Site icon IMLebanon

لبنان بين علّتين.. وباء عابر وفايروسات سياسية مزمنة

تضاعفت في الأشهر الأخيرة بفعل تفشي فايروس كورونا المتاعب الاقتصادية في لبنان بعدما عجز عن تسديد 1.2 مليار يورو للجهات المالية المانحة، ما يجعل البلد في مفارقة عجيبة بين التخلّص من وباء يقول الخبراء إنه خطير لكنه عابر، ومن فايروسات السياسة التي أغرقت البلد في أزمات طويلة الأمد.

يتساءل اللبنانيون عن كيفية تجاوز هذه الأزمة الحاملة لبعدين، خطر كورونا الداهم وتداعياته على الاقتصاد المتداعي بطبعه، إلا أنهم حتى قبل تفشي الوباء في العالم، كانوا قد أعربوا منذ نهاية عام 2019 عن إرادتهم في التخلص من الطبقة السياسية الطائفية المتهمة من قبل الشارع بالفساد.

تُوجه كل أصابع الاتهام مع هبوط كل المؤشرات الاقتصادية قبل ظهور الوباء وبعد تفشيه إلى حزب الله، المتهم لا فقط بإضعاف البلد وإدخاله في منعرجات لا تخدم مصالح لبنان، بل أيضا بضلوعه في تفشي كورونا بعد كل ما قيل عن اكتشاف أول حالة إصابة بالفايروس على متن رحلة جوية قادمة إلى بيروت من مدينة قم الإيرانية. كما تحدثت تقارير محلية مختلفة عن دخول عشرة أفراد بوساطة حزب الله من سوريا إلى لبنان رغم ادارك قادة الحزب الذين حصّنوا أنفسهم ضد كورونا تنفيذا لوصايا حزبية داخلية أنهم مصابون بفايروس كورونا.

وسلط تقرير لمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، ومقرها واشنطن، الضوء  على هذه المفارقة التي يمر بها لبنان، حيث  كليفورد ماي مدير المؤسسة في تقرير له “لم يضرب فايروس كورونا، الذي انطلق من الصين، لبنان بشكل أقوى من الدول الأخرى، ولكن لن يفاجأ أحد إذا حدث ذلك”. ويضيف “يقع لبنان بين سوريا وإسرائيل، ويعاني من حالة صحية اقتصادية متداعية. ومن بين أعراض هذا التداعي: ارتفاع الدين، وتضخم التضخم، والبطالة المتزايدة، وهبوط احتياطيات النقد الأجنبي، وتراجع الليرة اللبنانية.لا يتم إمداد الكهرباء والمياه بشكل جيد. تعاني مستشفيات الدولة من نقص في الرواتب، والإمدادات الطبية”.

وفشل لبنان هذا الشهر وللمرة الأولى في تسديد 1.2 مليار يورو. وتساءل رئيس الوزراء، حسان دياب “كيف يمكننا أن ندفع للدائنين بينما يوجد أناس في الشوارع لا يمتلكون المال لشراء رغيف خبز؟”. حوالي 40 في المئة من اللبنانيين فقراء الآن. وقد يرتفع ذلك قريبا إلى 50 في المئة، وفقا للبنك الدولي”.

أشواك حزب الله

يؤكد التقرير الأميركي أنه قد لا يكون لبنان في مثل هذا الوضع الصعب اليوم لو لم يكن مصابا بفايروس حزب الله، منذ ظهر في الثمانينات، وقدموا التمويل و1500 من الحرس الثوري لتدريب المقاتلين، وتزايدت قوة حزب الله منذ ذلك الحين. وظلت شهية إراقة الدماء ثابتة، على سبيل المثال نروي هنا بضع حالات فقط:

في عام 1983، بناء على أوامر من طهران، قصف حزب الله السفارة الأميركية وثكنات مشاة البحرية الأميركية في بيروت، مما أسفر عن مقتل 258 أميركيًا.

في التسعينات، قام حزب الله، بناء على تعليمات من طهران، بقصف أهداف يهودية في الأرجنتين. وقد تباهى نشطاء حزب الله بهذا الأمر.

في عام 2005، استخدم حزب الله 2200 طن من مادة “تي.إن.تي” لاغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري مع 21 آخرين كانوا يسافرون في موكبه في بيروت. وأكدت محكمة خاصة تابعة للأمم المتحدة هذا الاستنتاج.

في عام 2006، جر حزب الله لبنان إلى حرب استمرت 34 يومًا مع إسرائيل، قُتل فيها أكثر من ألف لبناني و165 إسرائيليا. دعا قرار مجلس الأمن الدولي الذي أوقف الصراع إلى نزع سلاح حزب الله. وغني عن القول أن ذلك لم يتم تنفيذه.

في عام 2008، أجبر حزب الله الحكومة اللبنانية على توقيع اتفاق “تقاسم السلطة” الذي منحه حق النقض على جميع القرارات. ومنذ ذلك الحين، اتخذ حزب الله قرارات أقل أهمية.

صحيح أن نهر الأموال من طهران إلى بيروت قد تباطأ منذ أن بدأت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب حملة فرض “أقصى ضغط” ضد إيران. لكن حزب الله لا يزال منتعشاً على الرغم مع ذلك، والسبب: هو شراكاته الواسعة مع عصابات المخدرات في أميركا الجنوبية والمنظمات الإجرامية الدولية الأخرى.

هذه العلاقات المربحة تم بحثها وتوثيقها على نطاق واسع من قبل زميلي في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات (إيمانويل أوتولينغي). لكن قام الرئيس باراك أوباما بإلغاء محاولة لإنفاذ القانون لتفكيك تحالفات المخدرات والإرهاب، المعروفة باسم عملية كاساندرا، لتسهيل صفقة الأسلحة النووية التي أبرمها مع حكام إيران. ولكن ما الذي يمكن أن يجعل لبنان أكثر مرضًا؟ حرب أخرى مع إسرائيل ستفي بالغرض.

حرب مع إسرائيل
لدى حزب الله الآن ما يصل إلى 150 ألف صاروخ موجه نحو إسرائيل. وقام حزب الله مؤخرا باستبدال الصواريخ التي يسهل اعتراضها بالذخائر الموجهة بدقة، التي يمكن تغيير مساراتها أثناء الطيران، مما يجعلها أكثر مراوغة وأكثر دقة. وبأعداد كافية يمكنه أيضًا التغلب على القبة الحديدية.

وإذا تسببت الذخائر الموردة من إيران لحزب الله في إحداث خسائر كبيرة، فإن الحرب الشاملة بين إسرائيل ولبنان ستكون حتمية.

ويتم صنع الذخائر الموجهة بدقة في مصانع في لبنان وسوريا. لكن الصواريخ التقليدية يتم تحويلها أيضا إلى صواريخ ذكية من قبل فنيين مدربين من إيران مجهزين بمجموعات مزودة من قبل إيران تكلف حوالي 15 ألف دولار فقط لكل قذيفة. وتشير التقديرات إلى أن لدى حزب الله ما بين ثلاثين و300 ذخيرة موجهة بدقة في هذه المرحلة، مع إضافة واحدة جديدة ربما كل يوم ونصف.

تقرير أميركي يؤكد أنه قد لا يكون لبنان في مثل هذا الوضع الصعب اليوم لو لم يكن مصابا بفايروس حزب الله، منذ ظهر في الثمانينات
ويقول التقرير الأميركي حاسما المسألة “عاجلا أم آجلا، قد تقرر إسرائيل أنها بحاجة إلى تجاوز مجرد قتل التماسيح والبدء في تجفيف المستنقع. حيث في الشهر الماضي، أعلنت إسرائيل أنها بصدد إنشاء قيادة عسكرية جديدة مخصصة لتخطيط الاستجابات الحركية التي تستهدف ليس الدمى التي تتحرك في لبنان ولكن أولئك الذين يحركون الخيوط في طهران”.

ويخلص كليفورد ماي إلى أنه ليس من الصعب وصف العلاج الذي قد يساعد لبنان على التعافي. فبالتعاون مع صندوق النقد الدولي، يمكن للحكومة اللبنانية أن تبدأ في تنفيذ خطة إصلاحات اقتصادية هيكلية وتصبح مؤهلة للحصول على قروض ومنح بمليارات الدولارات. يمكن مصادرة وإغلاق البنوك اللبنانية التي تتعامل مع الموارد المالية غير المشروعة لحزب الله، كما يمكن معالجة الفساد المستشري.

ويمكن للقوات المسلحة اللبنانية إعادة تأكيد السيادة اللبنانية، ونزع سلاح حزب الله، والإصرار على تحويله إلى حزب سياسي يتنافس مع الأحزاب السياسية الأخرى، بدلاً من كونه جزءا من الميليشيات التي تهدد الأحزاب السياسية الأخرى والمتمسكة بنظام أجنبي.

لا شيء من هذا محتمل أن يحدث عن بعد. لقد أدى فايروس حزب الله إلى إضعاف لبنان بعد أن استطاع أن يشفي نفسه. وكالعادة، لا تقوم الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بعمل أي شيء مفيد.