Site icon IMLebanon

كيف ستتعامل الحكومة مع تمويل “السلسلة”؟

كتب البروفسور جاسم عجاقة في صحيفة “الجمهورية”:

لم تستطع الحكومة اللبنانية على مدى أربع جلسات من الخروج بحلّ لتمويل سلسلة الرتب والرواتب مع العلم أننا في أخر شهر أيلول. والسؤال الأساسي المطروح هو عن الحلّ المُمكن للتمويل مع إتجاه الحكومة إلى دفع الأجور على أساس السلسلة الجديدة؟الاشتباكات السياسية التي خلّفها قرار المجلس الدستوري عطّلت على مدى الأسبوع الماضي كل الحلول لإيجاد مخرج يسمح بتدعيم إيرادات الدولة لكي تمتلك الملاءة اللازمة لدفع السلسلة من دون تعريض المالية العامة لتداعيات سلبية قد تؤثر على المالية العامّة على المدى القصير.

حساب رقم 36

الوعود التي أعطتها الحكومة بدفع السلسلة على أساس القانون 462017 مبني بالدرجة الأولى على وجود 4000 مليار ليرة لبنانية في الحساب رقم 36 التابع للدولة في مصرف لبنان. هذا الحساب يكفي لدفع الأجر الشهري للقطاع العام البالغ 607 مليار ليرة لبنانية إضافة إلى 150 مليار ليرة عبارة عن الزيادة في الأجور الناتجة عن القانون 462017، أي ما مجموعه 757 مليار ليرة لبنانية (505 مليون دولار أميركي).

والمُشكلة المطروحة أن هذا الحساب لا يكفي لتمويل كل نفقات الدوّلة البالغة 1500 مليار ليرة لبنانية (أجور 757 مليار ليرة لبنانية، دين عام 400 مليار ل.ل، مؤسسة كهرباء لبنان 155 مليار ل.ل إضافة إلى 380 مليار ل.ل نفقات أخرى) لأكثر من شهرين! وبالتالي، فهي مُضطرّة إلى الإستدانة في غياب ضرائب تموّل خزينة الدوّلة اللبنانية.

الإستدانة في الوضع الإقتصادي والمالي الحالي، سيُعرّض الدوّلة اللبنانية إلى تخفيض في تصنيفها الإئتماني كما أنذرت به المُنظّمات الدوّلية وعلى رأسها صندوق النقد الدولي. وفي حال تمّ خفض التصنيف الإئتماني، فالمُشكلة ستنتقلّ لتُصبح على مُستوى أسعار الفوائد وبالتالي إرتفاع خدّمة الدين العام!

الحلول التي طُرحتّ هي الإستدانة من مصرف لبنان على أساس أن المبالغ المطلوبة هي بالعملة الوطنية. إلا أن هذا الأخير ليس مُستعدًا لتمويل السلسلة من دون أن يكون هناك إيرادات للدوّلة التي لا يُمكن أن تأتي إلا من الضرائب. هذا الأمر هو تصرّف سليم من قبل مصرف لبنان الذي يرفض أن يطبع العملة لتمويل السلسلة.

سلّة ضريبية أكبر

هذا الواقع يعني أن الحكومة عادت إلى نقطة الصفر حيث أن الإستمرارية المالية مرهونة بوضع سلّة ضريبية تسمح بتمويل إنفاق الدوّلة اللبنانية.

العبارة الأخيرة هي عبارة غامضة لأنها تحتوي على تفسيرين:

الأول: فرض سلّة ضريبية تحوي السلّة المنصوص عليها في القانون 45 مع تعديلات على بندي الإزدواج الضريبي والغرامات على الأملاك البحرية كفيلة بتغطية كلفة السلسلة (بالطبع دون ذكر أنها ستُستخدمّ لتمويل السلسلة).

الثاني: فرض سلّة ضريبية تحتوي على ضرائب لتغطية قسم كبير من عجز الدوّلة البالغ حتى الساعة 6 مليار دولار أميركي (من دون خطّة الكهرباء)!

هروب من الإصلاحات

التفسير الأولّ الذي قدّمناه هو أقرب إلى الواقع لأنه أصبح مقبولًا في ذهن المواطن اللبناني الذي يتوقّع سلّة ضريبية بقيمة 1.2 مليار دولار أميركي. في حين أن التفسير الثاني صعب التطبيق من دون إصلاحات جذرية في الإدارة والإقتصاد والمالية العامّة خصوصًا أننا على أبواب إنتخابات نيابية.

من هذا المُنطلق نرى أن الحلّ الذي ستختاره الحكومة هو إعادة السلّة نفسها الموجودة في القانون 45 مع تعديلات على البندين المُخالفين للدستور، وهذا يعني أن الحكومة تتهرّب من القيام بإصلاحات أصبحت أكثر من ضرورية.

إصلاحات تسمح بالتمويل

هناك الكثير من الهدر في المالية العامّة وهذا الأمر يعود بالدرجة الأولى إلى طبيعة النسيج اللبناني الذي فرض غياب المُحاسبة الدستورية من خلال أجهزة الرقابة شبه المُعطّلة.

المٌشكّلة الأساسية في هدر بالمال العام تبقى في التوظيف الذي يعمد إليه بعض المسؤولين في وزاراتهم ومؤسساتهم من دون الرجوع إلى مجلس الخدمة المدنية. هذا التوظيف هو السبب الأول الذي أوصل كتلة الأجور إلى ما هي عليه اليوم (6 مليار دولار أميركي سنويًا أي ما يوازي 40.13% من إجمالي الإنفاق!).

وللأسف هذا التوظيف مُستمرّ على الرغم من إقرار القانون 46 والذي يمنع التوظيف لمدّة سنتين.

المُشكلة الثانية تكمن في شركة كهرباء لبنان التي تستهلك 155 مليار ليرة شهريًا (1854 مليار ليرة سنويًا) من دون خدمّة ترتقي إلى المطلوب. وبإعتقادنا فإن قانون الشراكة بين القطاع العام والخاص والذي لم تصدر مراسيمه التطبيقية بعد، يجب أن يكون الحلّ الوحيد لحلّ مُشكلة الكهرباء مع تخلّي الدولة عن دورها الإنتاجي والإداري في هذا القطاع وحصره بدور رقابي تشريعي.

المُشكلة الثالثة تكمنّ في مكامن هدر على مثال ما ورد في تقرير وزير المال علي حسن خليل الذي أرفقه بمشروع قطع حساب العام 2015 في جلسة الحكومة الأسبوع الماضي والذي كشف من خلاله عدم وجود قيود في وزارة المالية لـ 92 في المئة من الهبات التي وصلت إلى الدولة اللبنانية في الفترة المُمتدّة من العام 1993 حتى العام 2010 ووجود أكثر 80 حساباً مصرفياً غير قانونية لوزارات ومؤسسات عامة، وتسديد مبالغ شهرية لقرض غير معروف الوجهة أو الهدف. هذا الأمر يفرض على الحكومة التدقيق في هذه الأمور ومعرفة إذا ما كانت مثل هذه المُمارسات مُستمرة ووقفها في هذه الحال.

أيضًا، لا يُمكن تناسي الدعمّ الذي تُقدّمه الدولة للجمعيات والمهرجانات واللتين تستهلكان الكثير من أموال الدوّلة من دون أن يكون هناك إثبات فعّلي لفعّالية هذه الجمعيات أو المهرجانات.

أيضًا يُمكن ذكر التجهيزات في الوزارات والمؤسسات العامّة كما وتعويضات السفر واللجان التي تحوي أرقامًا خيالية في بعض المؤسسات (1500 دولار أميركي عن كلّ يوم سفر!).

الإصلاحات لا تُلغي الضرائب

هذه الإصلاحات على الرغمّ من ضرورة تنفيذها لا تعفي من ضرائب لا على المدى القصير وعلى المدى البعيد لأن الضرائب هي مدّخول الدولة الوحيد ولبنان يرزح تحت دين عام يفوق الـ 77 مليار دولار أميركي. وبالتالي، فإن الضرائب هي حقّ على المواطن بشرطين: الأول تحقيق إصلاحات بنيوية في هيكلية وإدارة القطاع العام، وإظهار خطّة تسمحّ بلجم الدين العام.

أمّا لمن يُعوّل على مدخول النفط والغاز لسدّ الدين العام، نشير الى انه لا يُمكن إستخدام مدخول النفط والغاز في سدّ الدين العام لأن في ذلك جريمة في حق الأجيال المُستقبلية والحالية، ولأنه الى حين البدء بإستخراج هذه الثروة يكون على لبنان السلام.