Site icon IMLebanon

تسوية مخالفات البناء: إيرادات على حساب السلامة العامة

كتبت ايفا أبي حيدر في صحيفة “الجهورية”:

أقرّ المجلس النيابي في جلسته الاخيرة بند قانون تسوية مخالفات البناء في الأملاك الخاصة، المرتكبة منذ ١٣ أيلول ١٩٧١ لغاية ٣١ كانون الأول ٢٠١٨، معوِّلاً على الإيرادات الطائلة المتوقعة منه والمقدّرة بملايين الدولارات.

يبدو انّ الدولة وجدت أخيراً الدجاجة التي ستبيض ذهباً وتنقذ إيراداتها الآخذة بالتقلص وعجزها المتفاقم، بحيث أقدم المجلس النيابي في جلسته التشريعية الاربعاء على إقرار تسوية مخالفات البناء الحاصلة على امتداد 47 عاماً. لا شك في أنّ الايرادات المتوقعة من هذا القانون كبيرة جداً لأنّ المخالفات لا تُعدّ ولا تُحصى وأتت على حساب التشوّه العمراني والسلامة العامة، إنما الاخطر أنها وعدت المخالفين انه مهما طال الزمن التسوية آتية وما امامكم إلّا الصبر.

في هذا السياق، انتقد نقيب المهندسين السابق سمير ضومط إقرار مجلس النواب قانون تسوية مخالفات البناء وقال: صحيح انّ هذا القانون سيؤمّن واردات للدولة انما على حساب السلامة العامة. فالمواطن الذي عمد الى المخالفة ولم يردعه أحد، ماذا سيفعل إذا ضرب لبنان زلزال وهبطت الأبنية العشوائية التي ليست لها اساسات وليس لها أيُّ مسوغ قانوني ولا هندسي ولا فني ولا تقني، لكن عندما يقع المحظور سيقول «وينيّي الدولة؟».

وعليه يكون هذا المخالف شوّه البيئة وتسبّب بالخطر على السلامة العامة وبالأذيّة للآخرين واستباح البنية التحتية. للاسف، لبنان منكوب بسبب هذه المخالفات ليس من اليوم، إنما منذ نشوئه منذ زمن الاستقلال، لأنه منذ ذلك الوقت حتى اليوم صدر نحو 4 قوانين لتسوية مخالفات البناء. وواقع الحال اليوم انه طالما المواطن على ثقة انه ولو بعد حين سيأتي مَن يوفر له التسوية بمخالفة البناء سيظلّ يخالف.

وعدّد ضومط بعض أنواع المخالفات وقال: قبل اضافة أيّ طابق على أيّ مبنى شُيّد وفق اسس هندسية صحيحة يجب إجراء دراسة لمعرفة ما اذا كانت اسس المبنى تسمح بهذه الزيادة، فكيف الحال مع المبنى المخالف اصلاً والذي تتم إضافة طوابق عليه؟ والامر شبيه بالهرطقة التي تسمح لوزارة الداخلية أو البلدية بإعطاء رخصة لبناء على مساحة 100 متر بحجّة التسهيل على المواطنين.

وعمّا إذا كان يمكن إحصاء عدد المخالفات والاموال المتوقع أن تنتج عنه، قال: عندما أُقرّ قانون التسوية في العام 1995 تمّ تسجيل نحو 30 الف معاملة لتسوية عشرات ملايين الأمتار المربّعة، لافتاً الى انّ إقرار القانون اليوم سيفتح المجال امام ابواب هدر وفساد جديدة بين الرشاوى في التخمينات وتسجيل المعاملات على أمل ان تبقى للدولة الكمية الكبيرة من الاموال جراء هذه التسويات. لكنه اشار الى انّ المخالفات التي نتحدث عنها اليوم والتي سيتمّ طلبُ تسوية بحقها، تقدّر بملايين الأمتار المربعة. لا يمكن توقّع حجم الإيرادات لكن وبشكل تقريبي فإنّ كلفة تسوية كل متر مربع تراوح بين 20 الى 30 دولاراً، ما يعني انّ الإيرادات مقدّرة بملايين الدولارات.

وأشار ضومط الى انّ المخالفات تكثر خصوصاً في المناطق التي تغيب عنها سلطة الدولة، إذ ليس من السهل القيام بمخالفة كبيرة في بيروت على عكس ما يحصل في المناطق البعيدة عن سلطة الدولة. على سبيل المثال نوع المخالفة في بيروت وتحديداً في ضواحي بيروت لا تتعدى إغلاق شرفة بالأحجار او الباطون وجعلها غرفة، انما في المناطق النائية الواقعة خصوصاً في الاطراف البعيدة عن سلطة الدولة فشُيّدت مبانٍ من دون أيّ مسوع قانوني.

وأشار ضومط الى أنّ هناك العديد من المخالفات التي لا يمكن تسويتها منها على سبيل المثال البناء على أرض الغير، وهذه الظاهرة موجودة بكثرة خصوصاً في الاوزاعي، او مَن بنى حائطاً حجب فيه الرؤية عن جاره… بمثل هذه الحالات يحق للمتضررين أن يعترضوا.

في المقابل، اكد نقيب المهندسين السابق خالد شهاب أنه ضد قانون تسوية مخالفات البناء إنما هناك مخالفات حصلت على ارض الواقع وبالتالي يجب تسويتُها، ولفت الى انه لا يؤيّد مقولة إنه مهما طال الزمن سيأتي قانون لتسوية اوضاع المخالفين وبالتالي سيتشجع المواطن على المخالفة، انما رأى انّ المخالفات التي مضى عليها أكثر من 25 عاماً يجب البحث عن حلول لها، لأنه خلال هذه الفترة لم تتغيّر مخالفات البناء وحسب، إنما تغيّرت ايضاً جغرافية البلد وديموغرافيته، لذا يجب إيجاد حلول لمخالفة القوانين المرعية الإجراء. وأوضح أنّ من شأن تسوية مخالفات البناء أن تتيح لصاحب المخالفة بعد تسوية وضعه بأن تصبح وضعية المبنى قانونية وبالتالي يمكنه بيعه او التصرف به.

وشرح شهاب انّ القانون الحالي يشبه القانون 94 / 324 الذي سبق وصدر في العام 1994 ويفيد بأنّ كل المخالفات التي حصلت من العام 1971 لغاية 31-12-1993 قابلة للتسوية وفقاً لمواد القانون، واعتبروا ان كل مخالفة تحصل بعد هذا التاريخ لا تجوز تسويتها. أما القانون الجديد الذي أُقرّ من يومين فلم يلغِ القديم انما مدد تاريخ التسوية لغاية تاريخ 31-12-2018. وعليه يمكن القول إنّ التسوية تشمل المخالفين من العام 1971 الى 2018 اي تمتد على 47 سنة. وذكر شهاب انّ تسوية المخالفات تشمل الابنية المشيّدة من العام 1971 لانه في الماضي صدر قانون 646 اعتبر فيه ان كافة الابنية المنجزة قبل العام 1971 هي قانونية.

وأوضح رداً على سؤال، ان كلفة التسوية تختلف باختلاف قيمة التخمين العقاري، فالذي خالف بالبناء منذ 20 سنة ليس كالذي خالف منذ سنتين لأنّ قيمة التخمين تختلف. كما اعتبر القانون انّ كل مَن خالف اعتباراً من العام 2012، لن تطال مخالفته ايّ حسومات، ما يعني ان التسوية ستكون باهظة، اما من خالف من بعد العام 2007 الى تاريخ 31-12-2011 فيلحق التسوية على مخالفته حسومات قد تصل الى 30%، أما المخالفة في البناء الواقعة بين الاعوام 2003 و 2006 فتصل نسبة الحسومات الى 40 في المئة، اما المخالفات الواقعة من العام 1972 فيلحقها حسم بنسبة 50%. ما يعني انّ قيمة المخالفة تتحدد وفق تاريخ تنفيذ المخالفة، المنطقة التي حصلت فيها المخالفة، نوع المخالفة، والتخمين، واذا أُنجزت التسوية خلال فترة معينة من اصدار القانون سيلحق المخالف حسم على معاملته.

وعن تقديراته للايرادات التي يمكن تحصيلها جراء هذا القانون، أكد شهاب ان المخالفات كثيرة والاموال ستكون طائلة، ولا يمكن احصاؤها خصوصا تلك المتأتية من تسوية مخالفات البناء من خارج بيروت وتحديداً من الاطراف اي البقاع وبعلبك وعكار والجنوب، حيث تم بناء المنازل من دون رخص ومن دون ايّ مسوغ قانوني.