Site icon IMLebanon

قلق على مصير الودائع والقوة الشرائية

كتب ذو الفقار قبيسي في صحيفة “اللواء”:

 

تتواصل الجهود للحصول على قروض ومساعدات وهبات دولية وعربية، في طليعتها حصيلة مؤتمر «سيدر» بـ11 مليار دولار لم يجر تفعيلها الا جزئياً، ووسط مقترحات باللجوء إلى صندوق النقد الدولي لم تلق حتى الآن تأييداً، بالنظر لما تتضمن من أعباء أهمها انها قد تؤدي إلى وضع لبنان في قيود سياسية وهذا في وقت تستمر الجهود محلياً في آليات نقدية للتخفيف من الآثار السلبية الناتجة عن شح الدولار لدى المصارف التي تواصل التقنين إلى الحد الأدنى من السحوبات النقدية الأسبوعية.

في هذا الوقت يستمر الخطرالمزدوج الذي يشغل بال المودعين في المصارف بين الخوف أولاً على حجم ودائع الدولار بأسلوب الـHair Cut الذي اعتبره حاكم مصرف لبنان في «خانة المستحيل»، والقلق ثانيا على تراجع القوة الشرائية لودائع الليرة اللبنانية، اضافة الى إهمال دولة لبنانية غافلة عن «منظومة كاملة» من الهدر والفساد والتي اذا سقطت، واستعادت الدولة حقوقها، سوف لن تحتاج الى أموال لا عبر زيادة الضرائب ولا عبر القروض أو المساعدات أو الهبات، ولا عبر «الآمال» التي تعقدها على مؤتمرات دولية تشترط للمساعدة شروطا لا يبدو ان بوسع الدولة اللبنانية تحقيقها في «منظوماتها» الحالية التي تنهب خلالها مليارات الدولارات في عديد المرافق: من التهريب الجمركي بنسبة 70% في التجارة الى لبنان، وبكلفة أكثر من 1,5 مليار دولار سنويا، الى حوالي 30 مليون مربع مستولى عليها في الأملاك الدولة البرية والبحرية لا تعطي الدولة سوى 150 مليار ليرة سنويا في حين أنه اذا احتسبنا اشغال 10 دولارات فقط عن كل متر فسوف تحصل الدولة على 300 مليون دولار (فكيف اذا احتسبنا الرقم الأعلى الذي يزيد من هذا المبلغ بما يخفض جزءا كبيراً من عجز الموازنة) واذا أضيف الى كل ذلك التهرب الضريبي سواء من الشركات أو الأفراد سيتحول  الجزء الأكبر من عجز الموازنة 6 أو 7 مليارات دولار الى فائض يغني الدولة عن الاقتراض وعن المساعدات والهبات وعن أسلوب الـCrowd out الذي تستولي به الدولة على تسليفات شعبية ودولية مصرفية هي للقطاع الخاص وليس للقطاع العام الذي يفترض أن يؤمن موارده الذاتية من الضرائب والرسوم وليس من ترك التهرب من الضرائب على الغارب، (كما في لائحة الوكيليكس الحافلة بأسماء شركات ومؤسسات وأفراد) أو من اللجوء الى قرارات غير شعبية مثل زيادة الأعباء الضريبية العالية على المواطن، أو من حرمان الاقتصاد المنتج من الأموال بما يترك البلد في حال ركود اقتصادي و»نشفان» نقدي ومالي في ارتفاع متواصل في الدين العام لا سيما خلال الـ14 عاما الأخيرة:

تصاعد الدين العام

العام مليار دولار

2005 38,5

2006 40,4

2007 42,0

2008 47,0

2009 51,1

2010 52,6

2011 53,7

2012 57,7

2013 63,5

2014 66,6

2015 70,3

2016 74,9

2017 79,5

2018 85,1

وهذا في وقت تجاهلت وتتجاهل الحكومات اللبنانية مبدأ أن الهدف من الضرائب ليس هدر الأموال، وانما استثمار عائداته في المشاريع التي تزيد في معدل النمو وتخفض الفوارق بين الفقراء والأغنياء عن طريق اعادة توزيع الثروات بما يضمن الاستقرار الاجتماعي والأمني. وهذه العائدات لا تأتي في غالبيتها من فروع وجزئيات مثل ضريبة القيمة المضافة (الـTVA) كما هو حال الدولة اللبنانية، وانما خصوصاً من الضرائب التصاعدية، حتى لا نطبق ضرائب أخرى متعددة معمول بها في الدول المتقدمة، منها على سبيل المثال «الضرائب على الرساميل» التي تتجمع لدى مجموعات في غاية الثراء، وتسمى في فرنسا «مظاهر الثروة»، أو ما يسمى في بريطانيا بـ»الوثيقة الخضراء» أو من استبدال الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما رفع ضريبة الـT.V.A. بفرض ضريبة 5% على أثرياء الولايات المتحدة، وساهمت في التغلب على الصعوبات التي يعاني منها الاقتصاد من تباطؤ النمو الى معدل متدن قياسي في حينه (1,3%) مع بلوغ التضخم (3,9%) وبطالة تصل الى أكثر من (9%). وقد فرضت الحكومةالأميركية تلك الضريبة برغم ان ناتج الولايات المتحدة الاجمالي أكثر من 20 ترليون دولار بما يكاد يبلغ مجموع الناتج الاجمالي للصين واليابان والمانيا وفرنسا معا!

وجانب هذه الأنواع من الضرائب على الأرباح وعلى مظاهر الثروة هناك أيضاً ضرائب عالية جداً على الميراث قد تصل في بعض البلدان تصاعدياً الى نسبة 40%. كما أيضاً الضريبة على الفارق الناتج بين سعر شراء العقار (أو ممتلكات ولو حتى اللوحة الفنية!) وسعر بيعه أو ما يسمى CAPITAL GAIN TAX بما قد يصل في بعض الحالات تصاعدياً الى نسبة 60%  وكل هذه الضرائب في حال تطبيقها في لبنان ـ اذا طبقت! ـ ستكون بالطبع أقل بكثير من الأنواع المتعددة من الضرائب التي تطبق في بعض الدول المتقدمة ومنها على أرباح عمليات التداول العقاري، أو أرباح الأسهم أو عن أي نوع من «المتاجرة» حيث تطبق عندها الضريبة على الفارق بين سعر الشراء الأصلي وسعر البيع النهائي.

والأهم ان من الشعارات التي طرحت في الماضي السحيق الأميركي NO TAXATION WITHOUT REPRESENTATION هي «أن لا يدفع المواطن أي ضرائب في حال ان السلطة التشريعية لم يجر انتخابها بصورة ديموقراطية أو شرعية، أو اذا كانت الضرائب مفروضة من قبل سلطة لا تسأل لصوص المال العام عن «من أين لك هذا؟» وهو القانون الذي أجلت الدولة تنفيذه في لبنان لأجل غير مسمى تاركة المجال للمال المهدور أو.. «المنهوب»!