Site icon IMLebanon

لبنان… كأنه عربة يشدّها حصانان في اتجاهيْن متعاكسيْن

 

كتبت صحيفة “الراي” الكويتية: يتّجه لبنان نحو مرحلةٍ سياسية غامضة في ضوء سباقٍ محمومٍ بين مَظاهر التوتر الناجمة عن وقائع محلية وإقليمية في مقدّمها مخلّفات معركة الجرود وما رافَقَها ونجم عنها من ملابساتٍ، وبين محاولاتِ احتواء المناخات السلبية على النحو الذي يَحفظ الاستقرار السياسي في البلاد ويجنّبها خطر الانزلاق الى مَصاعب من النوع الذي يصعب التكهّن بنتائجه.

ورغم أن بيروت تبدو في حِراكها المتعاكس كالعربة التي يجرّها حصانان في اتجاهيْن مختلفيْن، فإن الدوائر المراقبة تميل لإمكان إبقاء الوضع تحت السيطرة ربطاً بالتحرّك الخارجي المرتقب لرئيس الحكومة سعد الحريري غداً باتجاه موسكو، إلى جانب الإطلالة التي سيقوم بها رئيس الجمهورية ميشال عون دولياً من على منبر الأمم المتحدة قبل أن يزور باريس نهاية الشهر الجاري.

وتسعى بيروت بقوّة إلى تَدارُك الأضرار الخارجية لإغراق انتصار الجيش اللبناني في معركة «فجر الجرود» ضدّ «داعش» بتجاذباتٍ سياسية فجّرتْها أولاً الصفقة التي أبْرمها «حزب الله» مع التنظيم الإرهابي، وفاقَمها ثانياً الارتداد لمعاودة فتْح ملف أحداث عرسال 2014، وذلك حرصاً على توظيف الانتصار النظيف للجيش في خانة تشجيع المجتمع الدولي على المزيد من دعم المؤسسة العسكرية، وهو العنوان الذي سيكون حاضراً في محادثات الحريري مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اضافة الى أنه سيكون محور مؤتمر أعلن رئيس الوزراء اللبناني من باريس انه سيُنظم في الربع الأول من 2018.

وكان لافتاً في هذا السياق، الكشف عن زيارة قام بها مدير الاستراتيجية والتخطيط والسياسة في القيادة المركزية الاميركية اللواء جورج سميث لبيروت حيث التقى قائد الجيش اللبناني العماد جوزف عون وكبار الضباط وبحث معهم في مجالات التعاون من أجل زيادة تطوير قدرات الجيش «باعتباره المدافع الوحيد عن أراضي لبنان وحدوده»، مشيداً بـ «النجاح العسكري الذي حققه الجيش اللبناني أخيراً».

وإذا كان هذا التحرّك الأميركي في اتجاه بيروت وما أعلنه سميث يعكس قراراً من واشنطن بعدم التخلي عن الجيش وبتجاوُز الالتباسات التي رافقتْ الصفقة بين «حزب الله» و«داعش» وتركتْ تداعياتٍ إقليمية ودولية سلبية، فإن جانباً آخر مما أظهرتْه معركة الجرود، لا سيما تحديد «حزب الله» توقيتها وفق أجنْدته الإقليمية واندفاعته لاستثمارها في اتجاه التطبيع مع النظام السوري وربْط لبنان بالمحور الإيراني، ينذر بمتاعب يمكن أن تنزلق البلاد إليها بحال عدم القراءة الجيّدة لمجموعة إشارات من بينها ما يشبه «البطاقة الصفراء» السعودية التي تبدو برسْم مجمل الواقع اللبناني والتي عبّر عنها وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج ثامر السبهان مرتين في أربعة أيام داعياً اللبنانيين أولاً الى الاختيار «مع حزب الشيطان أو ضدّه» قبل أن يعتبر ان إيران «وابنها البكر حزب الشيطان» هي منبع الإرهاب مطالباً «كما تَعامَل العالم مع (داعش) لا بد من التعامل مع منابعه».

وتأتي اللهجة السعودية العالية وسط انطباعٍ متزايد بأن «حزب الله» يعمل على إدارة المركب اللبناني من الخلف. فهو نجَح في نقْل «العدسة» من الصفقة المثيرة للجدل التي أبرمها مع «داعش» وانتقل بموجبها قتَلة العسكريين الذين كانوا أسرى لدى التنظيم الإرهابي الى الحدود السورية – العراقية، الى الدفع في اتجاه فتْح ملف أحداث عرسال 2014 من خلال التحقيق الذي كان الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله أول مَن طالب بإجرائه قبل أن يتلقّفه عون ويُطلِق القضاء مساره، وسط مخاوف من تصفية حسابات سياسية تطاول بالدرجة الأولى بيئة الحريري وقادة عسكريين سابقين من خصوم حزب عون.

ورغم محاولة المجلس الأعلى للدفاع اول من أمس وضْع التحقيق بأحداث عرسال 2014 وملابسات خطْف عشرات العسكريين حينها على أيدي جبهة «النصرة» و«داعش» وعدم حصول عملية عسكرية سريعة لاستعادتهم في سياق قضائي بحت بعيداً عن أي مناخات تحريض أو انتقام سياسي، فإن الخشية تزداد من أن يتحوّل هذا الملف بمثابة «لغم» سياسي متعدّد الفتائل، لا سيما مع محاولة خصوم «حزب الله» تحميل الأخير وحلفائه مسؤولية عدم السماح بالتفاوض مع «داعش» لضمان الإفراج عن العسكريين قبل تصفيتهم، علماً أن هذا التفاوض أتاح استرجاع 16 عنصر أمن كانوا أسْرى لدى «النصرة».

وفيما كان أوّل غيث التوقيفات على خلفية أحداث عرسال وما سبقها يطلّ برأسه أمس مع توقيف مخابرات الجيش اللبناني رئيس بلدية عرسال السابق علي الحجيري، كان لافتاً خروج الرئيس السابق للحكومة تمام سلام (كان رئيساً للوزراء ابان أحداث عرسال) عن صمته ليردّ على كلام رئيس الجمهورية حول غموض في مواقف مسؤولين «سببت جراحاً في جسم الوطن»، ويدعو الى «فتح التحقيق على مصراعيه ورفع السريّة عن محاضر جلسات مجلس الوزراء لأنّ من حق اللبنانيين أن يعرفوا طبيعة الوقائع الميدانية في عرسال وجوارها يومذاك، وما هي مواقف من يتاجرون اليوم بأرواح الشهداء ومَن أيّد التفاوض مع الارهابيين الخاطفين ولماذا ومَن رفضه ولماذا، ومن أحبط مساعي هيئة علماء المسلمين وغيرها ولماذا».

ولاقى وزير الداخلية نهاد المشنوق الرئيس سلام رافضاً التعرّض للأخير «الذي تحمل لثلاث سنوات جبالاً من الخلافات السياسية والاستهتار الدستوري في ظلّ الفراغ الرئاسي»، قائلاً: «ما حدا بيطلعلو يستوطي حيطنا، لا بتمام بك ولا بغيره. نحن نفخر بحفظنا لعرسال وأهلها وبجيشنا الوطني. ولم يفعل العماد جان قهوجي (قائد الجيش ابان أحداث عرسال) إلا ما أملاه عليه ضميره الوطني ومناقبيته العسكرية. ولا كان الرئيس سلام إلا حمالاً لرسالة حفظ السلم الأهلي…».

وفي ردّ ضمني على نائب «حزب الله» نواف الموسوي وهجومه على الحريري والسعودية اعتبر المشنوق «اننا اتخذنا قراراً بربط النزاع وليس بربط الكرامات»، معترضاَ على «كلام لا يحتمل لا في السياسة ولا في المنطق ولا في العقل ولا في الأخلاق، وأقل ما يقال إنه كلام بلا أخلاق سياسية».

في موازاة ذلك، برَزَ موقف تهْدوي لرئيس البرلمان نبيه بري الذي كان رفض أي تعرُّض لسلام وقهوجي، إذ قال «من المؤسف ان المعركة العسكرية صار بدنا نخوضها بالإعلام، والمراجعات القضائية بدنا نخوضها بالإعلام، والمحاكمات بدنا نخوضها بالإعلام»، لافتاً الى «ان السياسيين ليس لهم حق التصرف في كل شيء». واذ اعتبر «أن مبدأ (مصلحة الدولة العليا)، لا نعرفه بحق بلدنا، وهذا امر يؤدي فعلاً على الاقل لإتهامنا بالثرثرة»، قال: «حاجي الناس تهبّط حيطان برّات الصحن». وحول إذا كان ما يجري سيؤثر على مصير الحكومة قال: «هذا شرّ لا بد منه».