Site icon IMLebanon

الدستور والطائف: محاولات الإنقلاب ومسارات المواجهة

 كتب أحمد الأيوبي في صحيفة “اللواء”:     

بين يدي الملف

تحت وطأة العدوان السياسي المتواصل الذي يتعرّض له إتفاق الطائف ووثيقة الوفاق الوطني، من خلال سلسلةٍ لا تنتهي من الإنتهاكات التي يحاول القائمون بها تحويلها إلى أعرافٍ سارية المفعول، من خلال الإستعانة بسلاح «حزب الله» وإستغلال التعطيل لفرض قانون إنتخاباتٍ أنتج سلطةً غالبيتـُها معادٍ للطائف ويريد إسقاطه بكل الوسائل والطرق.

أصبحت حماية الدستور شعار المرحلة، وهنا كان هذا الإستطلاع حول ما أصبحت عليه الآن الممارسات السياسية ومدى مطابقتها للدستور أو خروجها عنه، وما هي الآثار والتداعيات لهذا التحوّل الكبير.

من هنا استقرأنا آراء فقهاء الدستور ورجال الطائف حول ما نشهده من تحوّلات: العلامة الدكتور حسن الرفاعي الذي وضع النقاط على الحروف وحذّر من أخطر فوضى يشهدها لبنان في هذا العهد، والنائب السابق بطرس حرب في مقابلة تقييمية شاملة وإستعادة لمبادئ الطائف، ونتوقف عند ما سجّله ووثقه النائب أنور الخليل من خروقاتٍ دستورية موصوفة سطرها في سلسلة رسائل إلى رئيس الجمهورية حملت الكثير من الإضاءات على حقيقة الواقع الدستوري، نلقي عليها الضوء بالتفصيل ونقرأ أبعادها، وكذلك وقفنا على آراء الوزير السابق الدكتور خالد قباني ومساهماته الهامة في هذا المجال، وفي هذا الملف أيضاً قدّم المحامي نشأت الحسنية رؤيته لمجمل الإشكالات الدستورية المطروحة اليوم.

الثأر من الطائف

منذ عودته من منفاه في فرنسا، رفع العماد عون شعارات القوة المسيحية وإستعادة الصلاحيات، وتماشى مع طرح «حزب الله» حول تغيير النظام السياسي أو ما عُرِف بالمؤتمر التأسيسي، ليعود بعدها إلى إعتماد إستراتيجية تفريغ إتفاق ودستور الطائف من مضمونه وفرض وقائع و«أعراف» تناقض المقاصد الدستورية والوطنية للإتفاق الذي أنهى الحرب اللبنانية.

يبدو الصراع على قضية الصلاحيات الدستورية وكأنه إستئنافٌ سياسيٌّ للحرب اللبنانية من حيث إنتهت، لأن من يعتبر نفسه خارج إتفاق الطائف يريد، بعد أن دارت الأيام دورتها ووصل إلى سدّة الحكم، أن يثأر من هذا الإتفاق وينهي مفاعيله في إطار حربٍ باردة تتصاعد حرارتـُها كلما تقدّم مشروع الإنقضاض على الدستور، مع ما يحمله من مخاطر على التركيبة والكيان والتوازنات والعيش المشترك.

بطرس حرب يتحدث

في حوار من جزأين، يقدّم النائب والوزير السابق بطرس حرب إلى «اللواء» قراءة سياسية شاملة وجردة حساب لرحلة إتفاق الطائف وكيف تعرّض للإنتهاك في وقتٍ مبكر على يد النظام السوري بشكلٍ تسبّب بالضرر لأركانه وقواعده وأحدث إنحرافاً أصاب الحياة السياسية في لبنان بخروقات كبرى، وصولاً إلى ما نراه اليوم من تنازع على الصلاحيات الدستورية وجدل حول صلاحيات رئاسة الحكومة وصداماتٍ ميدانية وخطابٍ طائفيّ متفشٍ يعيد نبش القبور وإحياء خطاب الحرب وأجوائها.

الضرب المبكّر للطائف

رأى النائب والوزير السابق بطرس حرب أن «ما جرى بعد الطائف جعل النظام السياسي في لبنان يعمل في ظل ظروف لم تسمح بإحترام هذا الإتفاق لا نصاً ولا روحاً، لافتاً إلى أن الطائف وُضع ليلتزم به اللبنانيون ويحترمه السوريون والعالم. إلا أن إحتلال صدام حسين للكويت أوجد حاجة لدى الدول الغربية، ولا سيما الولايات المتحدة الأميركية، لأن تقوم بحربٍ لتحرير الكويت، وسعت واشنطن لإقامة تحالف مع دول عربية وإسلامية، كي لا يظهر كأن ما يجري حربٌ من دولة مسيحية على دولة عربية، فكانت سوريا أحد العناصر في المسعى الأميركي لتكون شريكاً في هذه العملية ولو ظاهرياً.

وتابع حرب: حصل حينها إتفاق بين واشنطن ودمشق على تجاوز ما تمّ الإتفاق عليه في الطائف وإطلاق يد حافظ الأسد في إدارة شؤون لبنان، وبالتالي خرق المبدأ الأساس الذي قام عليه إتفاق الطائف لناحية إستعادة اللبنانيين لسيادتهم  وقرارهم الحر وخروج القوات السورية تدريجياً من لبنان ضمن برنامج محدّد زمنياً حسب ما نصت عليه وثيقة الوفاق الوطني.

هكذا قوّض الأسد الطائف والسيادة

يقول حرب إنه منذ ذلك الحين «وضعت سوريا يدها على لبنان بصورة كاملة، وأصبحت تتدخل في كل شؤون لبنان وتتصرف بالطائف وفق مصالحها وأولوياتها بدون حسيب أو رقيب، وحكمت لبنان طيلة هذه الفترة ودمرت النظام السياسي الديمقراطي، وبالتالي أسقطت مناهضيها وسجنت المتمسكين بالطائف وإضطهدت من كانوا يعترضون على خرق الدستور، ومنهم أنا شخصياً، فحاربوني في إنتخابات 1996 ومنعوني من تشكيل لائحة جدية في دائرة الشمال ومنعوا أي مرشح جدي من التحالف معي بغية استفرادي وإسقاطي، الأمر الذي دفعني لتشكيل لائحة ناقصة من 13 شخصية سياسية، من أصل 28 مقعداً، باعتبار أن الانتخابات كانت تجري في محافظتي عكار والشمال معاً وعلى 18 مقعداً، وتمكنتُ رغم كل هذا الضغط من إستدراج ردة فعل شعبية على التدخل السوري سمحت بأن أسجل أعلى الأرقام الإنتخابية في ذلك الإستحقاق ونجحتُ ضد الرغبة السورية» بإقصائي وإسكات صوتي المعارض لدور سوريا ولخرق إتفاق الطائف.

سلاح «حزب الله» إضعاف لمشروع الدولة

خلال الوجود السوري تمكن السوريون والإيرانيون من بناء منظومة عسكرية في لبنان إسمها «حزب الله»، تحت شعار تحرير لبنان من الإحتلال الإسرائيلي وقد تمّ التحرير عملياً عام 2000 عندما إنسحب الإسرائيليون من الجنوب، إلا أنه عندما شعرت سوريا بحتمية خروجها من لبنان عام 2005، طلبت إلى السلطة اللبنانية التي كانت خاضعة لها تعديل الخرائط الرسمية وإضافة مزارع شبعا إليها، بحيث تبقى منطقة لبنانية تحت الاحتلال الإسرائيلي، ويبقى مبرر وجود السلاح خارج إطار الشرعية قائماً ومبرراً. فتم تعديل الخرائط الرسمية للدولة اللبنانية وأضيفت مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، وهي أراضٍ يسكنها لبنانيون إحتلتها سوريا وإستولت على مخافر الدرك اللبنانية وحاولت إرغام اللبنانيين على حمل الهوية السورية بدل هويتهم اللبنانية، فرفضوا حينها، وهذا يعني أن الخلاف مع سوريا هو حول هوية هذه الأرض وليس حول هوية الناس الذين يقطنونها، وهل هم لبنانيون أم سوريون، أما احتلالها من قبل إسرائيل فلقد حصل في حرب 1973، حيث استولى جيش العدو على هذه الأرض الخاضعة للسيادة السورية.

إستشهاد الحريري: الوصاية الإيرانية وإتفاق الدوحة

يشرح بطرس حرب: بعد إستشهاد الرئيس رفيق الحريري حصلت ردة فعلٍ دولية دفعت إلى إنهاء الوجود السوري في لبنان وصدرت قرارات هامة، ومنها القرارين 1559 و1701، اللذين نصّا على خروج الجيش السوري من كل الأراضي اللبنانية بسرعة وبدون أي تأخير وعلى حل كل الميليشيات وحصر السلاح بيد السلطة الشرعية اللبنانية.

لم تنفذ هذه القرارات الدولية، وبقي السلاح غير الشرعي مستمراً بيد  «حزب الله»، ما جعل الوصاية السياسية تنتقل من النظام السوري إلى إيران من خلال فائض القوة الذي يتمتع بها حزب الله، ما سمح له بالتحكم بالحياة السياسية، وقد إستعملوا هذا السلاح في 7 أيار 2008 واحتلوا بيروت وعطلوا إنتخابات رئاسة الجمهورية،  ما إضطرنا لإيجاد مخرج، فذهبنا إلى الدوحة، حيث تم تعديل (مؤقت وإستثنائي) لما تم الاتفاق عليه في الطائف، وتم الاتفاق على توزيع المراكز الحكومية وعلى ترؤس الرئيس الحريري للحكومة، خلافاً للنص الدستوري القائل بأن رئيس الجمهورية يكلّف رئيس الحكومة بعد إستشارات نيابية ملزِمة، ويصدران بالإتفاق فيما بينهما مراسيم تشكيل الحكومة.

وأوضح حرب أنه «في الدوحة اضطررنا للقبول بضرب هذه القاعدة الدستورية، وأنا كنتُ موجوداً، وكانت قوى 14 آذار أمام خيارين: إما الموافقة على حل يضع حداً للفراغ الرئاسي والعودة إلى الحياة الطبيعية، أو استمرار التوتر الناتج عن إحتلال «حزب الله» لبيروت وبالتالي تعطيل الدستور وبقاء الجمهورية مقطوعة الرأس لعدم وجود رئيس منتخب، وبالتالي سقوط النظام السياسي.

أصل بدعة الحصة الرئاسية

وسجّل حرب أن «الخرق الأول في الدوحة تمثل في الإتفاق خارج مجلس النواب على من سيكون رئيساً للجمهورية، والخرق الثاني الاتفاق على شخصية رئيس الحكومة قبل الاستشارات النيابية الملزمة، والخرق الثالث الاتفاق على توزيع عدد المقاعد الوزارية على القوى السياسية وسلب رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء المكلف حق توزيع الحقائب، والخرق الرابع إعطاء رئيس الجمهورية عدد من الوزراء (ثلاثة وزراء في الحكومة)، وهي مسألة ليست واردة في الدستور، بل إنها خرق أساسي للدستور، لأن رئيس الجمهورية هو رئيس كل مجلس الوزراء وكل الوزراء وزراؤه، ولا يعقل أن يكون له وزراء، في وجه بقية الوزراء، فيتخاصمون مع الآخرين حول ما يريد الرئيس في تفاصيل قرارات الحكم، وهذا ما يُفقد رئيس الجمهورية دوره كحَكَم وضابط للعبة السياسية والديمقراطية».

وأبدى حرب أسفه لأن «هذا الخرق الذي تم اعتماده كحالة إستثنائية للخروج من الأزمة، إستفاد منه «حزب الله» وحلفاؤه ليفرضوا أن يكون لرئيس الجمهورية حصة من الوزراء في كل حكومة تتشكل، أسوة بكل الكتل النيابية الأخرى، بينما رئيس الجمهورية ليس كتلة نيابية ولا قوة سياسية تواجه قوى أخرى، بل هو رئيس كل اللبنانيين موالين ومعارضين ورئيس كل السلطات ورئيس كل البلد ورئيس مجلس الوزراء، وبالتالي هو الحَكَم في الخلافات بين الوزراء، وهو ليس بمستوى وزير يصوّت أو صوت يرجـّح، بل إنه لا يصوِّت لأنه أهم من الموقع الوزاري.. وهو راعي الحوار في الحكومة، وإذا أحسن لعب هذا الدور يكون رأيُه الأفعل لأن الجميع يحترمونه لأنه ليس لديه غاية خاصة»، وقد تمكن حزب الله من فرض تشكيل حكومات إئتلافية تتمثل فيها معظم الكتل النيابية الأساسية كشرط للموافقة على الحكومات وللمشاركة فيها، وذلك بانتظار إلغاء الطائفية السياسية حسب زعمه.

الخروقات المتمادية: فرض الفراغ

 

يقول حرب: «تمادت الخروقات أبعدَ فأبعد، عبر الموقف الذي إتخذه «حزب الله» من الانتخابات الرئاسية، وفرض انتخاب مرشح رئاسي واحد، وإلا لن يكتمل نصاب جلسات الانتخاب، ما أدى إلى تعطيل الانتخاب عامين ونصف العام، وهو ما أدى إلى إيقاع البلد في حالة فراغ أضعفت بعض القوى السياسية الممانعة لهذا الخط، بدءاً بالرئيس سعد الحريري الذي وضع نفسه بين خيارين: إما أن تبقى الدولة في حالة الفراغ مع المخاطر الناتجة عنها، وإما أن يقبل بتسوية تؤدي إلى وصول أحد وجوه 8 آذار، وهنا كان التحوّل الكبير عندما تنازلت قوى 14 آذار عن تمسكها بحقها بأن يكون رئيس الجمهورية منها، لا سيما وأنه معروف أن رئيس مجلس النواب هو من قوى 8 آذار، وأنه يقتضي سعي قوى 14 آذار ليكون رئيس الجمهورية منها وعلى الأقل محايداً، حفاظاً على التوازن السياسي باعتباره يشكل  ضمانة اللعبة السياسية».

غياب المعارضة يسقط النظام الديمقراطي

ينبـّه حرب بأن «إتفاق الطائف لم يعد ذاك الاتفاق الوطني الذي أنقذ لبنان ويفترض احترامه من اللبنانيين بكل أطرافهم، بل حولته الظروف إلى «قميص عثمان» يستعمله كل فريق إذا كانت له مصلحة بإستعماله، ووفقاً لمصالحه، ويفسره على هواه.

ويضرب حرب مثالاً على ذلك قول أمين عام «حزب الله» حسن نصرالله إنه لا يمكن أن نشكل حكومة في لبنان إلا حكومة وفاق وطني حتى إلغاء الطائفية السياسية، وهذا قول خاطئ ومخالف لإتفاق الطائف بالمطلق، لأن إعتماد تشكيل حكومة وفاق وطني، جمع كل القوى السياسية المتناقضة التوجهات وبصورة دائمة، يحوّل الحكومات إلى حكومات وفاق وطني وإلى حلبة صراع مفتوحة، تـُسقط المعارضة، وهذا يعني سقوط النظام السياسي البرلماني لأن الائتلاف الدائم يمنع المحاسبة، فنصبح أمام نظام أوليغارشي كما هو اليوم: خمس أو ست قوى وعلى رأسها بضعة أشخاص يقررون خارج المؤسسات الدستورية ما يجب عمله، ولا يبقى للمؤسسات الدستورية إلاّ البصم، بالإضافة إلى أن  ما يريده «حزب الله» يمشي، وما لا يريده لا يمكن أن يمشي، لأنه قادر على تعطيل أي قرار وعنده من القوة ما يسمح له بهذا التعطيل، وهذا واضح من خلال قراءة الأحداث.

ويضيف: اليوم مثلاً، مجلس الوزراء معطل لأن «حزب الله»  وحليفه التيار الوطني يدعمان النائب طلال أرسلان في مطلبه إحالة حادثة قبرشمون إلى المجلس العدلي، ولولا هذا الدعم، كان مجلس الوزراء ينعقد الآن بشكلٍ طبيعي. والواقع أن هذا الحادث أدّى إلى تعطيل الحكومة بنتيجة دعم مطلب إحالة الحادثة إلى المجلس العدلي. ومن المعيب أن يعلن فريق حكومي أنه يثق بالمجلس العدلي ولا يثق بالقضاء الجزائي العادي أو بالمحكمة العسكرية.

العودة للطائف إنقاذ من الإنهيار

يرى حرب أنه «إذا لم نعد إلى الطائف ولم نحترم البنود التي إتفقنا عليها، وإذا لم نعد إلى روحية الطائف، فإن لبنان سيسقط. فالنظام السياسي في لبنان لا يمكن أن يستمر، لأن ما يجري الآن سيؤدي في النتيجة، إما إلى حرب أهلية جديدة، وإما إلى هجرة القسم الأكبر من اللبنانيين الذين يؤمنون بالنظام الديمقراطي وباتوا يعيشون اليوم في نظام غير ديمقراطي. وأبدى حرب غضبه من كون «المسؤولين لا يشعرون بخطورة الوضع الذي وصلنا إليه، وأنهم إذا إستمروا في ما هم عليه، فأنا لا أرى مخرجاً ولا حلولاً للأزمة، والبلد لا يمكن أن يستمر على هذا الوضع، وسيحصل إنفجار اجتماعي لأن الناس ستجوع والنظام معطّل، وعملية التهييج الغرائزي الطائفي والمذهبي، المعتمدة بصورة خاصة من وزير الخارجية الذي يرأس أكبر كتلة نيابية، ستؤدي إلى إعادة إحياء هذه النعرات، وبالتالي إلى مواجهة بين الطوائف اللبنانية بدأت تجلياتها الأولى مع وليد جنبلاط، الذين يسعون إلى ضرب أرجحيته في الزعامة لمصلحة الفريق المضاد، المدعوم من إيران وسوريا و«حزب الله» وباسيل، في إطار عملية حصار منظمة لجنبلاط.

الإستقامة مستبعدة

يصارح حرب اللبنانيين بالقول: «أستبعد أن يستقيم أداء من يقوم بحملات تخريب الطائف، لأن كل واحد منهم لا تعنيه مصلحة البلد بل تعنيه مصلحته الخاصة، ومن هنا فإن الصدمة التي قد تنتج عن الإنهيار الإقتصادي والإجتماعي، الذي أراه حاصلاً، قد تكون الصدمة التي توقظ ضمير المسؤولين وتدفعهم للعودة إلى السياق الدستوري الضامن للإستقرار والوحدة. فالخوف لدي ليس من حجم الأزمات أو عددها أو عمقها، فخوفي الحقيقي ناجم من نوعية أداء المسؤولين في إدارة البلاد وعجزهم عن إيجاد الحلول الملائمة، بل أكثر من ذلك خلقهم لمشكلات إضافية تزيد الطين بلّة.

التنكر للطائف دعوة مفتوحة للحرب مجدداً

حذّر حرب من «أن اللبنانيين عموماً والمسيحيين خصوصاً يغادرون البلد لأن طريقة إدارة شؤونه وتكريس هيمنة السلاح غير الشرعي وتحويل القضاء إلى زواريب لخدمة المحاسيب على حساب العدالة، كل هذا يؤدي إلى تهجير اللبنانيين ويمنع الإستثمار في لبنان، لذلك لم يعد أحد يستثمر في لبنان، ولدينا قرابة 50 ألف شاب لبناني يتخرجون سنوياً يفتشون عن فرص عمل لا يجدونها فيسافرون للخارج.. فلبنان يفرغ من طاقاته الشابة، وقلوب هذه الطاقات تفرغ من أي ثقة بالبلاد وبمسؤوليه.

ويؤكد حرب أن زعم  باسيل أنه يريد إسترداد حقوق المسيحيين التي سُلبت غير صحيح لأن كل الأطراف تنازلوا في الطائف لوقف الاقتتال وتكييف آلية الحكم الدستورية مع الواقع إنطلاقاً من تصميمهم على المحافظة على وحدة لبنان ودولته وشعبه من خلال تلبية طلب المشاركة في السلطة من المسلحين مع المحافظة على حقوق الجميع وعلى نهائية لبنان. فإتفاق الطائف لم يوافق عليه النواب المشاركون في جلساته فقط، بل وافق عليه كل زعماء لبنان المسيحيين، من كميل شمعون إلى بيار وأمين الجميل إلى سليمان فرنجية في أوراقٍ سابقة، وقد أعلن رئيس الجمهورية الحالي العماد ميشال عون موافقته على ما تضمنه إتفاق الطائف من إصلاحات سياسية، وحصر رفضه آنذاك في الشق المرتبط بالوجود السوري. فالتنكر لهذا الواقع وكأنه لم تحصل حرب ولم نخسر 200 ألف قتيل وليس لدينا حوالي 200 ألف معوّق ولم يتعرض البلد للتدمير، وتناسينا لهذه المآسي واعتبارها وكأنها لم تحدث، فهذا يعني «عزيمة» على الحرب الأهلية من جديد، وهذه جريمة تـُرتكب بحق اللبنانيين عامة، وبحق المسيحيين بصورة خاصة.

إن الإصلاحات الدستورية التي وافقنا عليها في الطائف لم تكن تنازلات من طرف لمصلحة طرف آخر، بل كانت لمصلحة الوطن وشعبه، لإنقاذ لبنان من حرب مدمّرة ولإنقاذ شعبه من استمرار الاقتتال ولوقف هدر الدماء وللحؤول دون هجرة المسيحيين من لبنان. وليس من المفيد بشيء التذكير بمن أضعف وضع المسيحيين بسبب الحروب العبثية ومن دفع الجميع إلى عقد إتفاق الطائف.