Site icon IMLebanon

الأزمة الكورية… إلى أين؟

 

كتب مسعود المعلوف في صحيفة “الجمهورية”:

«سنفجّر الولايات المتحدة ونقضي على الشعب الأميركي». هكذا صرّح مسؤولٌ كبير من كوريا الشمالية ردّاً على التهديدات الأميركية الصادرة بعد إعلان بيونغ يانغ في الثالث من أيلول الجاري أنّها قامت بتجربة ناجحة لإنتاج قنبلة هيدروجينية. هذا أعنف تهديد كوري شمالي مباشر للولايات المتحدة، كما أنّ القنبلة التي أعلنت كوريا أنها استطاعت إنتاجَها هي أقوى سلاح نووي بحوزتها حتى الآن.

منذ نحو ثلاثة عقود والملفّ النووي الكوري موضعُ أخذٍ وردّ مع المجتمع الدولي ولا سيما الولايات المتحدة الأميركية. لقد مرّت كوريا الشمالية بمراحل عديدة في هذا الشأن من مفاوضاتٍ ثنائية أو متعدّدة، الى اتفاقاتٍ مرحَلية، الى قبولٍ بوقف برنامجها النووي، الى انسحابٍ من المفاوضات ثم عودة إليها، كما خضعت لعقوباتٍ قاسيةٍ من قبل مجلس الأمن والولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي، وصولاً الى إعلانها عام 2009 وقفَ كلّ المفاوضات بشأن ملفّها النووي وانصرافها الى إجراء التجربة تلوَ الأخرى لصواريخ وسلاح نووي حتى تمكّنت أخيراً من تصنيع قنبلة هيدروجينية حسب تصريحات مسؤوليها.

إنّ وصولَ كوريا الشمالية الى هذه المرحلة المتقدِّمة في إنتاج سلاحٍ نووي في ظلّ العقوبات القاسية المفروضة عليها، يدلّ على عزم أكيد وقدرة هائلة وتضحيات جمّة لتحقيق هدفِها المنشود، وهي دولةٌ شبهُ معزولة عن العالم، وحتى جارتها الكبرى الصين التي تدعمها عادةً وتحميها بعض الشيء، وافقت على قرار مجلس الأمن الرقم 2371 الذي صدر بتاريخ الخامس من آب هذا العام بإجماعِ أعضائه فارضاً عليها عقوبات إضافية.

لا ديبلوماسية المفاوضات بـ«العصا والجزرة»، ولا التهديدات المتكرّرة، ولا العقوبات المتزايدة حالت دون تمكُن كوريا الشمالية من تحقيق هذا الإنجاز الهائل في ظروف معاكسة للغاية. وإنّ امتلاكَ هذه الدولة لأسلحة دمار شامل وبهذه القوة أمر مقلق للغاية، خصوصاً أنّ رئيسَها كيم يونغ أون هو صاحب شخصيّة غريبة لم يتردّد في قتل أفراد من عائلته لإثبات سلطته وسيطرته على كلّ مفاصل الدولة.

من هذا المنطلق، يلاحَظُ انشغالٌ ليس على الصعيد الأميركي فحسب، بل أيضاً على الصعيد الدولي، إذ إنّ أيَّ استعمال للسلاح النووي يشكل خطراً جسيماً على العالم بأسره، ولكنّ جوهر المشكلة يبقى بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية ولذلك من الضروري حلّ هذا النزاع الثنائي قبل أن يتسبّب خطأٌ صادر عن أحد الفريقين بكارثة كبرى.

الخياراتُ المتاحة ليست كثيرة، وهي ربما صعبة جداً:

– زيادة العقوبات الإقتصادية ومزيد من العزل لكوريا الشمالية خيارٌ محتمَل وقيد البحث ولكنه قد لا يعطي النتيجة المرجوّة. هذا ما تطلبه حالياً الولايات المتحدة ومعها الاتحاد الأوروبي من مجلس الأمن في قرار جديد، ولكنّ الصين وروسيا غير متحمّستين لمثل هذا القرار وستعارضانه، كما أنّ العقوبات الماضية لم تمنع بيونغ يانغ إطلاقاً من تطوير برنامجها النووي.

لا بد من التوضيح هنا أنّ النظامَ الكوري يشعر أنه في خطر ولديه قناعة بأنّ السلاحَ النووي هو الضمانةُ الوحيدة لبقائه مهما كان الثمن ومهما بلغت تضحياتُ الشعب.

– هنالك اقتراح بقطع البترول عن كوريا الشمالية وهي دولة بأمسّ الحاجة لاستيراد هذه المادة الأساسية ولكن هنا أيضاً ستستطيع كوريا تجاوزَ ذلك عبر اعتمادها على جشع بعض المصدّرين والمهرّبين الذين يجدون دائماً طرقاً تمكنهم من إيصال البترول، ولو بصعوبة، الى الوجهة المطلوبة.

– تجديدُ التهديدات وزيادة وتيرتها هي أيضاً خيارٌ اتّبعته الولايات المتحدة عبر تغريدات متتالية من الرئيس دونالد ترامب أو في تصريحات واضحة وقوية من قبل وزير الدفاع الذي قال إنّ الولايات المتحدة، في حال تعرّضت أراضيها (بما فيها جزيرة غوام) أو حلفاؤها لأيّ تهديد كوري، فإنّ ردَّها العسكري سيكون شاملاً وساحقاً. هنا أيضاً لا يبدو أنّ كوريا جاهزةٌ لتفكيك برنامجها النووي الذي تمكّنت من تطويره في ظروف شديدة القساوة رغم التهديدات الأميركية السابقة.

– هنالك أيضاً خيارُ حرب استباقية تشنّها الولايات المتحدة على الأماكن التي يتواجد فيها السلاح النووي الكوري، أو حربٌ تقليدية مفاجئة يشنّها أحدُ الفريقين على الآخر وهذا الخيار قد يبدو محتملَ الوقوع، إلّا أنّ كلفته بالأرواح والدمار ستكون مرتفعة جداً لدرجة أنه حتى مع الإحتمال القوي بأن تربح الولايات المتحدة الحرب، إلّا أنّ خسائرَها من جنودها وجنود حلفائها والدمار الذي سيصيب سيول، عاصمة كوريا الجنوبية بسبب وقوعها في مرمى المدافع الشمالية قد تجعلها تتجنّب هذا الخيار، هذا بالإضافة الى ما سيصيب كوريا الشمالية من دمار وخسائر بشرية ضخمة للغاية.

إنّ كوريا الشمالية، على ما يبدو، قد أصبحت الدولة التاسعة في العالم التي تملك سلاحاً نووياً الى جانب كل من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وروسيا والصين وإسرائيل والهند وباكستان، وكلّ المؤشرات تدل أنّ هذه الدولة التي تحدَّت المجتمع الدولي وتجاوزت كل العقبات التقنية والفنية والعقوبات الاقتصادية والمالية وهي معزولة عن العالم لتنتج سلاحاً نووياً تعتقد أنه الوسيلة الوحيدة لحماية نظامها وشعبها، إنّ دولةً كهذه لن تتخلّى عن هذا الإنجاز تحت أيّ ظرف من الظروف.

لذلك فلا التهديدات المتجدّدة بحرب تشنّها الولايات المتحدة ولا العقوبات الإضافية التي قد يفرضها مجلس الأمن ستحلّ المشكلة. وفي الواقع، كوريا الشمالية ليست لها أيُّ مصلحة في إرسال صواريخ باليستية حاملة رؤوساً نووية في اتجاه الاراضي الأميركية لأنّ ذلك سيؤدّي حتماً الى تدميرها من قبل السلاح النووي والسلاح التقليدي الأميركي.

إنّ ما تريده بيونغ يانغ عبر تصميمها على امتلاك السلاح النووي والتصعيد الكلامي الذي تقوم به هو اعترافٌ دولي وخصوصاً أميركي بأنّها دولة قوية قادرة تريد مكاناً محترَماً لها في المجتمع الدولي وتسعى الى رفع العقوبات المفروضة عليها.

لذلك فإنّ المخرج الوحيد للأزمة الحالية يكمن في حلّ سياسي يتضمّن قبول المجتمع الدولي بكوريا الشمالية كعضوٍ جديد في نادي الدول النووية على غرار ما حصل بالتوالي مع إسرائيل والهند وباكستان، ولكن ضمن شروط أهمّها أن تعيد بيونغ يانغ إنضمامَها الى اتفاقية عدم انتشار الأسلحة النووية وأن تقبل بأن تقوم الوكالة الدولية للطاقة الذرّية بمراقبة منشآتها النووية بصورة دورية ومن دون أيّ عوائق، وأن يتمّ التأكّد عبر مراقبين دوليّين أنّ كوريا الشمالية لن تشارك إطلاقاً خبرتها النووية المكتسَبة حديثاً مع منظمات إرهابية أو مع دول أخرى، لقاء رفع العقوبات والعزلة عنها بصورة مرحَلية على أن يلي ذلك تطبيعٌ تدريجي لعلاقاتها مع الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية وسائر الدول.

ويبدو أنّ وزير الخارجية الأميركي ركس تيلرسون على تواصل هادئ وبعيد من الأضواء مع الصين التي لها تأثير ملموس على بيونغ يانغ سعياً للوصول الى حلّ سياسي لهذه الأزمة الحادة، إذ إنّ الحلول السلمية، إذا كانت مقبولة من الأفرقاء المعنيّين، هي دائماً افضل من المغامرات العسكرية، خصوصاً عندما يكون السلاح النووي الفتاك في أيدي قادة لا يعبؤون كثيراً بمصير شعوبهم ولا يهمّهم سوى مصالحهم الآنية.