Site icon IMLebanon

الأنفاق واستخدامها العسكري… وخيار الحرب موجود! (رولان خاطر)

تحقيق رولان خاطر

تتصدر مسألة اكتشاف أنفاق قرب الخط الأزرق الحدودي بين لبنان وإسرائيل الكواليس السياسية على رغم الصمت الرسمي والحزبي، أي المعني به “حزب الله”. بداية تحدثت اسرائيل عن وجود نفق واحد، ثم رصد الجانب الاسرائيلي نفقاً آخر وبالأمس نفق ثالث يقول الاسرائيليون إنه يربط لبنان بالأراضي الاسرائيلية.

اليونيفيل، اكدت يوم الخميس 6 كانون الأول 2018 وجود هذه الأنفاق. لكن لم يتأكد وجودها بعد من الجانب اللبناني، وبالانتظار، ما هي التداعيات التي يمكن ان تعكسها هذه الأنفاق على لبنان؟ وماذا يمكن أن تغير في المعادلات العسكرية والاستراتيجية؟ وهل ينتظر لبنان الحرب؟

الاستخدام العسكري للأنفاق!

المحلل الاستراتيجي العميد المتقاعد ريشار داغر قال لـIMLebanon: “إن قوات “اليونيفيل” أثبتت أن الأنفاق موجودة وكانت على وشك ان تصبح عملانية، بمعنى انه يمكن استخدامها من قبل أيّ قوى مسلحة”، معتبراً أن هذا الاجراء النوعي، هو محاولة تقليد لما يحصل في قطاع غزة وعلى حدود غزة مع اسرائيل وغزة مع مصر، على غرار الانفاق التي حفرتها حركة “حماس” إن للتسلّح او التموين الغذائي.

ففكرة الانفاق وإقامتها، وان كان “حزب الله” لم يعترف بها حتى الآن، هي محاكاة لحركة حماس في قطاع غزة. وهدف هذه الانفاق التي تربط الاراضي اللبنانية بالأراضي الاسرائيلية تأمين انتقال عناصر مسلحة وتأمين عنصر المفاجأة مع الاسرائيليين، وهو ما يندرج تحت خانة الاجراءات الهجومية وليس الدفاعية.

فالخطاب السياسي الذي يقدمه “حزب الله” يعتمد على اجراءات دفاعية، للدفاع عن الاراضي اللبنانية والسيادة اللبنانية، لكن هذه الانفاق تندرج في إطار مختلف، هو التحضير لعمليات هجومية من الأراضي اللبنانية على الأراضي الاسرائيلية عبر عمليات تسلل. وهذا ما ادى الى اثارة القلق الاسرائيلي واطلاق عملية “درع الشمال”.

ورأى داغر أن الموضوع يجري معالجته بشكل يخفف من التصعيد. وتعاطي اليونيفيل والشرعية اللبنانية مع الموضوع، وحتى تعاطي “حزب الله” يأتي في سياق نزع فتائل التصعيد، وهو أمر تريده اسرائيل أيضاً التي ليست بوارد استخدام هذا التطور لتصعيد الموقف ضدّ لبنان عسكرياً. فـ”حزب الله” لا يزال يتعاطى بصمت مطبق مع هذه المسألة، وهذا يعني ان هناك تقاطعات ضمنية في المواقف الثلاثة، اي الموقف الاسرائيلي والموقف اللبناني الرسمي وموقف الحزب، بما لا يؤدي الى التصعيد، لأن جميع الاطراف المنخرطة في هذه المسألة لا تريد أن تذهب الأمور الى مواجهة عسكرية مفتوحة، ولو انها سترتسم حولها علامات استفهام كبيرة لكن لن تؤدي الى حرب.

داغر اشار إلى أنّه ليس من الضروري أن “حزب الله” يقوم بهذه الاجراءات لأن هناك حرباً وشيكة ستحصل، بل يقوم بها في إطار الاستعداد لأي حرب مقبلة قد تحصل في اي وقت وفي أي زمان، من دون ان يكون هناك تصور واقعي عن موعد حصولها.

ولفت الى ان التداعيات اليوم سياسية، والجانب الاسرائيلي يحاول ان يوظف قضية الأنفاق لتصعيد اللهجة ضد “حزب الله” وايران سياسياً، في ظل المعطى الاوسع، الذي يظهر ان هذا التطور يندرج في اطار التصعيد الاستراتيجي الكبير القائم حاليا على محور الولايات المتحدة الأميركية من جهة، وايران من جهة ثانية. في وقت بدأت فيه ايران توظيف الساحة اللبنانية في مواجهة اسرائيل من جهة، واميركا من جهة ثانية، كرد فعل على العقوبات. لذا، بحسب داغر، لا يمكن فصل هذا التطور عن السياق الاقليمي العام الذي تضع واشنطن فيه ايران على رأس اولوياتها.

هذه القراءة الاستراتيجية، يرفقها داغر بعدم استبعاده فرضية وقوع عمل عسكري ضد لبنان. فهو يرى أن اي سوء تعامل مع هذا الوضع قد يؤدي الى تطور عسكري. فعلى المستوى الاستراتيجي، أي عمل عسكري مستبعد بين واشنطن وايران أو بين اسرائيل وايران. لكن على المستوى اللبناني الداخلي، لا يمكن التكهن بالتطورات التي يمكن ان تحصل وتتدحرج تباعاً الى مواجهة عسكرية. والدليل ما حصل في الـ2006 على اثر اسر “حزب الله” جنديين اسرائيليين، حيث لم يكن أحد يتوقع حرباً اسرائيلية على لبنان.

من هنا، يقول داغر: “ليس هناك رغبة بالحرب لا من جانب “حزب الله” ولا من جانب اسرائيل لكن أي خطأ أو استهتار معين، أو حسابات في غير محلها، قد تؤدي إلى مواجهة عسكرية، وبالتالي، لا يمكن نزع هذا الخيار عن الطاولة”.

عضو تكتل “الجمهورية القوية” النائب والمحلل الاستراتيجي وهبي قاطيشا، شرح باختصار الناحية العسكرية والاستراتيجية لعمل الأنفاق وكيفية استخدامها عسكريا، فقال لـIMLebanon: “إنه في حال ثبت وجود أنفاق فهو لتسجيل نقاط عسكرية على العدو والقيام بعمليات محدودة لا أكثر، والحديث عن احتلال اراض واسعة خطأ وفي غير محله”.

وقال: “أولا، مسألة الأنفاق كشفتها اسرائيل، وهو امر لن نصدقه إلا اذا أثبتت الأمم المتحدة وجودها، وهو أمر اعلنت عنه الامم المتحدة، وأكدته قوات اليونيفيل، لأن الحديث عن هذه الانفاق من جانب اسرائيل وحدها قد يكون عملا مدبرا من قبلها لتبرير أي عدوان لها على لبنان. من هنا، من المنتظر ان تثبت الأمم المتحدة وجود هذه الأنفاق من الجانب اللبناني. واكد قاطيشا أن احدا في لبنان لا يستطيع منع اليونيفيل من كشفها، لأنه تقنياً تستطيع القوات الدولية أن تدخل بالنفق من الجانب الاسرائيلي وتخرج منه من الجانب اللبناني، حيث تكون بانتظارها قوات دولية وبعثات ديبلوماسية دولية وغيرها، لذا فإن منعها صعب.

واذا ثبت وجود هذه الانفاق، يقول قاطيشا، هو للقيام باعمال عدوانية من قبل “حزب الله” داخل الأراضي المحتلة أو عمليات خطف وقتل جنود اسرائيليين او خلق معادلة جديدة كاحتلاله ضيعة مثلا، وبالتالي سيقتصر تحرك الحزب على القيام باعمال ارهابية. والعمل الاوسع الذي يمكن ان يقوم به فهو إدخاله أفراداً الى اسرائيل لأن هذه الأنفاق لا تسمح بدخول الاليات العسكرية لذلك عملهم سيكون محدودا للقيام بعمليات محدودة.

قاطيشا الذي اعتبر أن الحديث عن أن مقومات شنّ حرب من قبل اسرائيل غير موجودة كلام خاطئ، أوضح أن الحرب أولا لم تقف بين اسرائيل وحزب الله ولو أنها لا تأخذ طابعاً عسكرياً بشكل مستمر، وثانياً، ان رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو لن يدخل بجيش جرار، ومن يتصور ان نتنياهو سيغزو الاراضي اللبنانية على غرار اجتياح الـ1982 فهو موهوم. فشنّ حرب على لبنان من قبل اسرائيل لن يكون بجيش بري بل بعمليات اغارة على مواقع حزب الله ومصانعه ومراكزه الصاروخية، إضافة الى استخدام الصواريخ والمدفعية الاسرائيلية على لبنان، أو القيام بعمليات انزال بحري وبري مثلا، بشكل لا يكون هناك احتكاك مباشر مع “حزب الله” او مع الشعب الموجود وبالتالي فإن الحرب ستأخذ وجهاً آخر.

“من هنا، فإن ما تقوم به اسرائيل عمل جدي، يقول قاطيشا، وسيكون له تداعيات مباشرة ولو لم تكن سريعة، فاسرائيل تكدس الاخطاء لخصومها لكي يصبحوا هدفا لها فيما بعد”.

 التداعيات السياسية!

على المستوى السياسي، اسرائيل لن ترضى وسيكون هناك ردة فعل على الجهة التي قامت بهذه الاعمال، يقول قاطيشا، وهم يهددون حتى الجيش اللبناني، وبالتالي قد نشهد حرب تموز أخرى لكن باضعاف واضعاف.

عضو “كتلة المستقبل” النائب عاصم عراجي اعتبر أن مسألة وجود الأنفاق تشكل خرقاً للقرار 1701، تماماً كما تشكل الطلعات الاسرائيلية في الأجواء اللبنانية بدورها خرقاً لهذا القرار وللسيدة اللبنانية، وبالتالي، المطلوب اليوم من الجانبين اللبناني والاسرائيلي الالتزام بالقرار الدولي.

وبعد اعتراف الأمم المتحدة بوجود هذه الأنفاق، ننتظر الموقف الرسمي للدولة اللبنانية، كما قال عراجي، الذي تخوّف من أن تتأثر الجبهة الجنوبية نتيجة الخروقات، وبالتالي هناك خوف من ضربة اسرائيلية على لبنان.

من جهته، اعتبر عضو تكتل “لبنان القوي” النائب أسعد درغام أن الأجهزة الأمنية اللبنانية تقدم كل التوضيحات وكل الأجوبة التي تطلبها القوات الدولية أو أي قنوات أخرى، وعلى الصعيد السياسي والديبلوماسي فإن وزارة الخارجية تقوم بالدور المطلوب منها لمواجهة ما يمكن أن يطرأ من تداعيات عن مسألة الأنفاق. وقال: “الصمت الرسمي لا يعني ان الدولة لا تتحرك، بل هناك تواصل والاتصالات مع اليونيفيل قائمة، وهناك لجنة ارتباط تعمل، وبالتالي العمل مستمر ولو بشكل غير علني”.

درغام، اعتبر في حديث لـIMLebanon، أن أي عمل عسكري لن يكون نزهة لأحد، وما تشيعه اسرائيل هو في إطار التهويل، ويتم معالجة الموضوع بالطرق اللازمة، فاسرائيل لم يعد بمقدورها ان تهول على لبنان كما كانت تهوّل في الماضي.

النائب السابق فارس سعيد رأى أن الأنفاق خرق واضح للقرار 1701، وتحاول اسرائيل ان تقول إن الجانب اللبناني هو الذي خرق الـ1701 من خلال هذه الأنفاق”.

وأضاف: “رأينا الأنفاق من الجهة الاسرائيلية، لذا من يمنع ان نرى الأنفاق من الجهة اللبنانية؟ هل هو الجيش أو “حزب الله”؟ أو القوات الدولية التي لم تسع حتى هذه اللحظة لكشف وجود هذه الأنفاق من الجهة اللبنانية”، معرباً عن اعتقاده بأن اليونيفيل بعد ان اكتشفت الأنفاق من الجهة الاسرائيلية ستحاول إبراز وجودها من الجهة اللبنانية، وعندها ليس “حزب الله” وحده من سيتحمّل وجود هذه الأنفاق بل الحكومة والدولة اللبنانية المسؤولة رسمياً عن تنفيذ الـ1701.

واعتبر ان هناك مناخاً يتم بناؤه لم يستكمل بعد، واذا استكمل بناء هذا الملف واذا وجدت الأنفاق من الجانب اللبناني المتصلة بالأنفاق من الجانب الاسرائيلي فهذا يعني أن هناك خرقاً فاضحاً للـ1701 وستتحمّل الدولة اللبنانية تبعات هذا الموضوع، وليس فقط الحزب، أما اذا لم تكتشف الأمم المتحدة وجود الانفاق وهي على قناعة بوجودها فربما عندها ستتهم الدولة اللبنانية بأنها تستّر على “حزب الله” وبالتالي سنكون أمام ازمة جديدة.

وأضاف سعيد: “أي اعتداء من اسرائيل على لبنان لن يقتصر على “حزب الله” وبيئته وجغرافيته، بل سيطال كل البنية التحتية والفوقية للدولة اللبنانية”.