Site icon IMLebanon

هل يكمل الطلّاب عامهم في “العالم الإفتراضي”؟

كتبت سمر فضول في صحيفة “الجمهورية“:

 

تشبه الدولة اللبنانية حال المريض المُهمَل الذي يصل الى المستشفى في وضع لا يُحسد عليه مُعلّقاً بين الحياة والموت.. وهكذا تتصرّف المؤسسات والإدارات العامة مع الأزمات، تنتظر حتى الرمق الأخير لتبحث عن المخارج والحلول.

لطالما عانى القطاع التعليمي في لبنان من الإهمال بفعل السياسات التربوية المتبعة وغياب خطط التطوير، خصوصاً في القطاع الرسمي على المستويات كافة. واليوم جاء فيروس كورونا ليكشف «عورة» تلك السياسات وتأخرها عن ركب موجة التكنولوجيا التعليمية التي تستند الى طرق التعليم الحديثة وتطبيقات الهواتف الذكية وغيرها من العلوم.

العامل «التشريعي» جزء إضافي من هذا التأخير، فالمشرّع لم يواكب هذا التطور عبر وضع قوانين تنقل التعليم الى «العالم الافتراضي»، بل لا تزال «الحقيبة المدرسية» جزءاً أساسياً من المنهج التعليمي في وقت وجدت الدول المتطورة حلولاً لاستمرار التعليم في «الكوارث».

وفي هذا الاطار، يكشف عضو لجنة التربية والتعليم العالي والثقافة النائب إدغار طرابلسي أنّه تقدّم بـ»قانون التعلّم عن بعد» منذ نحو السنة، لأنّ لبنان من البلدان القليلة التي لا تعترف بعد بشهادة «الأونلاين» أو التي يحصّلها الطلّاب من خلال التدريس الإفتراضي، حتّى لو كانت الشهادة من أهم المعاهد والجامعات العالمية، ويؤكّد أنّ مشروعه هذا لم يبصر النور، وتعرّض لمعارضة شرسة من داخل المجلس ومن بعض النافذين خارجه، رغم أنّ التعليم عن بُعد أضحى أمراً واقعاً الآن في لبنان، وبالتالي آن الأوان لإحالة المشروع للدرس في اللجان النيابية المختصة».

مع بداية الأزمة الحالية، أي منذ نحو أسبوعين، إقترح طرابلسي على لجنة التربية النيابية «التعليم عبر تلفزيون لبنان، لكن هذا الاقتراح الذي أيّده البعض، رفضه البعض الآخر بحجّة أننا في زمن التكنولوجيا».

ويبرّر طرابلسي اقتراحه قائلاً لـ»الجمهورية»: «سبق لهذه التجربة أن حصلت في لبنان أثناء الحرب الأهلية، حيث عرض تلفزيون لبنان يومياً ولمدّة 3 الى 4 ساعات محاضرات عدّة، لمختلف الصفوف والمواد، خصوصاً لتلامذة الشهادة الأولى والثانية، فكان يتمّ تصوير المعلّم وهو يشرح الدرس على اللّوح ويعالج المواد الأساسية العلمية واللّغات».

ومن وجهة نظر طرابلسي، فإنّ «هذا الاقتراح نابع من الحرص على عدم خسارة التلامذة للعام الدراسي، بعد أن خسروا حتّى تاريخه نحو 21 يوماً تعليمياً، والرقم هذا قابل للإرتفاع مع تفاقم أزمة «كورونا»، وبات من الصعب استلحاق العام الدراسي». ويوضح أن ليس «في مقدور جميع الأهالي تأمين كلفة الإنترنت، أضف إلى ذلك أنّ الشبكة العنكبوتية ضعيفة في المناطق البعيدة نسبياً عن العاصمة، في المقابل فإنّ تلفزيون لبنان مُتاح للجميع، من أقصى عكار الى عرسال والبقاع وصولاً الى أقصى الجنوب، ما يعني أنّ المعلومة التي تبثّ عبره هي في متناول الجميع». ويلفت الى أنّ «قدرات المدارس الرسمية لا تضاهي قدرات المدارس الخاصة التي تستخدم في معظمها وسائل تعليمية متطوّرة للتعليم عن بعد، في حين ان معظم المدارس الرسمية لا تملك إمكانات من هذا النوع».

ويؤكد طرابلسي «أنّ لدى المركز التربوي للبحوث والانماء تجهيزات متطوّرة لإطلاق «التلفزيون التربوي» عبر «تلفزيون لبنان»، والأساتذة جاهزون لإعطاء الحصص التعليمية».

المدارس الرسمية

ويعدّ العام الدراسي هذه السنة من بين الأسوأ، نتيجة توقّف الدروس مراراً وتكراراً، من «انتفاضة 17 تشرين» إلى فيروس كورونا الذي يكاد «يقضي» على ما تبقى منه، وبالتالي باتت المدارس الرسمية في حال لا تحسد عليها، خصوصاً أن لا خطّة «للاستلحاق»، وما يحصل لا يتعدّى المبادرات الفردية للإدارات وللطاقم التعليمي.

وتؤكّد مصادر وزارة التربية متابعة الموضوع بجدّية، وتقول انّ «الوزارة أعدّت خطّة ووضعتها على السكّة»، لكنّها في المقابل تؤكّد أنّ «معالمها لم تنضج بعد، وسيتمّ الإعلان عنها فور الإنتهاء من درسها».

من جهّة ثانية، تستبعد المصادر نفسها إلغاء الامتحانات الرسمية، وتشدد على أنّ «العودة الى المدارس مرهونة بقرار وزارة الصحة ومستجدّات كورونا».

الجامعة اللبنانية

على انّ ارتدادات تعليق الدروس وصلت الى الجامعة اللبنانية التي كان طلابها على مشارف الانتهاء من امتحاناتهم الفصلية مع وصول «كورونا» الى لبنان. ومع استمرار تعليق الدروس، وجد رئيس الجامعة فؤاد أيوب أنه من الأجدى استخدام التعليم عن بُعد خلال هذه الفترة الاستثنائية، ولذلك طلب من عمداء الوحدات الجامعية المبادرة الى دعوة اللّجان الفاحصة لكل مقرر لتحضير المادة التعليمية عبر احدى المنصتين الالكترونيتين: google classroom أو Microsoft Team، كذلك اعتماد تطبيق zoom أو أي تطبيق آخر مجاني ومختص بالتعليم التفاعلي لتوضيح الدروس والاجابة عن الاسئلة.

ويشير أيّوب عبر «الجمهورية» الى أنّ القرار اتّخذ «للمحافظة على حقوق الطلّاب في التعلّم، خصوصاً أنّ مجلس الوزراء وَعد بتسريع الإنترنت، وبالتالي لم يعد من مانع لإعطاء الطلّاب الدروس اللازمة عن بعد، فمن جهة يستفيد الطالب من الوقت الذي يمضيه في منزله ومن جهة ثانية نقوم نحن بما يُمليه علينا ضميرنا المهني تجاههم».

وعن المدّة الزمنية المحددة لانطلاق هذه العمليّة، يشير أيوب أنّ «كلّ عميد يعمل مع فريقه لتحضير المقرّرات، والمطلوب أن تحدث الأمور بسرعة ولكن ليس بتسرّع، فالتعليم عن بعد في لبنان غير موجود في لبنان، وبالتالي نحن لسنا مدرّبين على هذا العمل، إنها المرة الأولى التي نخوض فيها هذه التجربة، وفي هذا الوقت الصعب لكننا نأمل أن ننجزها بطريقة ناجحة».

وعن الامتحانات التي تمّ تأجيلها، يلفت أيوب الى أنّ «الأولوية اليوم هي إبقاء الطالب في الأجواء الدراسية، ومتابعة التعليم ولو بالحدّ الأدنى يومياً، لتستكمل الدروس وفق المعتاد لاحقاً، أمّا الامتحانات فسنجد لها الصيغة المناسبة مع انتهاء الأزمة».

أيوب وصفَ فكرة النائب طرابلسي بـ«الممتازة»، خصوصاً لطلاب الفنون الجميلة الذين يستطيعون الاستفادة من دراستهم عبر «تلفزيون لبنان».

بالأمس، عرض المركز التربوي خطّة مفصّلة «للتعلم الإلكتروني عن بعد، ركّزت على ضرورة الوصول إلى جميع المتعلّمين مع الاعتماد المتدرّج للتكنولوجيا؟ فهل «الكادر التعليمي» قادر على تطبيقها؟ وهل تستلحق الدولة اللبنانية نفسها، وتبدأ مع انتهاء هذه الأزمة بتجهيز خطة طوارئ مدروسة تكون بديلاً عن «نظام تعليمي» يقترب من مرحلة «الاهتراء»؟