Site icon IMLebanon

مياه الجنوب غير صالحة للريّ والاستعمال!

كتبت آمال خليل في صحيفة “الأخبار”:

لم يعد التلوث الكارثي محصوراً بالحوض الأعلى لنهر الليطاني من منبعه من نبع العليق في بعلبك إلى بحيرة القرعون. انسحبت الكارثة على الحوض الأدنى في الجنوب، بعدما بيّنت التحاليل المخبرية تلوثاً شديداً في قناتي القاسمية ورأس العين اللتين تستخدم مياههما في الري وفي الضخ إلى المشتركين

كشفت التحاليل الجرثومية لمياه الري في أقنية القاسمية ورأس العين التابعة لشبكة مياه الليطاني عن نسب خطيرة من البكتيريا البرازية أو القولونيات، تفوق المعدلات المسموح بها بآلاف المرات. وينسحب هذا التلوث على المياه التي تستخدم للاستعمال المنزلي في منطقة صور وتروي السهول الساحلية في الجنوب.

«الأخبار» حصلت على تقرير لتحاليل جرثومية أجرتها المصلحة الوطنية لنهر الليطاني على مياه قناتي القاسمية ورأس العين. وقد أظهرت أن عدد القولونيات بلغت 13300 مستعمرة في المئة ملليتر عند أول القناة في القاسمية، و11000 مستعمرة في المئة ملليتر في القناة عند ساحة الشبريحا على بعد حوالي كيلومترين. واللافت أن عدد القولونيات المتحملة للحرارة في كمية المياه نفسها بلغت 2625 مستعمرة في المئة ملليتر عند أول القناة و15000 مستعمرة في المئة ملليتر عند ساحة الشبريحا. كما بيّنت التحاليل المخبرية تلوث برك رأس العين مباشرة أو تلوث النبع الذي يغذيها. إذ بلغ عدد القولونيات الإجمالية 250000 مستعمرة في الـ 100 ملليتر في برك رأس العين و13000 مستعمرة في قناة رأس العين عند منطقة القْلَيلة. أما القولونيات المتحملة للحرارة فبلغ عددها 197.5 مستعمرة في البرك و6875 مستعمرة في القناة عند القليلة.

وخلص تقييم المصلحة إلى أن «مياه البرك والقناة غير صالحة للاستعمال أو الري بحسب كافة المعايير العالمية» التي تسمح بوجود أقل من 1000 مستعمرة من القولونيات وأقل من 100 مستعمرة من القولونيات المتحملة للحرارة في الـ100 ملليتر!

ومعلوم أن مصلحة الليطاني تستثمر مشروع ري القاسمية ــــ رأس العين الذي يؤمن مياه الري لحوالي 3000 هكتار من المساحات الزراعية ولأكثر من 1287 مشتركاً في 32 قرية، من نهر الليطاني والينابيع الواقعة في حوضه الأدنى عبر قناة جرّ يبلغ طولها حوالي 55 كيلومتراً، تمتد شمالاً من منطقة الزرارية ــــ السد حتى الزهراني ــــ صيدا، وجنوباً من منطقة القاسمية ــــ محطة الضخ حتى المنصوري. فيما تستثمر مؤسسة مياه لبنان الجنوبي البركة الأكبر فيها لضخ مياهها نحو شبكات المياه التي تصل إلى المنازل في مدينة صور وبلداتها بعد إخضاعها للمعالجة.

بحسب تقرير المصلحة، فإن عدد القولونيات يدل على تلوث متعدد المصادر من التربة والرواسب إلى الجريان السطحي الزراعي والنفايات الحيوانية أو البشرية. لكن نسب القولونيات المتحملة للحرارة تؤكد تلوث أقنية الري والبرك بالمياه العادمة الناجمة عن الصرف الصحي.

وتهدّد نسب التلوث هذه مصير مشروع ري القاسمية ــــ رأس العين التابع للمصلحة الوطنية لنهر الليطاني ومشاريع ضخ مياه المنازل التابع لمؤسسة مياه لبنان الجنوبي. تماماً كما أدّت نسب التلوث العالية في الحوض الأعلى للنهر إلى تعليق العمل بمشروع الري في القناة 900 الذي يجر مياه الري من بحيرة القرعون إلى بلدات البقاع الغربي صعوداً نحو البقاع الأوسط.

ويعدّ توجيه الصرف الصحي نحو قنوات الري أحد مظاهر التعدي التي أدت إلى تلويثها، لكنها ليست الوحيدة. المصلحة أجرت مسحاً على أشكال التعديات ومظاهر التلوث وقدمت إخباراً بحق الفاعلين إلى النيابة العامة المالية. بدورها، أجرت النيابة مسحاً أظهر قيام بلديات وأشخاص في قضاء صور بإنشاء مطامر ومكبات نفايات صلبة تتضمن مواد عضوية (تنتج منها عصارة سامة) وردميات، في محيط وضمن استملاك أقنية الري التابعة للمصلحة وضمن حرم الأقنية. في حين أن المعايير الدولية تستوجب أن تبتعد المطامر 300 متر عن أقنية الري إذا كانت القناة من الباطون. وفي قضاء صيدا ــــ الزهراني، أظهر المسح تعديات بإقامة منشآت ثابتة في حرم القناة وإنشاءات وحقوق مرور غير مشروعة من على جسم القناة، لا سيما في منطقة جيمجمي ــــ الخرايب، وفي بلدتي الصرفند والبيسارية حيث أقيمت إنشاءات ثابتة ومحال تجارية وصناعية في استملاك القناة تصرّف المياه المبتذلة فيها. وطالبت المصلحة النيابة العامة المالية بالادعاء على الفاعلين من أشخاص وبلديات وإلزامهم برفع التعدي وإزالة كافة الإنشاءات الواقعة ضمن استملاك المصلحة والمكبات ومنع كافة المطامر والمكبات الواقعة ضمن نطاق استملاك المصلحة على طول قناة ري القاسمية ــــ رأس العين.

رئيس المصلحة سامي علوية قال لـ«الأخبار» إن النيابة العامة «تحركت ضد الفاعلين وبدأت باستدعائهم. لكن الإجراءات الميدانية الكفيلة برفع التعديات وحماية الأقنية من الصرف الصحي، لا تزال بطيئة».

القرعون: انخفاض المياه وارتفاع التلوث

أصدرت المصلحة الوطنية لنهر الليطاني جدولاً بنسب المياه الوافدة إلى بحيرة القرعون منذ سنة 1962 حتى سنة 2018. وتظهر المقارنة بين الأرقام، أن العام الجاري هو الأسوأ بسبب انخفاض النسبة إلى ما دون معدلاتها. نسبة هذا العام سجلت 76 مليون متر مكعب. النسبة الأقل منها سجلت في السنة المائية 2000 ــــ 2001 حيث بلغت 61 مليوناً و50 ألف متر مكعب. في حين كانت النسبة الأعلى في السنة المائية 1968 ــــ 1969 حين بلغت نسبة المتساقطات ملياراً و12 مليوناً و999 ألف متر مكعب. كمية المتساقطات تتأثر باختلاف درجات الحرارة من سنة إلى أخرى، ما يؤثر في معدل كميات التبخّر. لكن طريقة إدارة المياه في الحوض الأعلى لنهر الليطاني من خلال الاستعمال العشوائي وغير الممنهج للمياه الجوفية (آبار خاصة وعامة)، تتسبب بانخفاض ملحوظ في منسوب المياه الجوفية في بعض المناطق وبالتالي انخفاض كميات المياه المتدفقة من الينابيع وصولاً إلى جفافها قبل أوانها. فضلاً عن أن كميات المياه المتدفقة من بعض الينابيع يتم تحويلها من المنبع إلى مؤسسات المياه للاستفادة منها لأغراض الرَي والشفة قبل وصولها إلى مجاري المياه. كما يسجل ضخّ كميات المياه من مجرى النهر، حيث يقوم المزارعون بوضع سواتر ترابية في مجرى النهر بهدف حجز المياه واستعمالها لري مزروعاتهم. انخفاض كمية المتساقطات في البحيرة، يضاف إلى استمرار ضخ مصادر الصرف الصحي والمياه العادمة، يؤدي إلى تقليل فرص معالجة مياهها من البكتيريا والسموم.

الاستجواب مستمر… والتلوث أيضاً

عقد القاضي المنفرد الجزائي في زحلة القاضي محمد شرف، أمس، جلسات استجواب الدفعة الثانية من المؤسسات الصناعية المُدعى عليها من النيابة العامة الاستئنافية في البقاع والمصلحة الوطنية لنهر الليطاني، بجرم تلويث مياه النهر. وفيما استمهل عدد من المدعى عليهم للاطلاع على الملف، تقدّم وكيل المصلحة بطلب اقفال للمؤسسات الملوثة لأنها «مستمرة بارتكاب هذه الأفعال بشكل مستمر ومتماد اثناء محاكمتها، مما يوجب اتخاذ اجراء فوري لوقف استمرار الأفعال الجرمية اثناء فترة المحاكمة»، ولأن «اتخاذ القرار بوقف اعمال التلوث فوراً ومن دون اي مهلة هو الوسيلة الوحيدة لوقف استمرار هذه الجريمة (…) الى حين صدور الحكم، وذلك لمنع تفاقم الضرر الناتج عن نفاياتها وصرفها».

الجلسات ارجئت الى 18 و20 كانون الاول المقبل. ولفتت المصلحة الى ان عدداً من المدعى عليهم ادلوا انهم قد اتخذوا اجراءات الالتزام البيئي، وتم تعيين خبير بالكشف للتأكد من التزامهم، وتكليف المصلحة بالكشف في بعض الملفات للتأكد من الالتزام البيئي.