Site icon IMLebanon

باسيل يتمسك بالنظام التأهيلي بدءاً بجبل لبنان وهذه حجته…

 

 

كتب محمد شقير في صحيفة “الحياة”:

يدخل مجلس الوزراء اللبناني الخميس المقبل، في لعبة “عض الأصابع” في مناقشته اقتراحات قوانين الانتخاب المدرجة على جدول أعماله، خصوصاً إذا ما اقتحمت الجلسة التداعيات الناجمة عن المشروع الانتخابي لرئيس “التيار الوطني الحر” الوزير جبران باسيل الذي تسبب بانقسام حاد في الاجتماع الأخير لعدد من ممثلي الأطراف في وزارة الخارجية، في غياب ممثل حركة “أمل” الوزير علي حسن خليل الذي قرر عدم حضور أي اجتماع يعقد في مبنى الخارجية، وتفضيله نقل الاجتماعات إما إلى البرلمان، أو إلى السراي الكبيرة شرط أن تعقد برئاسة رئيس الحكومة سعد الحريري.

فدعوة مجلس الوزراء إلى الانعقاد تأتي هذه المرة في ظل الحصار المفروض نتيجة رفض حركة “أمل” والحزب “التقدمي الاشتراكي” ومعهما أطراف آخرون المشروع الانتخابي الذي تقدم به باسيل، فيما يحاول نائب رئيس حزب “القوات اللبنانية” وممثله في لجنة الانتخاب النائب جورج عدوان التموضع في منتصف الطريق، على أمل أن يوفق بالتعاون مع جميع المعنيين في الوصول إلى قواسم مشتركة تعيد الحرارة للبحث في قانون الانتخاب في أجواء هادئة ومريحة، وهذا يستدعي سحب النقاط الخلافية من التداول.

وفي المقابل، فإن التغلب على الخلاف الذي اتسم به الاجتماع الانتخابي الموسع في الخارجية لن يكون في الهروب إلى الأمام، أي في اللجوء إلى حسمه بطرح مشروع باسيل على التصويت في مجلس الوزراء، خصوصاً أن ممثل “حزب الله” في الاجتماع، المعاون السياسي للأمين العام للحزب حسين خليل لم يحبذ في مداخلته اللجوء إلى التصويت.

وعلمت “الحياة” أن خليل كان واضحاً في مداخلته، ونقل عنه قوله إن “حزب الله” يؤيد النظام التأهيلي الذي طرحه باسيل في مشروعه الانتخابي، لكن لا يحبذ اللجوء إلى خيار التصويت في مجلس الوزراء في ظل وجود معارضة من مكونين أساسيين في البلد هما “أمل” و “التقدمي”، وأن من شروط الخروج من التأزم السياسي المترتب على الخلاف حول قانون الانتخاب السعي للوصول إلى توافق.

كما نقل عن خليل قوله إن “وجودنا في الاجتماع يهدف إلى التوصل إلى قواسم مشتركة تضيق الخلاف حول قانون الانتخاب وخيار التصويت من شأنه أن يدفع من منسوب التأزم السياسي”.

ومع أن الانقسام الحاد حول مشروع باسيل لم يعد خافياً على أحد، يبقى السؤال عن دور الرئيس الحريري في تدوير الزوايا على قاعدة إقرار الجميع بأنهم ليسوا مع الانجرار إلى خلاف مع رئيس الجمهورية ميشال عون، في مقابل الحفاظ على علاقته بكل من رئيس المجلس النيابي نبيه بري ورئيس “اللقاء النيابي الديموقراطي” وليد جنبلاط، خصوصاً أنها تشهد حالياً تبادل مآخذ يتجاوز العتب إلى السؤال عن قدرته على ابتداع صيغة وسطية لقانون الانتخاب تساعد على معالجة أسباب التوتر.

وعلى رغم أن الرئيس الحريري يحتفظ لنفسه بموقفه الذي سيطرحه في مجلس الوزراء، فإن بعض الأطراف السياسية لا تزال تراهن على أنه الأقدر على فك الحصار عن التأزم الذي يهدد الجلسة في ضوء الاشتباك السياسي الذي أخذ يتصاعد بين الرئيس بري وجنبلاط من جهة، وبين باسيل من جهة ثانية، الذي يراهن على وقوف “المستقبل” إلى جانب طرحه النظام التأهيلي في المشروع الذي عرض على المجتمعين في الخارجية ولقي اعتراضاً من “التقدمي” من دون أن يدافع عنه “حزب الله” و “القوات” كما يجب، وفق ما كان يتمناه وزير الخارجية. ناهيك بأن الخلاف لم يكن محصوراً بالاعتراض على التأهيلي، وإنما أيضاً على رؤية باسيل لتشكيل مجلس الشيوخ بعد التوافق على استحداثه والصلاحيات التي يجب أن تعطى له والتي سينتزع بعضها من صلاحيات السلطة التشريعية وبعضها الآخر من تلك المنوطة بمجلس الوزراء مجتمعاً.

الثلث الضامن في مجلس الشيوخ

وبكلام آخر، فإن باسيل يقترح أن تسند رئاسة مجلس الشيوخ إلى المسيحيين من دون مذهبة، على أن يكون للمجلس الذي يفترض أن يتشكل من 64 عضواً يتوزعون مناصفة ما بين المسحيسين والمسلمين، حق النقض في القرارات الكبرى ومنها توقيع لبنان معاهدات مع دول أخرى واتخاذ قرار الحرب والسلم والأمور المتعلقة بالأحوال الشخصية واللامركزية الإدارية.

ويمكن أن تسند مثل هذه الصلاحيات إلى مجلس الشيوخ، لكن ما هي الأسباب الكامنة وراء تفويضه، النظر في الموازنات العامة، وهل يؤدي ذلك إلى وجود مجلس يتمتع بالثلث الضامن أو المعطل يكون فوق مجلس الوزراء والبرلمان، إضافة إلى أن استحداث مجلس شيوخ ينتخب أعضاؤه استناداً إلى المشروع الأرثوذكسي أي كل مذهب ينتخب من يمثله فيه، يشكل نسفاً لاتفاق الطائف في ظل البقاء على البرلمان لا يلغى فيه القيد الطائفي.

فتجربة تشكيل مجلس الشيوخ انطلقت مع الانتداب الفرنسي للبنان عام 1926، لكنها سرعان ما سقطت بعد شهور على تشكيله بسبب وجود مجلسين طائفيين أي الشيوخ والمجلس النيابي، وبالتالي لم يعد من مبرر للإبقاء على هذا المجلس، لأن لا ضرورة له.

كما أن النظام التأهيلي يشكل انقلاباً على الطائف الذي لم ينفذ حتى الساعة بكامل بنوده، إضافة إلى أن شوائب عدة أصابت ما نفذ منه من بنود، وبالتالي كيف يمكن التوفيق بين الحفاظ على الطائف وبين تعريته من روحيته وهذا ما يفتح الباب أمام تجدد الخلاف على النظام السياسي في لبنان.

أما لماذا يتمسك باسيل بالنظام التأهيلي ويصر على إدراجه في صلب مشروعه الانتخابي وما هي طبيعة المداولات التي تمت بينه وبين جنبلاط في زيارته منزل الأخير في كليمنصو في حضور عدد من أركان “التقدمي” و “اللقاء الديموقراطي”؟

في الإجابة على السؤال، تمكن الإشارة إلى أبرز ما دار بينهما حول قانون الانتخاب ومن ضمنه النظام التأهيلي الذي يتبناه باسيل، انطلاقاً من قوله في الاجتماع إن عودة المهجرين إلى الجبل كانت جسدية وليست سياسية، وإن التأهيلي يؤمن صحة التمثيل، “ولا نقول إنه يضمن انتخاب 64 نائباً مسيحياً في حال تقرر اعتماده، لكنه في مطلق الأحوال سيعطينا فرصة لانتخاب 52 نائباً مسيحياً. وفي المقابل يؤمن لكم – مخاطباً جنبلاط – وصول 9 نواب إلى البرلمان”.

وطبيعي أن يلقى كلام باسيل استغراباً من جنبلاط الذي نقل عنه قوله إن معارضته التأهيلي أساسية لأنه يعيد البلد إلى أجواء الانقسام الطائفي، خصوصاً في الجبل “الذي نحرص على تحصينه لحماية المصالحة التي رعاها البطريرك الماروني آنذاك نصرالله صفير ولمنع تعريض العيش المشترك فيه إلى أي انتكاسة”.

وأضاف جنبلاط – وفق المعلومات – أنه لا يتطلع إلى المقاعد التي سيحصل عليها “التقدمي” لأن ما يهمه يتجاوز الحصص إلى الحفاظ على مناخ المصالحة في الجبل.

فرز الناخبين في البلدة الواحدة

ولفت جنبلاط إلى أن رفضه التأهيلي ينطلق أيضاً من أنه من غير الجائز أن لا يشارك أبناء البلدة الواحدة في جبل لبنان في انتخاب مرشحيهم، فهل يعقل أيمنع الدروز في المختارة – مسقط رئيس “التقدمي” – من أن يتشاركوا مع المسحيين في هذه البلدة في انتخاب من يمثلهم في البرلمان، خصوصاً أنهم يتشاركون في انتخاب مجلسها البلدي والمجالس الاختيارية.

وتابع أن الدروز يشكلون 40 في المئة من سكان المختارة، في مقابل 60 في المئة من المسحيين، وأن رئيس بلديتها روجيه عشي وهل نطلب من الدروز أن لا ينتخبوا النائب الكاثوليكي الحالي نعمة طعمة وهو من كانت له اليد الطولى في إعادة بناء وترميم الكنائس التي تهدمت أو تضررت في حرب الجبل.

وهنا رد باسيل: “ومم يشكو عشي؟” في تلميح إلى أنه يتطلع إلى ترشيحه عن المقعد الكاثوليكي في الشوف، لكن جنبلاط، أضاف قائلاً: “نحن في الشوف وعاليه حرصنا على تشكيل لوائح مشتركة من المسيحيين والدروز والسنة، ولم نصادر تمثيل الأحزاب المسيحية و “التيار الوطني” لم يكن موجوداً في هذه الأثناء، واليوم نبدي رغبة في الانفتاح عليه وأن نتحالف معه إلى جانب الآخرين”.

وفي سياق إصراره على تمثيل المسيحيين، قال جنبلاط إن أحزاب “القوات” و”الكتائب” و”الوطنيين الأحرار” ممثلة في الشوف وعاليه، وإن الشوف في أشد محطات الخلاف مع الرئيس الراحل كميل شمعون لم يكن مصادراً من أحد، والدليل أن المقاعد النيابية في حينه كانت تتوزع بينه وبين كمال جنبلاط، وأحياناً يحصل الأخير على 5 مقاعد في مقابل 3 مقاعد لشمعون وأحياناً أخرى تأتي النتائج على عكس ذلك.

وذكّر جنبلاط بأن الخلاف بين كمال جنبلاط وكميل شمعون لم يكن طائفياً، وإنما سياسياً بامتياز، وأن الأخير كان يترأس كتلة نيابية تضم نواباً من الدروز والشيعة والسنة، إضافة إلى المسيحيين، وهذا ما تميز به وكذلك الأمر بالنسبة إلى جنبلاط “ولا أظن أن لنا جميعاً وللبلد مصلحة في أن ننجر إلى التأزم طالما أن لدينا إمكاناً، ليس للحوار فحسب، وإنما للتعاون في الانتخابات النيابية”.

ويفهم من المواقف التي نقلت عن جنبلاط أن التفاهم ليس مستعصياً، شرط أن لا يحاول هذا الطرف أو ذاك أن يأتي بقانون انتخاب يعيدنا إلى الوراء، ولا نعرف كيف يمكن التوفيق بين مثل هذا الطرح وبين الحفاظ على الطائف، مع أنهما ضدان لا يلتقيان تحت سقف الأخير”.

موقف “القوات”

على خط آخر، يبدو أن حزب “القوات” لا يتناغم كلياً مع بعض طروحات باسيل، ربما لأن لديه تجربة مريرة كالآخرين لا يريد استحضارها لما ألحقته بالبلد من دمار، وبالتالي فإنه يتقدم في موقفه على شريكه في “إعلان النيات” “التيار الوطني”، وهذا ما لمسه النائبان أكرم شهيب ووائل أبو فاعور من سمير جعجع خلال زيارتهما له في معراب، ونقلا عنه قوله إن أي قانون انتخاب يجب أن يبقى تحت سقف الحفاظ على وحدة الجبل وحماية العيش المشترك والمصالحة فيه.

لذلك، يفترض بكل هذه المداولات حول قوانين الانتخاب أن تحضر حتماً على طاولة مجلس الوزراء، ليس من أجل نزع فتيل الانفجار ومنع تصاعد وتيرة الاشتباك السياسي فحسب، وإنما لتجنب الانزلاق في اتجاه التصويت على أي قانون يدفع في اتجاه تعميق الخلاف.

وعليه، لا بد من ترقب ما سيدلي به رئيسا الجمهورية والحكومة في الجلسة، لأن لموقفيهما دوراً في استعادة زمام المبادرة بحثاً عن قانون يجمع ولا يفرق بين القوى السياسي، ومن شروطه عدم محاسبة من وقفوا ضد مشروع باسيل لئلا تنتهي الجلسة إلى تظهير الخلاف الذي غطى على الاجتماع الموسع في الخارجية.