Site icon IMLebanon

هل تورّط إسرائيل وأميركا اليونيفيل في الجنوب؟

كتب فراس الشوفي في “الاخبار”:

 

على مدى السنوات الماضية، صمدت اليونيفيل في وجه الضغوط الأميركية والإسرائيلية ورفضت أن تتحول إلى حرس حدود لإسرائيل. فهل تتغير هذه المعطيات مع ازدياد الضغوط على القوات الدولية ومحاولات أميركا وإسرائيل استخدامها في التضييق على حزب الله؟

لا تخرج المحاولات الأميركية والضغط الإسرائيلي على قوات الطوارئ الدولية العاملة في جنوب لبنان «اليونيفيل» لتعديل مهام هذه القوات خدمةً للمصلحة الإسرائيلية، عن سياق التصعيد الذي يكبر في الإقليم ضد محور المقاومة من إيران إلى سوريا إلى المقاومة اللبنانية.

وتزداد في الآونة الأخيرة الضغوط الآتية من نيويورك على قوات الطوارئ الدولية للقيام بإجراءات جديدة تهدّد الاستقرار القائم منذ 13 عاماً في الجنوب اللبناني. مصادر «أهلية» متابعة ليوميات الأوضاع الأمنية والعسكرية في الجنوب، تصف المرحلة الحالية بـ«مرحلة تجميع أوراق أميركية – إسرائيلية بهدف إدانة لبنان في مجلس الأمن الدولي، قبل التقرير الدوري للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في تموز المقبل (تنتهي كتابة التقرير في أيار أو حزيران) وقبل قرار التجديد للقوات في آب المقبل».

وبالتوازي، تكشف مصادر معنيّة بتنفيذ هذه الإجراءات لـ«الأخبار»، أن «تعليمات وصلت من نيويورك إلى اليونيفيل في الأسابيع الماضية، تطلب من القوات العاملة في الجنوب إضافة مسارب جديدة لدورياتها والدخول إلى مناطق لم تكن تدخل إليها سابقاً جنوب الليطاني، بذريعة التطبيق الكامل للقرار 1701، وكأن القرار لم يكن مطبّقاً في السابق وتشوبه الخروقات من الجانب اللبناني»، مضيفاً أن «كل ما يهم الأميركي هو إبعاد حزب الله عن الحدود».

ويشرح مصدر محلّي كيف أن عمليّة التجديد للقوات الدولية كانت تتم بسلاسة في السنوات الماضية، حتى أتى آب عام 2017، حين نجح الاميركيون والإسرائيليون في إدخال مصطلح عمليات «التفتيش» أو «التحقّق» (inspections) على مهام هذه القوات في المادة 15 من نص القرار الدولي 2373. ويضيف أن الأميركيين والإسرائيليين يدركون صعوبة موافقة الدول الأوروبية، تحديداً ألمانيا وفرنسا، فضلاً عن الموقف الروسي، على أي تغيير جذري في مهمة اليونيفيل، وتحويلها من قوات حفظ سلام إلى قوات مواجهة مع المقاومة اللبنانية. ولأجل ذلك، «يحاولون الاستفادة من وجودها عبر دفعها إلى تعقّب نشاط حزب الله جنوب الليطاني والضغط عليه بطرق ذكية». وفي سياق الأمثلة، يذكر المصدر كيف أن «إسرائيل طلبت من القوات الماليزية، قبل فترة، تصوير بعض الأماكن والأهداف، إلّا أن تلك القوات أبلغت قيادة اليونيفيل رفضها للطلب الإسرائيلي»، مع التذكير بما حصل مع القوات السلوفينية العام الماضي في مجدل زون (نيسان 2018). ويفنّد المصدر آلية العمل الإسرائيلية مع القوات الدولية: «في الحالة الأولى يطلب الإسرائيلي مباشرةً من إحدى الكتائب الدولية عبر علاقات وخطوط اتصال معيّنة مع ضباط أو عناصر في هذه القوات، التحقق من أهداف وتصويرها أو متابعتها والتجسس عليها، وهنا تكون الأهداف مهمة بالنسبة إلى العدو. حتى إن بعض الكتائب تنظّم نشاطات للأهالي في القرى وتستغل انتشارها الأمني لتصوير أهداف مطلوبة إسرائيلياً. وفي الحالة الثانية، يرفع العدو رسائل رسمية إلى قيادة اليونيفيل يطالب فيها بالتحقق من أهداف أو بقاع معينة، وتلك الأهداف عادة ما تكون غير ذات أهمية، والتركيز عليها بشكل رسمي يأتي من باب تسجيل النقاط على لبنان في الجانب الدبلوماسي».

 

إسرائيل طلبت من القوات الماليزية قبل فترة تصوير بعض الأماكن والأهداف

ويكشف المصدر أن نيويورك طلبت من قيادة الطوارئ الدولية إضافة 10 دوريات جديدة في القطاع الشرقي، و5 دوريات في القطاع الغربي للقوات الإيطالية، غالبيتها تهدف إلى «مراقبة مناطق محميات منظمة أخضر بلا حدود البيئية»، بذريعة أن حزب الله «يوجد في هذه المناطق ويخزّن الصواريخ والأسلحة». ويضيف أن «بعض هذه البقع التي تستهدفها الدوريات المستحدثة تطال مناطق تحدّث عنها قائد المنطقة الشمالية في جيش الاحتلال الجنرال يوئيل ستريك خلال اجتماعه مع قائد القوات الدولية الجنرال الإيطالي ستيفانو ديل كول، وحينها أكّد ديل كول أن القوات الدولية لا يمكنها الدخول إلى الأملاك الخاصة من دون إذن قضائي لبناني».
مصدر ثان يؤكّد أن القوات الدولية وضعت الجيش اللبناني في أجواء نيتها تسيير عشر دوريات جديدة، خمسة في القطاع الشرقي وخمسة في القطاع الغربي. ويسأل المصدر عن السبب الذي يدفع القوات الدولية إلى الإبقاء على عدد الدوريات المرتفع مع انتهاء ما سمّاه العدو عمليّة «الدرع الشمالي» والادعاءات الإسرائيلية بشأن وجود أنفاق لحزب الله، إذ إن «عدد الدوريات اليومية على الحدود ارتفع من 12 – 14 دورية قبل العملية (الدرع الشمالي)، بسبب التوتر، إلى 18 – 22، ولا يزال الأمر على حاله من دون مبرّر، مع عودة الهدوء الكامل إلى الجنوب».
ولا يتوقّع المصدر «المحلّي» ارتفاعاً ملحوظاً في عدد الدوريات، طالما أن «نشاط اليونيفيل كبير في المنطقة»، لكنّه يؤكّد أن «الإجراءات الجديدة تعتمد على حيلة واسعة». بالنسبة إليه، ديل كول مختلف عن غيره من القادة لجهة معرفته بالواقع على الأرض عن كثب، لخدمته في القطاع الشرقي سابقاً، حيث إن «القادة الآخرين كانوا يأتون بسقوف مرتفعة محاولين فرض المصلحة الإسرائيلية على أهل الجنوب، إلا أن ديل كول يعمل بالعكس، وهو يحاول بناء الواقع شيئاً فشيئاً». ويشير إلى أن «القائد الإيطالي كان أداؤه مهنيّاً في ملفّ الأنفاق، لكن لا يمكن توقّع كم سيصمد أمام الضغوط الأميركية والإسرائيلية».

 

طلبت نيويورك من اليونيفيل إضافة عشر دوريات جديدة في القطاعين الشرقي والغربي

ويسأل المصدر عن السبب الذي يدفع القوات الاستونية إلى إدخال معدات للبحث الزلزالي إلى القطاع الغربي منتصف شباط الماضي من دون إبلاغ الجيش اللبناني بهذه الخطوات، مؤكّداً أنه حين تمت مراجعة هذه القوات، تذرّعت باتفاقية «SOFA» (اتفاقية دولية لتنظيم عمل القوات الأجنبية على أراضي الغير). ويذكر أن طوافات القوات الدولية، أثناء نقلها للأفراد والبريد من نقطة إلى نقطة في الجنوب، «باتت تحمل مع طاقم المروحية مصوّراً مجهّزاً بمعدات حديثة لتصوير الأهداف من الجو»! يؤكّد أن هناك خروقات جويّة تحصل من قبل القوات الدولية لاتفاقية التحليق في الجنوب (LOU). مثلاً، يُمنع على القوات الدولية أن تحلّق فوق مدينة صور ومخيمي الرشيدية والبص، إلا أنه «رصدت خروقات من قبل القوات الدولية للاتفاقية والتحليق فوق مدينة صور وفوق المخيمات الفلسطينية». كذلك الأمر بالنسبة إلى الارتفاعات المسموح بها، إذ «يُمنع على طائرات اليونيفيل التحليق دون 500 متر فوق المناطق المأهولة وتحت 300 فوق التجمعات البشرية، ونراهم أحياناً يحلّقون تحت 150 متراً».
مسألة أخرى يلفت إليها المصدر الثاني، هي الزيارات العسكرية الأميركية المتكرّرة إلى الجنوب وتفحّص الخط الأزرق والتنقّل داخل قطعات الجيش اللبناني والقوات الدولية. ويشير إلى أن «الملحق العسكري الأميركي زار قيادة قوات الطوارئ الدولية نهاية شهر آذار الماضي، والتقى بعدد من الضباط في القاعدة، وأسمعهم كلاماً عن ضرورة القيام بإجراءات جديدة لتقييد حركة حزب الله، وإلا فإن الولايات المتحدة الأميركية، المموّل الأكبر لهذه القوات، ستعمل على تقليص ميزانيتها»!

مناطق خارج السيادة اللبنانية
تقع المنطقة التي تجتمع فيها اللجنة الثلاثية (الجيش اللبناني – القوات الدولية – جيش العدو) قرب رأس الناقورة، داخل الخط الأرزق، وهي أراض لبنانية 100%، وتمتد على طول حوالى 140 متراً نحو العمق اللبناني انطلاقاً من «الحدود الدولية» وآخر موقع إسرائيلي، وتعرف باسم A 31-1. ومع ذلك، يتمّ التعامل مع هذه البقعة من الأرض اللبنانية كأنها «منطقة لا أحد» أو «NO MAN’S LAND»، فيضطر الضباط اللبنانيون عند الدخول إليها إلى ترك أسلحتهم في عهدة القوات الدولية، ولا يستطيع الجيش اللبناني حسم الوجهة النهائية لأي داخل إلى منطقة رأس الناقورة ولا حريّة الوصول إلى النقطة B1. حتى إن استخبارات الجيش اللبناني حاولت في الأشهر الماضية إقامة نقطة تفتيش على مدخل نفق سكّة الحديد القديمة في تلك المنطقة، إلّا أن هذا الإجراء لاقى اعتراضاً إسرائيلياً واسعاً، وانساقت اليونيفيل خلف الرفض الإسرائيلي. ويقول مصدر معنيّ إن هدف منع الجيش من التمركز في هذه المنطقة، هو الأهمية الجغرافية لمنطقة رأس الناقورة بالنسبة إلى الجبهة الشمالية للعدو على الساحل، إذ إن هذه المنطقة تسمح لأي قوة عسكرية بالإشراف على كامل الساحل الفلسطيني من الناقورة إلى حيفا، بعمق لا يقلّ عن عشرة كيلومترات نحو الداخل الفلسطيني. وسبق لقائد المنطقة الشمالية في جيش الاحتلال، الجنرال يوئيل ستريك، أن «تحدّث بالأمر مع (قائد اليونيفيل الجنرال ستيفانو) ديل كول، لا سيّما لجهة منع وصول أحد إلى الخليج (الناقورة) لما يكتنفه من مغاور». وكما منطقة راس الناقورة، تبدو مواقع القوات الدولية المتاخمة لموقعي العباد وراميا، نقاط خارج السيادة اللبنانية، حيث يغيب أي فاصل حدودي بين مواقع العدو ومواقع القوات الدولية، ما يشكّل خرقاً للسيادة اللبنانية التي تستوجب أن تخضع كل المنافذ الحدودية لسلطة الدولة اللبنانية.

«حظر المدنيين» جنوب الليطاني!
يحار العدو في كيفية تكبيل حركة رجال المقاومة على الحدود الجنوبية وفي كامل منطقة جنوب الليطاني، في استراتيجية عسكرية ــ أمنية هدفها وضع العراقيل أمام المعاينة اليومية من قبل عناصر المقاومة لإجراءات العدو الحدودية. ولأنه يصعب تمييز رجال المقاومة عن المدنيين لكونهم جزءاً لا يتجزّأ من البيئة الجنوبية، يسعى العدو إلى إبعاد أي مدني عن الحدود، مزارعاً كان أو صياداً. اعتاد العدو على رفع الشكاوى إلى القوات الدولية حيال وجود «مسلحين»، ما يدفع القوات الدولية إلى التحقق من هؤلاء، ليتبيّن لاحقاً أنهم يحملون بنادق صيد. ويذكر تقرير الأمين العام للأمم المتحدة حالات حمل أسلحة الصيد من ضمن الخروقات اللبنانية، ثم يساويها من حيث لا يدري ربّما، بالخروقات الجوية الإسرائيلية والانتهاكات الدائمة المتواصلة للسيادة اللبنانية. وحفل التقرير الماضي بذكر 225 حالة حمل سلاح، بينها حالة واحدة لحمل سلاح حربي! لكن الغريب، هو قرار الدولة اللبنانية بمنع الصيد جنوب الليطاني ومطاردة الصيادين من دون مبرّر، حتى في موسم الصيد القانوني، وقبل قرار وزيرة الداخلية الجديدة ريا الحسن منع الصيد على الأراضي اللبنانية.
ولا يقف قرار «حظر المدنيين» غير المعلن عن الحدود، عند حدود الصيادين، بل إن قراراً صدر مؤخّراً مُنع بموجبه عناصر استخبارات الجيش من القيام بالدوريات على الحدود بسياراتهم وملابسهم المدنية، وبات الوجود قرب الحدود محصوراً بوجود العسكريين بلباس الجيش وقوات الطوارئ الدولية!