ليس بالأمر البسيط أن تقدم الادارة الأميركية بقيادة الرئيس الأكثر إثارة للجدل دونالد ترامب على تحقيق هدف ثمين بحجم إغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الايراني الجنرال قاسم سليماني. ذلك أن الرجل ليس إلا مرادفا للسياسات الايرانية في الشرق الأوسط، والتي سعت واشنطن بإدراتها المتعاقبة، الجمهورية والديموقراطية على السواء، إلى احتوائها تمهيدا للقضاء على نفوذ طهران في الشرق الأوسط، علما أن سليماني نفسه كان أهم وجوه هذا النفوذ، بدليل تصريحه الشهير الذي كان أعلن فيه عام 2015 أن بلاده “تسيطر على 4 عواصم عربية، وهي بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء”.
وإذا كان المسؤول الايراني الرفيع قد قتل في بغداد تحديدا، فإن من شأن أستعادة هذا التصريح أن توضح أسباب الغموض الذي يلف هذه الدول الأربع غداة مقتل سليماني، على وقع حبس الأنفاس الذي يشهده العالم في انتظار الرد الذي بدأت طهران، في الشكل على الأقل، تعد له العدة.
وفي هذا الاطار، لفتت مصادر سياسية مراقبة عبر “المركزية” إلى أن تصريح سليماني هذا، يؤشر بوضوح إلى أذرع الجمهورية الاسلامية في المنطقة، حزب الله في لبنان وسوريا التي تدخل في أزمتها للقتال إلى جانب نظام الرئيس بشار الأسد عندما كان هذا الأخير يواجه فعلا خطر السقوط، والحشد الشعبي في العراق، والقوات الحوثية في اليمن، ما يعني أن كلا من هذه التنظيمات يبدو معنيا بالرد الذي تستعد له طهران، في وقت يرتفع منسوب المخاوف إزاء قرع طبول الحرب في المنطقة جديا، نظرا إلى ما يعنيه استهداف سليماني بغارة أميركية على مقربة من مطار بغداد. ذلك أن شريط الأحداث في العاصمة العراقية كان سجل في الشهرين الأخيرين احتجاجات دموية ضد التدخل الايراني في شؤون البلاد، دفعت برئيس الحكومة المحسوب على طهران عادل عبد المهدي إلى تفجير قنبلة استقالته في وجه الحلفاء والخصوم على السواء.
وإنطلاقا من صورة الاحتجاجات عينها، تنبه المصادر إلى مغبة إغراق لبنان في أتون الصراع الأميركي- الايراني، والذي أججته بقوة عملية إغتيال سليماني إلى جانب عبد المهدي المهندس، أحد قادة الحشد الشعبي وعدد من الضباط الايرانيين. وفي السياق، تلفت المصادر إلى أن كما في العراق، كذلك في لبنان، أتت العملية التي استهدفت سليماني في وقت كان وطن الأرز يمر في واحدة من أصعب أزماته الاقتصادية، على وقع ثورة شعبية لم توفر المناطق التي لطالما اعتبرت قلاعا محصنة للثنائي حزب الله وحركة أمل.
وتشير إلى أن أمام هذا المشهد، تبدو أهم العبر المفترض استخلاصها من الحدث الدولي في ضرورة الركون الجدي والفاعل إلى اعتماد سياسة النأي بالنفس عن صراعات المحاور، اليوم أكثر من أي وقت مضى، لأن الأولوية يجب أن تعطى للانكباب على معالجة أزمات الناس الاقتصادية والمعيشية ووضع لبنان على سكة النهوض، وإعادة ضخ الحياة في عروق إعلان بعبدا، الذي وافقت عليه كل القوى السياسية، بما فيها حزب الله، في طاولة بعبدا الحوارية في عهد الرئيس ميشال سليمان. لكن المصادر تعترف بأن كل هذا يبقى رهن الإجابات والايضاحات التي من المفترض أن يقدمها الأمين العام لـ “حزب الله” حسن نصرالله في إطلالته المنتظرة غدا، بعدما كان أطلق إشارات مقلقة، من نوع أن الرد على اغتيال سليماني “من مسؤولية جميع المقاومين”.