرة على بسط سلطة الدولة على أراضيها كاملة، ميليشيات مسلّحة تُصادر سلطة الدولة.

3ـ في السياسة الخارجية: علاقات متوتّرة مع دول الخليج العربي، وملتبسة مع عدد من الدول العربية، وعلاقات غير مستقرّة مع المجتمع الدولي نتيجة عدم الإلتزام بالقرارات الدولية ولا سيما منها تلك الصادرة عن مجلس الأمن الدولي، بالإضافة الى تدخلات “حزب الله” الأمنيّة والعسكرية والنشاطات التجارية غير الشرعية في عدد من الدول العربية والإفريقية والأوروبية والأميركية.

إنّ مقاربة الواقع اللبناني المشار اليه من المنظار السياسي المحلي تُظهر لبنان دولة مليئة بالمشاكل والصعوبات، وتُظهر الطبقة السياسية عاجزة عن تحمّل مسؤولياتها وهي مشكلة سياسية لبنانية داخلية بالغة التعقيد والخطورة على الحاضر والمستقبل.

لكنّ المشكلة تصبح أكبر وأخطر متى تمَّت مقاربة واقعنا من خلال المعايير العلمية الدولية لأوضاع الدول والتصنيفات الدولية لمشاكل الدول.

فمجلة “فورين بوليسي” الأميركية المتخصّصة بتقدير حالة الدول تلتقي مع “صندوق السلام”، وهو منظمة دولية تسعى إلى منع الحروب ومكافحة الأسباب التي تؤدي إلى اندلاع صراعات مسلحة، وتتَّخذ من العاصمة الأميركية واشنطن مقراً لها، في تعريف الدول الفاشلة بأنها “تلك التي لا تستطيع أن تقوم بوظائف أساسية وتحديداً التعليم والأمن والحكم”.

أما مؤسّسة “بروكينز انستيتيوت” للدراسات والأبحاث، فتُعرّف “الدولة الفاشلة” بأنها “الدولة التي لا يمكنها السيطرة على أراضيها، وعادة ما تلجأ للقوة، وتفشل حكومتها في اتخاذ قرارات مؤثّرة، بالإضافة إلى عدم قدرتها على توفير الخدمات لأبناء شعبها، فضلاً عن فشلها في التعامل بفاعلية مع المجتمع الدولي، وعادة ما تشهَد معدلات فساد وجريمة مرتفعة”.

إنّ تطبيق هذا التعريف على لبنان وضعه في تقرير “صندوق السلام” للعام 2014 في المرتبة 46 من حيث الفشل من أصل 178 دولة بعلامة 86.9 على 120، في حين أنّ التقرير نفسه للعام 2015 أظهر أنّ لبنان مستمرّ في تسلّق سلم ترتيب “الدول الفاشلة” منذ العام 2011 ليحتلّ المرتبة 41 وبعلامة 88.1 على 120.

وقد أدرَج التقرير لبنان تحت خانة “الدول ذات التحذير العالي جداً”، وهي المرتبة الرابعة الأكثر فشلاً من أصل 10 خانات، والأخيرة قبل الإنتقال الى لائحة “الدول ذات الإنذار” بالفشل.

من هنا، وبعيداً من التبريرات والأسباب التخفيفيّة التي يَحلو لمحازبي هذا الفريق أو ذاك منحها لقادتهم وزعمائهم تبعاً للإصطفافات والإنقسامات الداخلية، فإنّ مواجهة الواقع وتغييره نحو الأفضل باتت تتطلّب من الرأي العام اللبناني وقف المكابرة في تبرير ما تقوم به الطبقة السياسية الحاكمة منذ عقود، والأخذ في الاعتبار “التصنيف الدولي للبنان”، والإنتقال من مرحلة تغطية سياساتها، الى مرحلة المواجهة الديموقراطية لإسقاط هذه السياسات وصانعيها، وإلّا فإنّ هذه الطبقة ستُسقط لبنان في مجهول “الدول الفاشلة” مع ما يَعنيه ذلك من تبعات سياسية واقتصادية واجتماعية أين منها ما نشكو منه اليوم!