Site icon IMLebanon

العالم للبنانيين: كبح «حزب الله» شرط للمساعدات

دأب مسؤولو صندوق النقد الدولي، منذ بدء التفاوض مع الحكومة اللبنانية على تكرار عبارة «الإصلاح» كشرط لحصول لبنان على مساعدات مالية تؤمّن نهوض اقتصاده المتدهور.

الدول المانحة في مؤتمر «سيدر» تشترط هي الأخرى إصلاح القطاعات التي تهدر مالية الخزينة قبل تسييل القروض البالغة 11 مليار دولار.

أمس، قالها بوضوح وزير الخارجية الأميركية، مايك بومبيو وأكدها نظيره الاماراتي أنور قرقاش: لا دعم أو مساعدة للبنان من دون إصلاحات، ومن دون كبح جماح «حزب الله» خارجياً وداخلياً.

في وقت يتأكد كل يوم أن السلطة مستعدة لفعل أي شيء إلا الشروع في إصلاحات جدية، ستقود حكما الى تفكيك هيمنة «حزب الله» وحلفائه على الدولة. ب

ومبيو أوضح أن الولايات المتحدة مستعدة لدعم لبنان إذا طبّق الإصلاحات، وتصرف «من دون أن يكون أسيراً لجماعة حزب الله المسلحة التي ساعدت في تشكيل الحكومة الحالية». وقال بومبيو إنه إذا أظهرت الحكومة اللبنانية استعدادها لاتخاذ مثل هذه الإجراءات، فإن الولايات المتحدة والعالم بأسره سيساعدان في «نهوض» اقتصادها مجدداً.

وذهب قرقاش في الاتجاه نفسه، قائلاً إن لبنان يدفع ثمن تدهور العلاقات مع دول الخليج، وهو يكافح لاجتياز أزمة اقتصادية عميقة. وأضاف ان «ما يشهده لبنان من انهيار اقتصادي مقلق للغاية»، لكن الإمارات لن تفكر في تقديم الدعم المالي إلا بالتنسيق مع الدول الأخرى.

وتابع: «إذا شهدنا بعض أصدقائنا والقوى الكبرى المهتمة بلبنان يعملون على خطة فسنفكر في الأمر. لكنَّ، حتى الآن، ما نراه هنا حقّاً تدهور لعلاقات لبنان العربية وعلاقاته الخليجية على مدار السنوات العشر الماضية. ولبنان يدفع جزئيا ثمن ذلك الآن».

وقال قرقاش: «شهدنا تراكم المشاكل في لبنان وشهدنا أيضا إملاء للخطاب السياسي من جانب حزب الله، الذي يملك فعليا جيشا داخل الدولة»، مشيراً إلى أن الإمارات حذّرت بيروت مراراً من تدهور العلاقات مع الخليج، ومن أنه «إذا أحرقت جسورك فسيكون من الصعب عليك جدا استخدام الرصيد الهائل من حسن النية والرصيد الهائل من الدعم المالي الذي يحتاجه لبنان».

المطلوب أجندة وطنية

الأكاديمي الإماراتي المحلل السياسي الدكتور عبدالخالق عبدالله، وفي معرض تعليقه على كلام قرقاش، قال لـ القبس ان «لبنان يدفع ثمن سيطرة حزب الله على الشارع، وهذا الثمن يبدو أنه مقبول لدى قسم من الاحزاب والفعاليات في لبنان، وهذا بالتالي خيار لبناني، ولكنّ هناك ثمناً لهذا الخيار، لأن هيمنة حزب الله تجعل البلد رهينة الأجندة السياسية الايرانية في المنطقة، وحزب الله لا يخفي ذلك، فهو يقول علنا انه حزب ايراني وتمويله وسلاحه من طهران وولائه لها، وإذا كان هذا هو خيار لبنان الوطني فليكن، لكن لا ينبغي لأي لبناني وطني وعروبي حر أن يلوم دول الخليج على موقفها، فهل مطلوب منا دعم هذا الحزب ودعم هذا اللبنان؟ إذا كان خيار اللبنانيين ايران فليفتحوا ابوابهم لها وليطلبوا المساعدة منها».

وعن مغزى كلام قرقاش بعدم تفكير الامارات في تقديم دعم الا بالتنسيق مع دول أخرى، قال د.عبدالله لـ القبس إن «ذلك يعني ضمنيا التنسيق مع المملكة العربية السعودية، فمن المهم جدّاً معرفة ان الموقف الخليجي هو في نهاية المطاف يجري تنسيقه مع السعودية بحكم العلاقات التاريخية للمملكة مع لبنان وبحكم موقعها. وايضا هناك عقوبات اميركية ضد ايران وحزب الله واذا كان لا بد من تنسيق وضغط لكي يتحرر لبنان من هذه الورطة التي وقع فيها، فربما دول الخليج ترى انه من المناسب التنسيق مع الولايات المتحدة وفرنسا والاتحاد الاوروبي والدول العربية». وعما هو مطلوب من اللبنانيين في هذه الظروف للحصول على المساعدة الخليجية، قال د.عبدالله إن «كل ما هو مطلوب من لبنان ان يكون وطنياً وعروبياً وليس ايرانياً، اما حالياً فلبنان عبر حزب الله يخدم مصلحة ايران واجندتها، وعندما يأتي لبنان ووفق اجندة وطنية قريبة من العمق العربي حينها دول الخليج والسعودية سيكونون من أكثر الدول المساعدة والداعمة».

في عنق الزجاجة

الصحافي طوني عيسى قال لـ القبس: «تتكامل العناصر التي تؤكد أن المأزق اللبناني ليس بسيطاً، ويمكن حله في الإطار اللبناني فقط، وانما هو أكبر من ذلك، والسبب ان بعض القوى اللبنانية، وتحديداً حزب الله، جعل من عناصر الازمة عاملا مشتركا مع عناصر الازمة الاقليمية الكبرى. ولذلك، عندما اتسعت دائرة الصراع بين الولايات المتحدة وايران انغمس لبنان في هذا الصراع، وبات في عنق الزجاجة.

واضاف عيسى ان قوى السلطة تحاول اليوم تمرير المرحلة بأساليب مختلفة. مثلا، عندما تزداد الضغوط عليها، سواء من جانب انتفاضة 17 اكتوبر، او من جانب القوى العربية والدولية، تلجأ إما الى الحوار على غرار ما جرى امس، وإما الى ابتكار خطط عشوائية لمفاوضة صندوق النقد الدولي او غيره على اساسها».

ورأى عيسى ان الاصلاح الذي يقصده الاميركيون هو استعادة المؤسسات اللبنانية سيادتها، أي رفع سلطة «حزب الله» عن الدولة. وما أراد بومبيو قوله هو التأكيد أن لا مجال نهائيا لأن يستعيد لبنان عافيته إلا إذا أعطت الولايات المتحدة الضوء الاخضر لحلفائها في اوروبا والمجموعة العربية لفك الحصار على لبنان، وإلا فسيصبح الامر اكثر صعوبة في الداخل اللبناني.

وتصريح قرقاش يتكامل مع الموقف الاميركي. بالمحصلة، نحن مقبلون على أزمة كبيرة وعميقة بسبب تجاهل قوى السلطة لمتطلبات الحل الحقيقي وإضاعة الهدف بعناوين اخرى لتمرير الوقت والتعويل، ربما على معطيات جديدة. فالمشكلة معروفة. حلها مطلوب دوليا ومؤيد عربيا ولا مجال لبنان بالتحايل عليه، وإلا فنحن مقبلون على كارثة، ربما تفضل قوى السلطة بلوغها على تحقيق الاصلاح، لأن الاثمان التي ستدفعها من نفوذها ومكتسباتها غير المشروعة كبيرة.

بيانات إنشائية

بالموازاة، وعوض الذهاب الى معالجة جذرية، تنظم السلطة اللبنانية مؤتمرات حوارية، تزيّنها ببيانات انشائية، لا يسمن ولا يغني من جوع «الحفاظ على سلم أهلي، ودرء الفتنة، والتصدي للازمة الاقتصادية». عناوين فضفاضة تتكرر على مسامع اللبنانيين، في حين هم يعايشون أخطر أزمة مالية اقتصادية تتظهر يوميا بمزيد من الافقار والافلاس وانهيار القطاعات الإنتاجية والعمالية.

فلا المؤتمرات الحوارية، ولا اجتماعات الحكومة ولجانها المتناسلة كالفطر، قادرة على اجتراح حلول للأزمات، طالما ان «أقطابها» يلتفون على جوهر المشكلة «الإصلاحات ولجم حزب الله والتزام النأي بالنفس فعلاً لا قولاً».