Site icon IMLebanon

تفسير الموازنة: ما سيدفعه المواطن وما ستتحمّله القطاعات

بدت أرقام الموازنة معقّدة للبعض، ولو أنّ الحصيلة النهائية للأرقام اختصرتها الحكومة، صاحبة الإنجاز، بالادّعاء أنها ستخفّض العجز بنسبة كبيرة. لكن السؤال ما هي الكلفة التي سيتحمّلها المواطن، وما هي الأثقال التي ستُفرض على القطاعات الاقتصادية المختلفة، والأهم من كل ذلك هل إنّ أرقام العجز المقدّر واقعية، أم أنّ تجربة العام 2018 ستتكرّر في العام 2019؟

وصلت نسبة العجز المستهدفة ضمن مشروع موازنة العام 2019 الى 7,59 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي المقدّر بحوالى 90 الف مليار ليرة، حيث تم تخفيض النفقات الى 17,1 مليار دولار مقابل إيرادات بقيمة 13 مليار دولار.

وأُحيل مشروع الموازنة إلى مجلس النواب للمصادقة عليه حيث من المتوقع أن تستغرق لجنة المال حوالى الشهر لدراسة المشروع ومن ثم إحالته الى الهيئة العامة لمجلس النواب حيث يستعدّ ممثلو الأحزاب للاعتراض وتسجيل الملاحظات على بعض بنود الموازنة، ما قد يؤخّر إقرارها.

في غضون ذلك، وقّع رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة سعد الحريري مرسوماً بإحالة مشروع قانون الى مجلس النواب يجيز للحكومة الاستمرار بالصرف على أساس القاعدة الإثني عشرية حتى 30 حزيران المقبل، ما يحدّد مهلة شهر لإقرار الموازنة.

 

الفوائد المصرفية

لحظت الموازنة رفع الضريبة على فوائد وعائدات وإيرادات الحسابات الدائنة كافة المفتوحة لدى المصارف بما فيها حسابات التوفير، فوائد وعائدات الودائع، وغيرها من 7 إلى 10%.

في هذا الاطار، اعتبر الخبير الاقتصادي غازي وزني أن هذا الإجراء ايجابيّ لأنه سيرفع ايرادات الخزينة بقيمة 500 مليون دولار وهي ايرادات مضمونة.

وفيما اشار الى انّ هذه الضريبة تطال المصارف والمودعين، قال لـ»الجمهورية» «بالنسبة للمودعين، إن الفوائد على الودائع ارتفعت في عام بنسبة 2 في المئة على الدولار و4 في المئة على الليرة اللبنانية، «وبالتالي فإنّ هذه الضريبة ستكلّف صاحب وديعة بقيمة 100 الف دولار، 20 دولاراً شهرياً، ووديعة 50 ألف دولار 10 دولارات شهرياً».

ورأى ان هذه الضريبة لن تؤدي في نهاية المطاف، الى خروج الودائع او عدم مجيئها الى لبنان لأن الفوائد على الودائع في لبنان هي الأعلى في المنطقة.

في المقابل، يؤكد المصرفيون انّ هذا الإجراء سيبعث بإشارة سلبية الى الاسواق، وسيؤدّي الى ترهيب المودعين، مشددين على أنّ النظام المالي في لبنان يعتمد على التحويلات المالية الواردة من الخارج لتمويل نفسه. وبالتالي فإنّ المصارف من اجل عدم خسارة اموال مودعيها بسبب زيادة الضرائب على الفوائد المصرفية، ستعمد الى إغراء المودعين برفع الفوائد المصرفية على إيداعاتهم. وستلجأ في المقابل، الى الاكتتاب بسندات الخزينة بفوائد اعلى من اجل تعويض خسائرها المترتبة من ضريبة الفوائد. وبالتالي، فإنّ الإيرادات المتأتية من ضريبة الفوائد ستؤدي الى رفع الدين العام، ومردودها سينعكس في ارتفاع الدين العام وستتحمّل الدولة كلفتها.

 

رسم على المستوردات

نصّ مشروع موازنة 2019 على وضع رسوم حماية للمنتجات الوطنية على 20 سلعة مستوردة من الخارج بنسبة تراوح بين 5 و20 في المئة، ما خلق مواجهة بين التجار والصناعيين حيث اعتبر الفريق الأول ان هذه الرسوم هي بمثابة ضريبة مباشرة على المستهلك كونها ستؤدّي الى رفع اسعار كافة السلع بنسبة قد تصل الى 5 و 10 في المئة، في حين اعتبر الصناعيون ان هذا الرسم يحمي صناعاتهم ويمكنهم من منافسة المنتجات المستوردة المدعومة في دول المنشأ.

كما لحظت الموازنة فرض رسم بنسبة 2 في المئة على المواد المستوردة، الذي رحّب به الصناعيون في البدء على اعتبار ان نسبة 35% من إيرادات هذا الرسم ستحال لدعم القطاع الصناعي ودعم الإسكان الّا انه ما لبث أن توضّح انّ عائد هذه الاموال سيحوَّل بكامله الى خزينة الدولة لسد العجز، الامر الذي لم يخذل الصناعيين ولم يعد يستحوذ على اهتمامهم.

في هذا السياق، أوضح رئيس الجمعية اللبنانية لحقوق المكلفين كريم ضاهر انّ النسخة الاولى من الموازنة لحظت انّ عائدات هذا الرسم ستعود لصندوق سيستخدم لتمويل الصناعة اللبنانية ودعمها الّا انّ هذه الفكرة سقطت ما يعني انّ هذا الرسم لن يساعد الصناعة اللبنانية في حين هي في امس الحاجة الى حوافز والى بيئة مؤاتية داعمة للقطاعات الإنتاجية مثل خفض تكلفة الطاقة وأسعار الكهرباء، وكلفة اليد العاملة.

 

الإجراءات الضريبية

ومن ابرز الاجراءات الضريبية التي تضمنها مشروع موازنة 2019:

 

 

وفي قراءته للإجراءات الضريبية الجديدة، اعتبر ضاهر انّ موازنة 2019 هي موازنة تلبية الشروط والممكن من أجل تجنيب لبنان الانهيار. ورحّب ضاهر عبر «الجمهورية» بترشيد الإنفاق في الموازنة العامة ومحاربة ظواهر التبذير من حيث المخصصات والإعانات والمساعدات ما يعني انّ الحكومة بذلت جهداً لتخفيض الإنفاق وزيادة الواردات ومحاربة ظاهرة التهرّب الضريبي وقد بدا ذلك واضحاً من خلال عدة تدابير اتخذتها، منها على سبيل المثال:

على عكس التدابير السابقة، اعتبر ضاهر انّ هذا التدبير غير موفّق في الظروف الإنكماشية الصعبة التي نمرّ بها، المطلوب اليوم بدل وضع ضريبة موحّدة على الدخل وشطور تصاعدية، أن تلجأ الحكومة الى زيادة الضريبة على العاملين والمنتجين، فهذه ضريبة إنتاج في حين انّ الضريبة الريعية اي ضريبة الفوائد على المصارف هي 10 في المئة في حين انّ المطلوب وضع ضريبة موحّدة على الدخل وشطور تصاعدية عندها الذي يحصّل إيرادات ريعية يدفع ضريبة تصاعدية، إذ لا يجوز ضرب الحركة الإنتاجية اليوم بحالة إنكماشية لذا لا يعتبر ضاهر انّ هذا القرارَ موفَّق، وبدل أن يحمس على الاستدام الضريبي سيزيد التوجّه نحو التهرّب الضريبي.

رسوم على القطاع السياحي

حظي القطاع السياحي بحصّة كبيرة من الرسوم المستحدَثة من أجل جمع الإيرادات وهي:

في هذا الاطار، قال نقيب أصحاب المجمعات السياحية البحرية والأمين العام لاتّحاد المؤسسات السياحية جان بيروتي إنّ فرض رسم مقابل إشغال غرفة في فندق أو شقة مفروشة جاء بناءً على اقتراح وزير السياحة، بعد خفض موازنة وزارته، من اجل تكوين موازنة للتسويق السياحي والفندقي.

وأشار لـ«الجمهورية» الى انه في حال لم تُستخدم الأموال المرصودة نتيجة هذا الرسم، من اجل التسويق فعلاً، فإنّ مردودها سيكون عكسيّاً على القطاع السياحي. واعتبر انه من الأجدى لو انّ هذه الإيرادات تتمّ جبايتها مباشرة من قبل المجلس التسويقي الذي سيتمّ إنشاؤه في وزارة السياحة وليس من وزارة المال.

ولفت الى انّ نسبة الإشغال في الفنادق الواقعة خارج العاصمة بيروت، متدنّية جدّاً، وبالتالي كان يتوجّب على الدولة إعطاء حوافز للمؤسسات السياحية خارج بيروت من اجل دعمها وتحفيز السياح على اختيار الفنادق او الشقق المفروشة الواقعة خارج بيروت لأن اسعارها أقلّ من نظيراتها في العاصمة.

وقال: طالبنا بإعفاء الفنادق والشقق المفروشة التي تقع خارج بيروت، من هذه الرسوم. ونحن نصرّ على هذا المطلب لأن نسبة الإشغال في فنادق بيروت في شهر نيسان بلغت 80 في المئة، في حين بلغت في المناطق الاخرى 20 في المئة فقط. وبالتالي من حقّ هذه المؤسسات أن تحظى بالدعم على غرار السياسات القديمة التي كانت توزّع عائدات الكازينو على الفناق خارج بيروت دعماً لصمودها.

وبالنسبة لرسوم المسافرين، لفت بيروتي الى انّ الاقتراح الأساسي كان بفرض رسماً يبلغ 5 آلاف ليرة فقط وليس 25 الف ليرة!

وسأل: ألم يقدّر المسؤولون كلفة الانعكاسات السلبية لهذا الإجراء، خصوصاً أننا نشكو من اسعار التذاكر في لبنان التي تُعدّ الأغلى في العالم؟

من جهته، اعتبر ضاهر انّ الرسوم التي لحظتها الموازنة والمتعلقة بالإشغال الفندقي هي ضرائب وليست رسوماً لأنه في كل بلدان العالم يعود للبلدية او الجهات المختصة من أجل تحسين أداء المنطقة من الناحية السياحية مثل تحديث البنى التحتية، انما في هذه الموازنة ستأخذ الخزينة هذه الأموال لتمويل عجزها من دون أن يتمّ تخصيصة لتحسين القطاع السياحي وإنمائه، ما يعني أنه ليس رسماً إنما ضريبة.

 

إعفاءات ضريبية

وفي هذا السياق، قال الخبير الاقتصادي غازي وزني إنّ الدولة تعمد كلّ عام الى الإعفاء من الغرامات، وبالتالي فإنّ هذه العملية تشجّع المكلفين وخصوصاً كبار المكلفين على عدم تسديد الضريبة والغرامات، بانتظار دفعها بعد سنوات طويلة معفاة من الغرامات ما يؤدي الى خسارة الدولة إيراداتها وتأجيل تحصيلها في حين انّ الظروف الحالية تستدعي أن تأخذ الدولة كافة الإجراءات من اجل تحصيل كامل إيراداتها.

تخفيض غرامات