Site icon IMLebanon

خطط الطوارئ والمهل انتهت… متى تبدأ “ثورة النفايات”؟

كتب حبيب معلوف في صحيفة “الأخبار”:

سريعاً، ستفرض قضية النفايات نفسها على رأس سلّم الأولويات، بين القضايا الملحة، سواء على حكومة تصريف الاعمال إن بقيت، او على الحكومة الجديدة إن شُكّلت.

في الانتظار، ليست مفهومة دوافع الطامعين بتولّي هذه الحقيبة. فلا التمديد للمطامر الشاطئية وتوسيعها أمر سهل، ولا «زرع» المحارق مقبول بيئياً واقتصادياً وشعبياً. ومن يظن أن الموضوع تقني ومالي، وان التمويل مؤمن وجاهز، موهوم لم يتعلم من الاخفاقات السابقة! وهو إما يراهن على استمرار سكوت الاكثرية، او على امكانية اللعب مجددا على الأوتار الطائفية والمناطقية لتمرير الصفقات! والحديث عن اقتراحات نيابية – بلدية ومشاريع قوانين لإعفاء أهالي منطقة المدور من الرسوم البلدية ورسوم الاملاك المبنية، للقبول بإنشاء محرقة في المنطقة، استرسال في لعبة الرشى نفسها، مع بعض التعديلات!

هذه الطرق الملتوية اعتمدت في كل الخطط العشوائية السابقة لرشوة القرى والبلدات التي تقبل بإنشاء مطامر في نطاقها، وأحياناً مع «حبّة مسك» تقضي بامكانية الاستفادة من قسم من الارض المردومة في البحر (الأملاك العامة) لإنشاء مشاريع خاصة بها، كما في برج حمود والجديدة.

ليست هذه «التقديمات» سيئة بالمطلق. لكن المشكلة الاساسية فيها انها لا تأتي من ضمن خطة متكاملة ومستدامة، ولا هي نابعة من رؤية استراتيجية بعيدة المدى لحل هذه المشكلة. فكل الخطط السابقة لمعالجة قضية النفايات، منذ نهاية الحرب الاهلية بداية التسعينيات، كانت «خطط طوارئ»، كلّفت دائماً مبالغ خيالية، وغالباً ما لم يتم احترام المهل والشروط في تطبيقها. هكذا أُنفقت مبالغ طائلة، وخيالية، لـ «التخلص» من النفايات، بدل «معالجتها» بكلفة اقل. والمفارقة، أنه كلما تقدّم الزمن تراجعت «جودة» هذه الخطط. فالخطة الطارئة التي نُفّذت بين عامي 1997 و2015 قامت بشكل رئيسي على بعض معامل الفرز والتسبيخ وعلى مطمر الناعمة ومطمر بصاليم للعوادم. وهي، رغم سيئاتها وكلفتها العالية، كانت افضل من الخطة الحالية (القائمة على مطمري برج حمود والكوستابرافا)، إن من الناحية التنفيذية او من الناحية التقنية، او لجهة الكلفة والأثر البيئي والاقتصادي والصحي! ويمكن الجزم، على ضوء المطروح حالياً وللمستقبل من مقترحات وخطط، بأن الآتي أعظم وأكثر سوءاً من النواحي كافة. فالمطروح اليوم، امام حكومة تصريف الاعمال او امام الحكومة الجديدة، التوسيع العشوائي لمطمري برج حمود والجديدة اسوة بتوسيع مطمر الكوستابرافا، في انتظار «مهلة 6 اشهر»، حدّدها مجلس الوزراء منذ عام لاطلاق مناقصات محارق النفايات وتحديد المناطق التي ستقام عليها!

واذ مرت المهل ولم يتم توسيع المطامر لنصف نفايات بيروت والجبل، ومرت مهل اطلاق مناقصات المحارق وتحديد اماكنها، فإن احداً لا يعرف ماذا يضمر المخططون، خصوصا أن البدائل شبه العشوائية لهذه الخطط العشوائية لم تكن مشجعة ايضا.

وكما هو معلوم ايضا، فإن كل المحاولات في الوقت الضائع، منذ أكثر من سنة، لانشاء معامل للفرز والمعالجة في المناطق تعثرت، لأسباب متعددة، وربما مشبوهة. هكذا تعثر، في الفترة الاخيرة، إنشاء معامل للمعالجة في بيت مري في المتن وغسطا في كسروان وبلاط في جبيل ومعمل الضنية. مما يستدعي السؤال مجددا: اي لعنة تضرب هذا الملف في لبنان؟ صحيح أن وزارة البيئة فشلت فشلاً ذريعاً في ادارة هذا الملف بعد تعثر وزيرها في وضع استراتيجية شاملة للنفايات، وفي وضع اسس مدروسة لتطبيق نظرياته اللامركزية… الا أن احداً ما – شركات او مجموعات مصالح – يمكن أن تكون مساهمة ايضا في تضليل الوزارات والوزراء والبلديات والمواطنين، وتفشيل اي فكرة او خيار او حل، للوصول الى الكارثة والقبول بأي حل كبير، تستورده شركات كبرى عبر سماسرتها في الداخل، وبكلفة عالية جداً، على كل المستويات.

فهل يكون هذا الموضوع الخطير على جدول اعمال الحراك الشعبي والتظاهرات التي انطلقت مؤخرا بالتعاون مع «ائتلاف ادارة النفايات»؟ وهل تحمل هذه الحركة الشعبية، استباقاً لكارثة بيئية ستقع حتماً، مطلباً مركزياً، لحسن ادارة هذا الملف، يطالب بوزير للبيئة يحمل برنامجاً استراتيجياً يقوم على مبادئ اساسية، في طليعتها التخفيف من النفايات عبر اجراءات ضرائبية وغير ضرائبية عاجلة، وبرنامج لامركزي للفرز (من المصدر)، مع برنامج لدعم صناعات اعادة التصنيع، وبرنامج لرد المواد الخطرة في النفايات المنزلية الى المصدر (الوكيل او المصنع في الداخل والخارج)… وغيرها من الإجراءات التي توفّر على الخزينة والطبيعة والصحة العامة؟