Site icon IMLebanon

السير عكس مفهوم الدولة! ( بقلم رولا حداد)

يبدو ساذجاً كل من يفكر في إمكانية قيام دولة فعلية في لبنان في المدى المنظور، لا بل حتى في المدى الأبعد من المنظور أيضاً. والمشكلة لا تكمن لا في السلاح غير الشرعي، ولا ضعف أجهزة الدولة ومؤسساتها، ولا كل الأسباب التي يمكن أن نسمعها ونرددها منذ سنوات وعقود، رغم أنها تشكل عقبات فعلية أمام قيام الدولة.

المشكلة الأساسية والجوهرية التي تمنع قيام الدولة الفعلية في لبنان تكمن في غياب الانتماء الوطني لدى الأكثرية الساحقة من اللبنانيين الذين تحوّلت إنتماءاتهم إلى طوائفهم ومذاهبهم وأحزابهم وزعاماتهم وليس إلى وطنهم.

ينتمي الشيعة في لبنان بأكثريتهم الساحقة إلى أحد طرفي الثنائي الشيعي، سواء عبر العقيدة الدينية أو بسبب المصلحة، والأولوية لدى هذه الأكثرية الساحقة هي للدفاع عن هذا الثنائي وليس عن لبنان.

في الساحة السنية التي عانت كثيراً بعد استشهاد الرئيس رفيق الحريري، يبحث السنّة عن انتماء داخلي إلى الرئيس سعد الحريري وتيار المستقبل، أو إلى بعض الزعامات المحدودة، لكنهم في الغالب أيضاً يبحثون عن انتماء إلى الخارج يتوزع هذه الأيام بين المملكة العربية السعودية وتركيا.

في الساحة الدرزية الانتماء بالدرجة الأولى هو إلى زعامة المختارة الممثلة اليوم بزعيم المختارة وليد جنبلاط ومن بعده نجله النائب تيمور جنبلاط.

مسيحياً لا يختلف الوضع كثيراً إنما تتوزع الانتماءات ما بين الرئيس العماد ميشال عون كزعيم فعلي مستمر لـ”التيار الوطني الحر” ورئيس “التيار” الوزير جبران باسيل، والدكتور سمير جعجع و”القوات اللبنانية” والنائب سامي الجميل و”الكتائب اللبنانية” وغيرهم من الأحزاب والزعامات…

لدى الجميع الانتماء إلى لبنان يأتي في مراتب لاحقة. الأولوية هي للزعيم والحزب وليست للوطن. والمفارقة أن لا مفهوم موحداً للبنان بين اللبنانيين، وكل فريق يريد لبنان الذي يناسب مصالحه عوض أن يعمل ما يناسب مصلحة وطنه، أو ربما قد يفعل ما يفيد وطنه إنما بعد أن يكون انتهى من تأمين مصالحه الخاصة وليس قبل ذلك!

إنطلاقاً من هذا الواقع يمكن فهم كل ما يجري من تبعيات للخارج الذي يعمل على استتباع الأطراف اللبنانية عبر تأمين بعض المنافع الخاصة لا العامة، ويمكن فهم مثلاً كيف يتم تعطيل المؤسسات الدستورية في لبنان، سواء رئاسة الجمهورية أو الحكومة أو حتى تعطيل الانتخابات النيابية، وكل ذلك لتأمين مصالح خاصة ليس أكثر. وهكذا أيضاً يمكن فهم أسباب الفساد ومكامنه وكيف تصبح المحاسبة ممنوعة، بفعل الحمايات الطائفية والزعاماتية والسياسية، لأن المصالح الفئوية تبقى أهم وأعلى من مصلحة الوطن.

أما قمة الديماغوجية فتتمثل في كيف أن الأكثرية تنظّر في نبذ الطائفية في لبنان، وهي تمارس النقيض تماماً. ينبذ كل طرف الطائفية التي يمارسها الآخرون ولكنّه يقدّس طائفيته، والأمثلة على ذلك أكثر من أن تُحصى ونكتفي بمثال: الثنائي الشيعي كان ينادي دوماً بإلغاء الطائفية السياسية، وهو في الوقت نفسه من ابتدع منطق “الميثاقية التوافقية” واعتبار أن استقالة الوزراء الشيعة من الحكومة تعني فقدان الحكومة ميثاقيتها، مع أن هذا المفهوم غير قائم دستورياً! وهذه الممارسات باتت الخبز اليومي لكل الأطراف وكل الطوائف في حين يتهاوى الوطن.

كل ما تقدّم لا يعني على الإطلاق إلغاء طبيعة لبنان وهويته التعددية، إنما ثقوا أن لا قيامة للبنان وللدولة الفعلية فيه طالما أن الطوائف باقية أكبر من الوطن، وطالما أن الانتماء هو للطائفة وليس للوطن، لأن هذا يعني استمرارنا بالسير بعكس مفهوم الدولة والدستور والقوانين التي يجب أن تبقى فوق الجميع!