Site icon IMLebanon

مسلسل تلزيم كاميرات المراقبة في بيروت: الجزء الثاني أسوأ من الأول

 

 

كتبت رلى إبراهيم في صحيفة “الأخبار”:

يوم الخميس الماضي، وافق المجلس البلدي في بيروت، بأكثريته، على تكليف شركة «غوارديا سيستيمز»، مجدداً، بتركيب 200 كاميرا مراقبة إضافية في منطقة وسط بيروت وربطها بالشبكة الرئيسية، وذلك عبر عقد بالتراضي قيمته نحو 7 مليارات و316 مليون ليرة لبنانية، أي أقل قليلاً من 5 ملايين دولار.

المشروع أتى بطلب من المديرية العامة للأمن الداخلي، بعدما أوقفت شركة «سوليدير» العمل بشبكة كاميراتها الخاصة نظراً الى نظامها القديم، على ما تقول مصادر بلدية لـ«الأخبار». ويشكل هذا العقد الجزء الثاني من مشروع نفّذته الشركة نفسها، قبل ثلاث سنوات، بالطريقة نفسها، وقضى بتركيب نحو 1850 كاميرا مراقبة في بيروت بقيمة تعدّت الـ 36 مليون دولار.

كلفة المشروع المرتفعة وغير المدروسة، دفعت 6 أعضاء في المجلس من أصل 20 حضروا الجلسة للاعتراض على العقد الجديد، وهم: جوزف طرابلسي، فادي شحرور، رامي الغاوي، كبريال فرنيني، إيلي يحشوشي وجوزف روفايل. يقول هؤلاء إن معظمهم كانوا قد لجأوا الى خبراء مختصين في هذه الأمور، فجاءت تقديراتهم للأسعار الرائجة أقل بـ 40% عن السعر الذي قدمته «غوارديا» للبلدية. وهو ما دفع عيتاني الى تذييل القرار بجملة «مع حسم مبلغ لا يقل عن 10% على السعر المذكور وتكليف سعادة المحافظ التفاوض مع المقاول بهذا الخصوص».

فعلياً، أعاد عيتاني استعمال أسلوب حمد نفسه المعتمد في عدد من البلدان العربية لإمرار المشاريع ذات القيمة الإجمالية المرتفعة: تقدم الشركة قيمة التكاليف مرفوعة عن السعر الأساسي ما يقارب الـ 50% وأحياناً 100%، يعترض البعض، فيعمد الريّس الى تكليف المحافظ بالتفاوض مع الشركة لتخفيض القيمة بما لا يقل عن 10% للتشاطر على المعترضين والخروج منتصراً.

يتضمن القرار الصادر عن المجلس البلدي إنشاء مركز بيانات جديد لتلك الكاميرات، علماً بأنه تم إنشاء مركزين وفق العقد الأساسي كلّف الواحد منهما مليون دولار. والسؤال هنا: لماذا لم يتم إدخال منطقة وسط بيروت ضمن العقد الأساسي، الذي أقر في عام 2014 حيث كان يمكن توفير قيمة أعمال الصيانة والإمدادات من جديد، وما السبب وراء تحوّل المحظور الى مباح اليوم. فتم تالياً إعطاء الضوء الأخضر لتغيير كاميرات «سوليدير» التي لم تكن قابلة للبحث منذ 3 سنوات؟ أما السؤال الثاني، فيتعلق بالسبب وراء إنشاء مركز جديد خاص بمنطقة وسط بيروت وحدها، في الوقت الذي كان من الممكن ضمها الى أحد المركزين الموجودين أصلاً في ثكنة الحلو ومبنى البتروني وتوفير مبلغ مليون دولار إضافي. فهل ما سبق يتعلق بمتطلبات أمنية أم متطلبات من نوع آخر؟

في سياق آخر، قامت «غوارديا» وفقاً لمصادر بلدية باحتساب قيمة الكاميرات الإضافية بسعر مماثل للقيمة التي احتسبت فيها الكاميرات في العقد الأول، من دون مناقشتها بالسعر كون العقد تمّ بالتراضي. يتذرع المجلس البلدي بالمادة 147، التي تتيح التعاقد بالتراضي «مهما كانت قيمة الصفقة، إذا كانت تتعلق باللوازم والأشغال والخدمات، التي لا يمكن وضعها في المناقصة لضرورات سرية أو لمقتضيات السلامة العامة، ولأسباب تتعلق أيضاً بالخدمات الإضافية التي يجب أن يعهد بها الى الملتزم الأساسي»، علماً بأن العقد الأساسي نفذته البلدية أيضاً بالتراضي بعدما طعن ديوان المحاسبة بالمناقصة التي أجريت ورفض على أثرها الموافقة على تلزيم أعمال تقديم وتركيب كاميرات مراقبة وتوابعها في شوارع مدينة بيروت، وذلك لعدم قانونية الملف. يومها، جاءت أبرز الشهادات في ديوان المحاسبة من قبل أحد أعضاء البلدية السابقين، إيلي حاصباني، الذي شرح كيفية إمرار حمد للقرار دون إطلاع الأعضاء على الملف وتفاصيله. تلته شهادة أخرى من مالك إحدى الشركات التي لم تدع الى المناقصة ويدعى جميل نصار، إذ أكد نصار أن البلدية برئاسة حمد اكتفت بدعوة 5 شركات مختارة مسبقاً، مع العلم بأن 4 منها ليست مختصة في هذا المجال وغير منتسبة الى نقابة محترفي الحماية والسلامة في لبنان. لذلك قدم اعتراضه على عدم دعوة شركته، ولا سيما أنها تملك الخبرة في مجال تركيب كاميرات مراقبة منذ أكثر من 20 سنة، فيما شركة «غوارديا» نالت رخصتها في عام 2012. رافق ذلك تصريح لنائب رئيس نقابة محترفي الحماية والسلامة العامة في لبنان، هادي نحاس، الذي استغرب «عدم معرفة النقابة بهذه المناقصة، علماً بأن النقابة تضم 30 شركة متخصصة في هذا المجال». وما أثار الريبة، وفق نحاس، أن «الشركة الرابحة انضمت الى النقابة منذ نحو سنة، ما يعني أن ثمة قطبة مخفية أدت الى معرفة هذه الشركة دون سواها من الشركات المنضوية الى النقابة». من جهة أخرى، ذكرت النقابة أن «البلدية قامت بتلزيم المشروع بالتراضي بمبلغ كبير (36 مليون دولار)، علماً بأن الشركات المحتجة قدّرت الكلفة بين 20 و25 مليون دولار»! فعلياً، بلغت قيمة العقد عند تلزيمة قبل 3 سنوات 42 مليون دولار، ليخفض بعدها 10%، كما يقتضي الأسلوب المعتاد، فأصبح 36 مليون دولار. وهو ما اعتبره الخبراء مبلغاً مرتفعاً جداً على اعتبار أن معدل الكلفة الإجمالي للكاميرا الواحدة يتراوح بين 2000 و5000. وتتضمن القيمة إضافة الى الكاميرات كلفة تركيب الكابلات وغرف التحكم ومراكز المراقبة.

لاحقاً، بقيت الكاميرات مطفأة بسبب عدم ربطها بشبكة الفايبر أوبتيك، ما حدا بالمجلس البلدي الى تحضير عقد آخر بتكليف شركة «غوارديا» وصل الكاميرات على الشبكة بقيمة 16 مليون دولار. غير أن الملايين المفترضة جمدت مع عرض المدير العام لأوجيرو السابق عبد المنعم يوسف تولي أوجيرو هذه المهمة غير المكلفة! وحتى الساعة، لا تزال نحو 30% من الكاميرات غير مربوطة بالشبكة ولا تقوم بالدور التي وضعت لأجله.

انطلاقاً من ذلك، طلب بعض الأعضاء، في جلسة الخميس الماضي، مهلة زمنية قصيرة لدرس الملف وقيمة العقد وطالبوا باستدراج بعض العروض قبل اتخاذ القرار. وعلى الرغم من اعتراض 6 أعضاء من أصل 20 في الجلسة المذكورة، أصر رئيس البلدية وبعض الأعضاء على إقرار التلزيم وفق الصيغة التي صدر بها القرار.