Site icon IMLebanon

ماذا تستفيد إيران من خراب لبنان والجوار؟

كتب محمد الرميحي في صحيفة “الشرق الأوسط”:

إيران ليست في وضع مريح، أي مراقب محايد يستطيع أن يصل إلى تلك الحقيقة، ولكنْ ما مظاهر القلق والعصبية الإيرانية؟ ربما أولها حالة الإنكار التي ركبت كثيراً من سياسييها وعسكرها، حيث أقنعوا أنفسهم بأن كل ذلك الضغط الدولي لن يؤثر في الوضع الإيراني القائم، ذلك غير صحيح، بل خادع. والشواهد عديدة لمظاهر العصبية والقلق الإيراني، أهمهما مظهران؛ خارجي وداخلي، أما الخارجي فهو في الجوار، فقد كان من المؤكد أن إيران سوف ترد على «المقاطعة» وتصاعُد وتيرتها بالطريقة التي تعرفها جيداً، وهي الإيعاز لمحازبيها وتابعيها في المنطقة العربية بإظهار «الشوكة»، ظناً منها أنها تضايق أو تحرج أو حتى تعطّل الجوار العربي، أو تحقق انتصارات! أول شوكة ظهرت من خلال الخطاب العصبي الذي جاء على لسان حسن نصر الله في بيروت الأسبوع الماضي، واضح أنه خطاب هدفه الرئيسي «محاولة تطمين النفس» فقد كان استفزازياً ومُحمّلاً بالتهديد والوعيد، وشاملاً في التحدي لكل مكونات النسيج اللبناني، الحلفاء قبل الخصوم، وأرسل رعشةَ هشاشةٍ في مجتمع سياسي هو أصلاً هش، وكما نعرف فإن تكلفة الهشاشة هي حرب أهلية. فلم يسلِّم السياسيون من كل الأفرقاء بالغمز واللمز والتصريح والتجريح في ذلك الخطاب المسموم، وحتى لم يسلِّم رجال الدين بكل طوائفهم. المراد من ذلك الخطاب هو تحويل لبنان من دولة إلى «مستنقع» يحتكم في النهاية إلى السلاح، وبالتالي تعطيل خروج الحكومة العتيدة إلى النور، والقول: إنه لا حكومة في لبنان دون الخضوع لشروط إيران، أقصد «حزب الله»، فنحن (إيران وأذرعتها) أقوياء! حتى الحليف في بعبدا وهو رئيس الجمهورية تم تحديه من خلال مطلب غير دستوري، وغير ميثاقي بفرض توزير «سُنة حزب الله» الذين اتُّخذوا ذريعة من خلال استغلال شهوتهم المَرضية للحكم، كي توضع في العجلة، التي هي ركيكة، عصا أخرى! الأمر الذي يؤسس لأن يكون للحزب وزراؤه، وأيضاً له مناصروه من طوائف أخرى في نفس الحكومة، أي اختطاف لبنان بكامله بطريقة وصفها بعض اللبنانيين بأنها «بلطجة»! تلك الزوبعة هل تغيِّر من وضع القلق الإيراني وتشفّيه؟ لا، فهي فقط سوف تزيد من غطس الاقتصاد اللبناني في مياه الأزمة المالية التي بلغت ديونها ثلاثة مليارات دولار، وزيادة فقر اللبنانيين، وانكشاف عملتهم، والخضوع لدولة عصابات لا أكثر، وتأكيد المؤكد، وهي عمالة «حزب الله» غير المغطاة للنظام الإيراني. كل ذلك لن يقلل من القلق الإيراني، هو فقط سوف يشكّل «إرضاءً للنفس ظاهرياً ومؤقتاً». على صعيد آخر فإن قوى لها علاقة بإيران في العراق تضع العصا في طريق إكمال تشكيل وزارة عادل عبد المهدي، بل ربما الإطاحة بها، وهو أمر سوف يأتي بالضرر على الشعب العراقي، ولكنه لن يؤثر في مجمل الضغط الدولي على إيران، وفي اليمن واضح أن الأوامر وُجهت إلى الحوثي، أو من بقي من قياداته، بتصعيد كلٍّ من المعارك الساخنة، وأيضاً الإعلامية، وهي عمليات تتكشف للشعب اليمني الذي يقفز بعض المتعاونين السابقين مع الحوثيين من سفينته الإيرانية!

الوضع الداخلي الإيراني يشي بخلل جسيم، فإن أربعين عاماً من الحكم شبه الفاشيّ خلّفت قافلة من السلبيات، فعدد السجناء السياسيين وفقاً لبعض الإحصائيات في أواخر عهد الشاه محمد بهلوي بين ستة وعشرة آلاف سجين (طبعاً ذلك غير مبرَّر)، ولكن ما حدث أن عدد السجناء السياسيين في إيران بلغ نصف مليون من البشر في ثمانينات القرن الماضي. وخلال انتفاضة يناير (كانون الثاني) الماضي قُبض على ثمانية آلاف مواطن. وأُعدم 120 ألف سجين سياسي خلال ثمانينات القرن الماضي (أُعدم 30 ألفاً منهم عام 1988) فقط، كما هو موثّق دولياً. كان سعر الريال الإيراني عام 1979، 70 ريالاً للدولار، واليوم هو 150 ألف ريال، أي فقد الريال الإيراني في 40 عاماً 2242 مرة من ثمنه! كان معدل البطالة في عام 1979، 3%، حسب الإحصاءات الرسمية، لكنه اليوم (قبل المقاطعة) وصل إلى 13%، ولكن بعض الإحصاءات الأخرى توصِّل رقم العاطلين عن العمل في إيران إلى 10 ملايين يد عاملة! كما يتم منع الجمهور الإيراني حتى من استخدام التقنية الحديثة، خصوصاً وسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت معولمة! أي أن اليد التي امتدت لإنقاذ الشعب الإيراني من «الظلم والتسلط» عام 1979 بدورها استعبدت الشعب وقمعته وأفقرته. ليس هناك أفق للفاشية الدينية في حكم رشيد، وليس لديها مشروع تغري به الجوار، غير أن تمتطي سياسياً بعض الشعارات التي تجذب بها العوام، وتؤسس لها ميليشيات «في الغالب» مرتزقة لقهر الشعوب، سواء في لبنان أو اليمن أو سوريا أو العراق. من الجهل الفاضح أن يعتقد متخذو القرار في طهران أن السوريين أو العراقيين أو اليمنيين وحتى اللبنانيين في نهاية المطاف سيقبلون ويرضون بهكذا نظام فاقد للأهلية في بلد المنشأ، ومنقطع عن مسيرة العالم ومدمِّر لحقوق الإنسان. الخضوع اللبناني تاريخياً هو بسبب القهر السوري الذي ترك سلاحاً في يد «حزب الله»، وبهذا السلاح يستمر اختطاف لبنان، أما «التحرير» فقد وضح لأي عاقل فطن أنه أكذوبة كبرى، بل غير وارد البتة، فكيف يمكن معادلة «تحرير الفلسطينيين وقتل السوريين» الأولى أكذوبة، والثانية حقيقة شاخصة؟! الهدف هو الترويج لمثال قمعيّ فاشيّ في عباءة دينية! سواء في لبنان أو في اليمن!

ما سوف يحصل في الأيام والأشهر القليلة القادمة أن ضغط إيران على الجوار سوف يتعاظم، فطهران لديها شيء من النظرية أن ذلك الأمر يبرّد الكثير من السخونة المتوقعة داخلياً لدى جمهورها بتصدير الخلل إلى الجوار، وتكتمل النظرية بأن القوى الكبرى سوف تُحرج أو تتراجع بسبب ذلك التدخل، وهي نظرية فاسدة وغير واقعية، ودليل واضح على أنه في طهران ليس وارداً التفكير العقلاني في مواجهة المشكلات التي تسببت بتفجيرها.

آخر الكلام:  سكة الخروج الإيراني من المأزق مليئة بالمطبات… وخيارها العاجل التفجير في الجوار ما استطاعت ذلك يزيد من وعي مقاومة مشروعها لدى جماهير واسعة من العرب!