Site icon IMLebanon

هل يُوصِل “حوار الطرشان” الى قانون؟

 

 

كتب نبيل هيثم في صحيفة “الجمهورية”:

ثبت بالملموس أنّ الجلسات واللقاءات والمحطات الحوارية الثنائية أو الثلاثية أو الرباعية حول القانون الانتخابي لم تكن أكثر من «حوار طرشان» يعلك الصيغ والأفكار ولا يهضمها، فهل يمكن لمثل هذا الحوار أن يوصل الى قانون انتخابي جديد؟صار رصد المتحاورين مملّاً، جلوسهم مع بعضهم البعض لم يقرّب المسافات المتباعدة في ما بينهم، ولم يستطيعوا أن يوحّدوا الرؤى المتناقضة حول شكل القانون وماهية الدوائر، ولا بناء قواسم مشتركة حول أيّ صيغة. صارت جلساتهم أشبه بمسلسل تركي «ممغوط» تعرف كيف يبدأ ولا تعرف كيف ومتى ينتهي، وأما أبطاله فيجدونها فرصة «للتكاذب»، يتبادلون فيها المجاملات، وعبارات الحرص المتبادل على شاكلة: «نحن حريصون عليكم أكثر من حرصكم على أنفسكم.. نحن نحبكم أكثر ممّا أنتم تحبون أنفسكم.. لا نكنّ لكم سوى الخير والاحترام.. أنتم تشكلون أساساً في البنيان اللبناني ونريدكم أن تبقوا كذلك، أكثر ممّا أنتم تريدون ذلك.

لا أحد يستهدفكم، ولا أحد يستطيع أن يمسّ تمثيلكم أو يلغي وجودكم، ولا أحد يفكر في ذلك أصلاً».

هذه عيّنة ممّا تشهده تلك الجلسات كما يلخصها أحد المشاركين فيها: «نحن نجلس مع بعضنا، نشرب الشاي أو القهوة، و»نلأمش» ونمسّح الجوخ لبعضنا البعض، ومن ثمّ نخرج وكلّ واحد على سلاحه، يرصد الطرف الآخر وينتظره ليدير ظهره فيطلق النار عليه».

الواضح هنا، أنّ كلّ النقاش الذي جرى حتى الآن وصل الى طريق مسدود. ويبدو أنّ الفرقاء دخلوا الى حلبة عض أصابع في انتظار مَن

سيصرخ قبل الآخر. ومع ذلك يأتي مَن يقول: «نحن محكومون بالوصول الى قانون جديد»،

تسأل: كيف؟

فيجيب أحدهم: «الوسائل لم تنعدم بعد. ثمّ إنّ كلّ القوى السياسية متفقة سرّاً وعلناً على إحداث خرق»!

تسأل ايضاً: أين، وكيف؟

فتُستعرَض مجموعة إشارات، توحي بهذا الاتفاق:

وما حصل في المخيمات في الفترة الأخيرة ليس بريئاً على الاطلاق. وإذا كان التحصين الأمني أولويّة أولى، ففي ذات المرتبة يقع أولاً أيضاً، الانتباه الى طبيعة المخاطر وحجمها وعدم فتح الشبابيك أمام تلك الرياح، ووقف ظاهرة التصريحات الآتية من خارج السياق لتصب الزيت على نار بعض القضايا والعناوين الخلافية، واستمرار لغة التفاهمات والانسجام السياسي ولو بالحد الأدنى وصولاً الى القانون الانتخابي الذي يشكل أحد أعمدة التحصين الأساسية.

على أنّ هذه الإشارات على أهميّتها تفقد معناها إذا ما اسقطناها على أرض الواقع، وقد لا تصدق معها فرضية الوصول الحتمي الى قانون، فالقانون الانتخابي، وتبعاً للالتزامات المقطوعة من قوى أساسية وازنة لقوى سياسية قلقة وتسكنها الهواجس، يتطلب إجماعاً من كلّ القوى السياسية حوله، لا أن يُفرض كقانون أمر واقع، توافق عليه أكثرية سياسية وتفرضه على أقلّية. وما زال هذا الإجماعُ مفقوداً حتى الآن.

وبالتالي فإنّ ما تسرّب أخيراً عن بحث صيغة جديدة لمختلط جديد قيل إنه قابل للموافقة عليه كونه يقوم على وحدة معايير في كلّ الدوائر، لم يشكل تبديلاً يعوَّل عليه في موقف تيار المستقبل، ولا حرّك مشاعر «القوات اللبنانية» إيجاباً منه، بل إنه ترافق مع مناكفة سياسية انتخابية لافتة للانتباه على الخط العوني القواتي بما يشي أنّ الباب مفتوح بينهما على ما هو أكبر وأبعد.

كما لم يؤدِّ الى تبديد هواجس القلقين من الصيغ الملغومة، وفي مقدّمهم وليد جنبلاط الذي تلقّى التزاماً أكيداً من القوى السياسية الوازنة بأنها لن تقبل بقانون لا يقبل به.

يعني ذلك، أنّ الرياح ما زالت تجري في الاتجاه المعاكس، وبلوغ قانون جديد يأتي بالجميع اليه هو ضرب من المستحيل. وبصرف النظر عن «تكاذب الجلسات»، فإنّ المنطق السياسي والتوجّهات الانتخابية هي نفسها ولا تعديل طفيفاً أو جوهرياً فيها، بل إنّ كلّ طرف متمسّك بقانونه.