Site icon IMLebanon

هل بدأت نهاية وظيفة لبنان “الرهينة”؟

كتب علي الأمين في صحيفة “العرب” اللندنية:

لم يجد الأمين العام لحزب الله وسيلة للتضامن مع إيران ولنصرتها في مواجهة العقوبات الأميركية سوى الدخول على خط عملية تعطيل تشكيل الحكومة اللبنانية، ذلك أنه كما بات معروفا فقد رفع لواء تمثيل نواب سنّة 8 آذار، وهم النواب الذين كان لحزب الله دور محوري في دخولهم إلى المجلس النيابي، وهم ينتمون إلى كتل نيابية جرى تمثيلها في الحكومة، لكنهم عادوا وطالبوا بتمثيل خاص رغم انتماء معظمهم إلى كتل نيابية متنوعة، وهم يرفضون الانضواء في كتلة نيابية واحدة.

طرح هذه القضية وتحويلها إلى معضلة وعقبة أمام تشكيل الحكومة، يعكسان في جانب منهما النموذج الذي يعتمده حزب الله حين يريد التعطيل في الحياة السياسية اللبنانية، ووقف عمل المؤسسات الدستورية، ومدى قدرته على ترهيب القوى السياسية، وتحويل انتهاكاته وشروطه غير الواقعية، إلى وسيلة اختبار وسطوة على الدستور والقانون وعلى الحياة العامة.

ربما لا يزال يذكر الكثيرون عندما أعلن قائد فيلق القدس قاسم سليماني أن حزب الله وحلفاءه فازوا بأكثرية مقاعد مجلس النواب، وأن هؤلاء فازوا بـ74 مقعدا من أصل 128 وهذا رقم صحيح إلى حد بعيد، وقد جرت ترجمته في الحكومة بـ18 مقعدا وزاريا من أصل 30 في الصيغة النهائية للحكومة قبل أن يسحب حزب الله من كمّه ما سمي بالعقدة السنية، أي أن الحزب كان أمام حكومة هو من رسم معالمها وهو من يمتلك قرار الأكثرية فيها، بل كان قادرا على التأثير والتحكم بجزء من بقية الوزراء الـ12 فيما لو احتاج إلى تأييدهم في أمر حيوي له، والتجارب الماضية تؤكد ذلك لا سيما كتلة اللقاء الديمقراطي التي وقفت إلى جانب حزب الله مرغمة حين قرّر إقالة رئيس الحكومة سعد الحريري قبل 7 سنوات وألف في حينه حكومة جديدة برئاسة نجيب ميقاتي.

خلاصة القول إن حزب الله عطل تشكيل حكومة هو يملك أكثريتها، ولا يمكن إدراج كلام حسن نصرالله في خطابه الأخير، السبت، عن التواضع وعن ندمه على أسلوب التواضع مع الآخرين الذي اعتمده في تشكيل الحكومة، إلا في إطار محاولة ذر الرماد في العيون. كيف نفسّر هذا التواضع طالما أنه وحلفاءه يسيطرون على 18 مقعدا وزارياً، لا بل هو من فرض وزراء ومنع وصول آخرين، من دون أن يجرؤ أحد على مخالفته أو الاعتراض على توجيهاته، وكان تبنيه توزير أحد النواب السنة المؤيدين له، القشة التي قصمت ظهر البعير، والتي أظهرت بما لا يدع مجالاً للشك أن حزب الله ليس مهتما بتشكيل حكومة جديدة، لا سيما أن هذه الحكومة هي من ينتظر المجتمع الدولي والمشاركين في مؤتمر سيدر لدعم لبنان، أن تباشر إجراء إصلاحات مالية واقتصادية، من أجل بدء عملية إنقاذ لبنان من الهاوية المالية والاقتصادية التي سقط فيها ولا يزال دون توقف.

من المفترض أن يعقد رئيس الحكومة المكلف مؤتمراً صحفيا، اليوم الثلاثاء، للإجابة على واقع الأزمة التي تعيشها عملية تأليف الحكومة، وعلى الشروط التي وضعها حزب الله ويحدد موقفه من كل ذلك، في حين تظهر مؤشرات أنه من غير الوارد الاستجابة لمطلب توزير سنة حزب الله، كما كان أعلن في وقت سابق، معتبراً أن خيار الاعتذار عن التكليف هو أفضل لديه من توزير أحدهم.

ولا يخفى على المراقبين أن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي وقف مع الرئيس المكلف في رفضه لهذا التوزير، عاد وابتعد مسافة عن موقفه، فيما قال صهره الوزير جبران باسيل، إن هذه القضية تعني الفريقين السني والشيعي وهي إشارة تعكس عدم الرغبة في الظهور بموقف مناقض لحزب الله من جهة، ومحاولة للعب دور توفيقي من جهة ثانية.

كل المؤشرات تدل على أن حزب الله رغم امتلاكه الأكثرية في الحكومة ليس مطمئناً لتشكيلها، ولا مرتاحا لعدم تشكيلها، خصوصا أن حليفه رئيس الجمهورية كان ولا يزال يعوّل على هذه الحكومة من أجل البدء بتنفيذ ما يعتقده ضروريا ليستقيم دوره كرئيس، كما يدرك حزب الله أن تشكيل الحكومة يمكن أن يؤجل انهيارا ماليا واقتصاديا لن يكون هو وجمهوره بمنأى عن تداعياته.

لعل الارتباك هو جانب لا يمكن إهماله في موقف حزب الله بعدم تسيير تأليف الحكومة إذا لم نقل تعطيلها. وفي هذا السياق يدرك حزب الله أكثر من أي جهة لبنانية أخرى مدى جدية أو عدم جدية العقوبات الأميركية تجاه إيران وتجاهه هو، ولكن ما يكشفه سلوك الحزب ومواقفه في الآونة الأخيرة أنه متحسب لهذه العقوبات، إلى الحدّ الذي لا يبالي بأن يكون في حكومة هو صاحب القرار فيها، بل يسعى إلى تقويضها ومنع قيامها، رغم إدراكه أنه ليس قادراً على تحمل مسؤولية تشكيل حكومة قادر على تأليفها ولكنه عاجز عن تحمل مسؤولياتها وتبعات توجيهها. فالتحديات التي تواجه حزب الله في لبنان اليوم، لم تعد نابعة من قوى سياسية لبنانية باتت أكثر طواعية له، بل من اعتبارات دولية وعربية باتت ترى أن لبنان صار قاعدة للنفوذ الإيراني، وبالتالي ليس هناك ضرورة لدفع كلفة صمود الدولة فيه، وهذه الرسالة وصل مضمونها إلى رئيسي الجمهورية والحكومة من جهات أميركية وأوروبية فضلا عن حكومات عربية، وخلاصتها أن اللبنانيين لم يعد لديهم ما يكفي من ترف الانتظار، وعلى السلطات الدستورية أن تقرر هل لبنان قرر أن يكون محمية إيرانية، أم يريد أن يكون دولة مستقلة عن النفوذ الإيراني؟

وبناء على الإجابة سيقرر المجتمع الدولي لا سيما الاتحاد الأوروبي والإدارة الأميركية كيف سيتعاملان مع لبنان في المرحلة المقبلة، ولعل الرسالة الأوروبية الأشد التي وصلت إلى المسؤولين اللبنانيين، أن عملية ابتزاز الاتحاد الأوروبي بقضية بقاء اللاجئين السوريين في لبنان مقابل المحافظة على الوضع القائم انتهت، خاصة بعدما كشفت الأجهزة الأوروبية اعتماد لبنان كمنطلق لنشاطات أمنية إيرانية معادية في دول أوروبية عدة.

السيناريو الأسوأ هو ما يمكن أن يشهده لبنان من عمليات سحب ودائع مصرفية من بنوكه ونقلها إلى بنوك خارج لبنان، وهذه لا تحتاج إلى أكثر من إشارات أميركية أو عربية، هي كفيلة بأن تحدث أزمة مالية في لبنان وانهيارا اقتصاديا لا يزال يلجمه موقف دولي لا يريد للبنان أن ينهار، لكن إذا باتت كلفة استقرار لبنان أعلى من انهياره في الحسابات الدولية، فحينها سيكون لبنان أمام مسلسل من الانهيارات لن تقف عند حدود الاقتصاد أو النقد، بل ستتجاوزها إلى ما هو أمني وعسكري.

تعطيل الحكومة هو تعبير سياسي عن تمنّع حزب الله ومن خلفه إيران، عن الدخول في خطة إنقاذ دولة لبنان، هذه الخطة التي يتبناها المجتمع الدولي ليس لدى حزب الله ولا إيران بديل منها وهي الحل الوحيد على الطاولة، من هنا فإن أمين عام حزب الله في خطابه الأخير وفي محاولة للهروب من هذا التحدي، رمى في وجه اللبنانيين معادلة مقابلة؛ إما أن تدافعوا عن هذا الواقع السيء الذي تعيشونه أو فلنغير النظام، وهي رسالة مفادها تشريع نفوذ حزب الله وسطوته وترجمته في نصوص دستورية جديدة، وهو اقتراح يعكس أيضا الإرباك الذي يعيشه حزب الله اليوم، وعجزه عن تبني أي من الخيارات القاتلة بالنسبة لطبيعة وجوده الأمني والعسكري ولدوره الإقليمي، سواء كان خياره التجاوب مع متطلبات المنظومة الدولية أو مواجهتها، وفي الحالتين فإن الخيار قاتل، أما المواجهة فستكون وبالا عليه وعلى كل اللبنانيين الذين نجح في تحويلهم إلى متراس أو رهينة لديه.