Site icon IMLebanon

أن تكون في معرض بيروت للكتاب

كتب محمد حياوي في صحيفة “العرب” اللندنية:

عام بعد آخر تترسّخ مكانة معرض بيروت الدولي للكتاب ويتبلور نمطه الثقافي والمعرفي والاقتصادي، انطلاقا من خصوصية معيّنة قد لا تتوفر لجميع معارض الكتاب العربية الأخرى.

وتتجسد هذه الخصوصية في عدد الناشرين اللبنانيين المشاركين فيه بأجنحة ضخمة تحتوي على المئات من العناوين الجديدة، إذ تتمتع هذه الدور، في غالبيتها العظمى، بالعراقة والمهنية لما عُرف عنها تاريخيا من دور رائد في ترصين ونشر الثقافة العربية والمعرفة الإنسانية، حتى تحولت بيروت، في مرحلة من المراحل ومازالت في الحقيقة، إلى عاصمة للكتاب العربي، حين كانت العواصم العربية الأخرى تشهد الكثير من القلاقل وعدم الاستقرار وتسلط أنظمة الحكم واستفحال ظاهرة الرقيب، تلك الظاهرة التي حرمت الكثير من المبدعين والمؤلفين العرب من مواصلة مشاريعهم الإبداعية والثقافية بحريَّة، فكانت بيروت واحة لتلك الحريَّة المفقودة ومحطة مهادنة ومخلصة لرؤاهم وطروحاتهم.

وعرف المثقفون والقرّاء العرب أسماءً لامعة في عالم النشر مثل دار الآداب ودار العودة ودار الساقي ودار الفارابي والعربية للعلوم وغيرها الكثير، طالما ارتبط بمفهوم الجودة، وإذا ما أضفنا إلى هذه الأسباب قرب العاصمة بيروت الجغرافي من سوريا والعراق والأردن وفلسطين، فإن خصوصية معرض بيروت للكتاب تتبلور بشكل واضح وجلي، نظرًا لحجم المشاركة العراقية والسورية تحديدا فيه، سواء على صعيد الحضور كزوار ومقتني كتب أو على صعيد المشاركة كناشرين.

وبالنظر إلى سوء الأوضاع الأمنية والاقتصادية التي يشهدها كل من العراق وسوريا حاليا، فإن كلفة المشاركة في معرض بيروت بالنسبة للناشرين من هذين البلدين، هي أقل من مثيلاتها في معارض الكتاب الأخرى، وبالتالي باتت بيروت رئة بديلة يتنفس بواسطتها الناشرون العراقيون والسوريون بطريقة أو بأخرى. كما أن مشاركة بعض دور النشر الفلسطينية على قلّتها ـ دار كل شيء من الناصرة على سبيل المثال ـ تشكل ظاهرة فريدة هي الأخرى، ليس على صعيد تقديم الكتاب الفلسطيني وحسب، بل على صعيد اقتناء الكتب العربية وتوفيرها للقارئ الفلسطيني داخل الأراضي المحتلة والضفة الغربية، بعد أن تحول المعرض إلى سوق لعقد الصفقات والاتفاقات وتبادل العناوين المهمة وعقود النشر المشترك بين دور نشر عربية ونظيراتها اللبنانية المهمّة.

ومن الظواهر المهمة التي يستطيع زائر هذا العام تلمّسها، هي إصرار بعض دور النشر السورية على المشاركة وطرح المئات من العناوين المهمّة مثل دار نينوى للنشر والتوزيع ودار التكوين وغيرهما، وهي دور نشر مهمة نجحت في تأكيد حضورها في عالم النشر وصناعة الكتاب العربية بجدارة وحرفية لافتة، إضافة إلى مشاركة عدد من دور النشر العراقية المعروفة مثل دار المدى ودار الرافدين التي تمكنت هذا العام من طرح المئات من العناوين المختلفة وإصدار السلاسل المهمة كسلسة أدب الرسائل وسلسة تاريخ المعرفة، كما نجحت هذه الدار في أن تكون خيمة كبيرة لبقية الناشرين العراقيين ممن لم يتمكنوا من المشاركة بأجنحة مستقلة، إما بسبب التكاليف المالية وإما بسبب عدم توفر عناوين كافية لديها، إذ تأسست أغلب هذه الدور بعد العام 2003 ومازالت تتلمس طريقها للانتشار، على الرغم من جديتها وسعيها لتقديم المبدعين والمؤلفين العراقيين في الأوساط العربية.

ولعل ما يميّز معرض بيروت الدولي للكتاب أيضا، رصانة برنامجه الثقافي والفعاليات التي تنظم على هامشه، فقد تضمن برنامج هذا العام عددا من الندوات والحلقات النقاشية المهمة، كان أبرزها ندوة الشاعر السوري الكبير أدونيس التي حظيت بحضور جمهور واسع غصّت به القاعة وتركت أصداءً مهمة ومناقشات، لا سيّما تزامنها مع توقيعه لعدد من كتبه التي أصدرتها بعض دور النشر اللبنانية والسورية.