Site icon IMLebanon

حسّان دياب… مكسر عصا؟

كتب نجم الهاشم في صحيفة نداء الوطن:

يوم الخميس 15 كانون الثاني الحالي بعد اللقاء الذي عقد بين رئيس مجلس النواب نبيه بري والرئيس المكلف تشكيل الحكومة الدكتور حسان دياب كان من المفترض أن يخرج دياب ليتحدث إلى اللبنانيين عن نتائج البحث في ما آلت إليه مفاوضات التشكيل خصوصاً أن هذا اللقاء كان يجب أن يذلل العقبات التي كانت تقفل الطريق أمام ولادة الحكومة. ولكن كانت المفاجأة أن وزير المالية المستقيل علي حسن خليل هو الذي تولى عملية التبشير بالولادة الوشيكة وأن دياب غادر مقر بري في عين التينة من دون أن يدلي بأي تصريح.

لقاء دياب مع بري كان حدثاً بحد ذاته لأنه أتى على عجل في محاولة إنقاذ لآلية تشكيل الحكومة وبعدما كان ساد اعتقاد أن العملية تعرقلت وفشلت وأن بري يريد العودة إلى حكومة لمّ الشمل. وبعدما كان الوزير جبران باسيل على وشك الإعلان عن الرغبة بعدم المشاركة في الحكومة. قبل يومين من هذا اللقاء كان بري قد التقى باسيل في عين التينة ونجح في حمله على التخلي عن موقفه الذي كان سيعلنه بعد اجتماع تكتل لبنان القوي النيابي بعد ظهر الثلثاء الأمر الذي استجاب له باسيل. كانت هناك مؤشرات كثيرة إلى وجود عقد كثيرة وعن مطالبة دياب بالإعتذار عن التكليف والتأليف ولكن ما قام به بري كان محاولة لإعادة ترتيب الأمور تحت ضغط الإنتفاضة الشعبية التي عادت بقوة إلى الشارع يوم الثلثاء وبعد تدخل مباشر من “حزب الله”.

 

في ذلك اليوم كان في إمكان الرئيس دياب أن ينزل من منزله في تلة الخياط ليلاقي المحتجين الذين أقفلوا الشوارع المحيطة به وأعطوه مهلة 48 ساعة ليأتي بحكومة تضم اخصائيين مستقلين ويتبنى فعلاً مطالبهم وأن يستقوي بهم في مفاوضاته مع الأطراف التي سمته ولكنه بدل ذلك اختار السير في الإتجاه المعاكس.

 

الهوية الغامضة

 

لم يأت دياب من نادي السياسة أو من نادي العائلات أو الأحزاب. ثمة غموض كبير أحاط بشخصيته وبسيرته لم يحاول إماطة اللثام عنه بل زاده سواداً. لا يُعرف مثلاً لماذا يتهرب من مواجهة الرأي العام والصحافة والإعلام. والمعلومات المتوفرة عنه بقيت قليلة على رغم أنه يقوم بمهمة قد تعتبر تاريخية في ما لو كان أحسن استغلالها واستثمارها.

 

على عكس رؤساء الحكومات السابقين كان هناك عناء في البحث عن شخصية الرئيس الجديد وسيرته. ما تسرب عنه لم يتعدّ إطار المعلومات القليلة العادية. من مواليد بيروت عام 1959. سياسي وأكاديمي لبناني. كان وزيراً للتربية الوطنية في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي في العام 2011. يحمل شهادة دكتوراه في هندسة الكومبيوتر. متزوج من نوار رضوان المولوي ولهما ثلاثة أولاد: بنت وصبيان. انضم إلى الجامعة الأميركية في بيروت في العام 1985. وشغل منصب العميد المؤسس لكلية الهندسة في جامعة ظفار في سلطنة عمان بين العامين 2004 و2006 قبل أن يصبح نائب رئيس الجامعة الأميركية للبرامج الخارجية الإقليمية. وحتى عندما أصبح وزيراً في العام 2011 لم يترك بصمات كثيرة ولم تكن له إطلالة على السياسة من بابها العريض ولذلك بعدما غادر الوزارة لم يسجل له أي نشاط سياسي معلن ومن هنا كانت المفاجأة في طرح اسمه ليكون الرئيس المنتظر لتأليف الحكومة الجديدة التي تنتظرها مهمة تكاد تكون تاريخية.

 

قبل حسان دياب لم تكن هناك مشكلة في البحث عن هوية رئيس مجلس الوزراء. رؤساء الحكومة السابقون في غالبيتهم كانت سيرهم تسبقهم. من رياض الصلح إلى سامي الصلح إلى رشيد كرامي وصائب سلام والحاج حسين العويني وعبدالله اليافي وصولاً إلى رفيق الحريري. حتى مع الرئيس سليم الحص لم يكن الأمر مماثلاً. فقد أتى الحص من زمالة الياس سركيس في حاكمية مصرف لبنان وأكثر من ذلك فهو من عائلة بيروتية معروفة وسريعاً دخل نادي رؤساء الحكومات وسجل حضوراً لافتاً وترك بصمات. ومثله أتى الرئيس أمين الحافظ من طرابلس وإن كانت الإعتراضات السنيّة عليه حالت دون اضطلاعه بمهماته في ظل ظروف الحرب المتفجرة التي رافقت تسميته وكذلك الرئيس تقي الدين الصلح ثم الرئيس شفيق الوزان بين العامين 1980 و1984 وبعده الرئيس عمر كرامي بعد الطائف.

 

البعد عن الأضواء

 

هذا الغموض غير البناء في سيرة حسان دياب لم يصب في خدمته وهو لم يسع بعد إلى الخروج منه ومواجهة “الجمهور” على رغم مرور كل هذا الوقت منذ تمرير تسميته في 19 كانون الأول الماضي في ظل مرحلة كانت تقتضي منه أن يكون حاضراً أكثر وخائضاً المواجهة والمخاطرة بفاعلية بدل الإكتفاء بالإبتعاد عن الأضواء.

 

حتى الذين أرادوا أن يبحثوا عن أخطاء حسان دياب لم يجدوا آثاراً يمكن الركون إليها للتصويب عليه. غير قصة الكتاب الضخم الذي نشره عن “إنجازاته” في وزارة التربية وموضوع التشكيك في جنسيته ومحاولة توظيف ابنه وتسمية مدرسة باسم والدته لم تكن هناك مآخذ عليه. على العكس، أعطي فرصاً لكي يثبت أنه يمكن أن ينجح في تشكيل حكومة تحاكي خطورة المرحلة وآمال الناس في الشارع.

 

منذ تسميته لم يطل دياب إعلامياً إلا مرتين تقريباً في حديثين لمحطتين تلفزيونيتين. حتى عندما توجه إلى قصر بعبدا ليتبلغ من الرئيس ميشال عون قرار تكليفه بعد الإستشارات النيابية اكتفى بتلاوة بيان مكتوب وأجاب على سؤال أو سؤالين وأسرع في المغادرة. خارج هذا السياق لجأ إلى تغريدات قليلة.

 

تغريدات وثوابت

 

قبل تكليفه في 20 تشرين الأول الماضي بعد ثلاثة أيام على انفجار الغضب الشعبي في الشارع كتب على حسابه مغرداً “في مشهد تاريخي مهيب، انبرى الشعب اللبناني موحداً للدفاع عن حقه في حياة حرة كريمة من بيئة وصحة وتعليم وعمل شريف… له تنحني الهامات وترفع الدعوات بغد أفضل ينعم المواطنون فيه بكامل حقوقهم، ويعود للبنان مجده وتألقه وازدهاره بلداً للتعايش والتسامح وللعيش الحر الكريم”. وفي 3 تشرين الثاني كتب: “لا تسمعوا ما يقولون بل راقبوا ما يفعلون”. أما في 20 كانون الأول بعد يوم واحد على تسميته فقد كتب:” المسؤولية في قيامة لبنان كبيرة والجميع على علم بالتحدي الاقتصادي والمالي الذي يمر به البلد. لنبدأ بمسيرة جديدة تشبه إرادة الشعب. مطالبكم محقّة وهي تشكل قاعدة لبناء دولة جديدة. الوضع لا يسمح بإضاعة الوقت. سأكثف الاستشارات من أجل الوصول إلى النتيجة التي يتمناها اللبنانيون”. ثم أضاف في تغريدة أخرى:”الحكومة الجديدة ستكون وجه لبنان ولن تكون حكومة فئة سياسية من هنا وهناك وستكون حكومة اختصاصيين بامتياز… عشت مستقلاً وسأبقى مستقلاً أما التصنيفات فلا تعني لي شيئاً، القضية الرئيسية تتمثل في تحقيق نهضة لبنان والوصول إلى النتيجة التي يتمناها اللبنانيون”.

 

اللبنانيون الذين تحدث عنهم الرئيس المكلف دياب استبشروا خيراً من هذا الكلام. في 10 كانون الثاني الحالي خرج ببيان معبر عندما كتب عن الخطوط التي يلتزمها في عملية التشكيل. قال: “…ان الكتل النيابية وسائر النواب، سياسيين ومستقلين، قد كلفوني تشكيل حكومة على قاعدة أني مستقل ومن فئة التكنوقراط. وقد تم الاتفاق منذ البداية مع الافرقاء كافة على الإطار العام للحكومة، والذي يتضمن العناوين التالية:

 

– حكومة مصغرة من 18 وزيراً ووزيرة.

 

– فصل النيابة عن الوزارة.

 

– حكومة اختصاصيين غير حزبيين.

 

– مشاركة المرأة بحصة وازنة.

 

– إلغاء منصب “وزير دولة”.

 

– عدم مشاركة وزراء حكومة تصريف الأعمال التي أسقطها الحراك الشعبي.

 

منذ لحظة التكليف، أطلقت ورشة البحث عن الكفاءات والخبرات اللبنانية، في الوطن والخارج، وسعيت لأن تكون هذه الكفاءات ضمن فريق عمل حكومي متجانس يتلاءم مع المعايير التي تم الاتفاق عليها في الإطار العام، ليس لأننا ضد الأحزاب وإنما لأننا نلمس غليان الشارع ونسعى للتجاوب مع هواجسه في هذه المرحلة الاستثنائية من تاريخه. وقد يكون عدم انغماس أعضاء هذا الفريق في السياسة وصراعاتها هو شهادة لهم وليس عليهم وفرصة في هذه المرحلة الدقيقة لادارة الدولة بحكمة وجدارة وشجاعة لوقف الانهيار والنهوض بالبلد.

 

أنا اليوم أجدد التزامي بالمعايير التي وضعتها لتشكيل الحكومة، استناداً إلى الإطار العام المتّفق عليه، لأنني مقتنع بأنها قد تشكل خشبة خلاص لوقف الانهيار الحاد الذي نشهده على كل المستويات في لبنان. وفقاً لذلك، أؤكد أن الضغوط مهما بلغت لن تغير من قناعاتي، وأنني لن أرضخ للتهويل، لأنني مؤتمن على مهمة أعتبرها مقدسة، وسأبذل في سبيلها كل التضحيات وهي شرف لي لأن لبنان أهم منا جميعاً، ولا معنى لوجودنا إذا انهار لبنان لا سمح الله.

 

انطلاقاً من ذلك، لن أتقاعس عن استكمال مهمتي ومتابعة اتصالاتي بالجميع، ولن أقبل ان تصبح رئاسة الحكومة مكسر عصا. سأواصل مهمتي الدستورية لتشكيل حكومة تنسجم مع الإطار العام المتفق عليه: حكومة تكنوقراط مصغرة تؤمن حماية اللبنانيين في الزمن الصعب وتنسجم مع تطلعاتهم، ولديها مهمة محدّدة عنوانها “إنقاذ لبنان. على الله نتوكل، فهو حسبي ونعم الوكيل”.

 

ضياع الفرص

 

هذا البيان ترك قبولاً في الشارع ولدى من لم يسموه بينما ترك استياءً لدى من سموه. على خلفية هذه التحولات كانت مبادرة الرئيس نبيه بري في تخطي العراقيل والعودة إلى خيار دياب. ولكن هل كان دياب على قدر المسؤولية التي حمّلها لنفسه وعبّر عنها؟ هل يمكن الإكتفاء بالتمسك بالعدد على أساس 18 وزيراً وبأن يكون الوزراء من الأخصائيين من دون الأخذ بالإعتبار انتماءاتهم السياسية ومن يسميهم؟

 

في تظاهرات يوم الثلثاء كان هناك كلام كثير في الشوارع ومن أمام منزله أن هناك مراهنة ممكنة عليه. ولكن ما حصل بعد ذلك أطاح بهذه الآمال. ما تسرب عن التشكيلة الحكومية كان محبطاً ومخيباً للآمال ومجدداً لأسباب استمرار الثورة. كان بإمكان دياب أن يحتكم إلى شرعية الشارع لا إلى ثقة النواب الذين سموه. وكان في إمكانه أن يتمسك بورقة الشارع للتفاوض عليها وتشكيل الحكومة التي تلبي احتياجات المرحلة لا رغبات الجهات التي سمته واختلفت على حصصها وأخرت ولادة حكومة اللون الواحد. لماذا لم يبادر مثلاً إلى كسر آلية التشكيل من خلال التحرر من وصاية الثنائي الشيعي أولاً لكي يتاح له التحرر من الوصايات الأخرى بدل أن ينتظر أن يعطوه الأسماء والحقائب؟ ولماذا لم يثبت عملياً أن رئاسة الحكومة التي يشكلها ليست “مكسر عصا” ويتحول فعلاً من خلال هذه العملية إلى مكسر عصا؟ وهل رغبته فقط أن يكون رئيساً للحكومة بأي ثمن؟ لقد أدخل الرئيس دياب نفسه في نفق التنازلات الذي لن يكون بإمكانه بعد ذلك الخروج منه وتخلى عن أوراق القوة التي كانت بين يديه. فهل يعقل أن يستمر في التفاوض على توزير الدكتور دميانوس قطار؟ وهل يعقل أن يقبل قطار أن يكون وزيراً في حكومة كهذه تم فيها وضع اسمه قيد التداول من وزارة الخارجية إلى وزارة الإقتصاد إلى وزارة العمل؟ وهل يمكن أن يعود دياب إلى خط العناوين التي حددها بعدما أظهرت التطورات أنه دخل أيضاً في عملية تقاسم الحصص؟ لقد تحدث عن مهمة صعبة في هذا “المشهد التاريخي”. ولكن هل دخل فعلاً هذا المشهد أم وضع نفسه خارجه؟

 

يوم أمس وبعدما تعرقلت مجدداً عملية تشكيل الحكومة تحت ضغط الإختلاف على الحصص بعد توقع ولادتها صدر بيان عن مصادر مقربة من دياب ورد فيه أنه متمسك بالإطار العام الذي حدده لتشكيل الحكومة وبأنه يرفض اعتماد النهج القديم سواء أكان واضحاً أم مستتراً ويصر على أن تتمتع الحكومة بمصداقية أمام الناس وعدم القفز فوق انتفاضة اللبنانيين وتجاهل الواقع والوقائع. ولكن هل هذا ما تم الإلتزام به في عملية التشكيل؟ وهل يأتي هذا التكرار متأخراً؟