Site icon IMLebanon

“الفراعنة” يخشون فقدان لبنان قدرته على التنفّس

كتب محمد نمر في صحيفة “نداء الوطن”:

لم تكن زيارة وزير الخارجية المصري سامح شكري إلى لبنان عادية. كان واضحاً أن الرجل تقصّد نقل رسائل “بالجملة” للقوى السياسية اللبنانية. تبدأ من اختيار السفير المصري ياسر علوي “بيت الوسط” للاعلان عن المساعدات المصرية ولا تنتهي بزيارة شكري التي رسمت النظرة المصرية تجاه لبنان، خصوصاً بعد انفجار المرفأ. تقوم هذه النظرة على أن لبنان بات بفعل الأحداث محاصراً بمثلث حدودي اقتصادي من الصعب كسره. الجنوب مغلق بوجه العدو الاسرائيلي وقواعد هذه الحدود تقوم على القرار 1701، من ناحية الشرق حدود مقيّدة بقانون “قيصر”، ومن الغرب انفجر المرفأ وخسر لبنان مرفقاً تجارياً مهماً بالنسبة له، إذاً لا يمكن القول إن لبنان محاصر ومعزول عن المجتمعين الدولي والعربي بل بات أشبه بحال أحد المفقودين الأحياء تحت أطنان من الركام، فقد صوته من كثرة الصراخ، وإما أن يغيّر من أسلوب طلب النجدة أو سيحتضر. إتخذت مصر القرار باعطاء لبنان جرعات أوكسجين للبلد، علّه يغيّر من أسلوب الممارسة ويستعيد صوته. هي ثلاث جرعات: التحقيق، مساعدات، زيارة بموقف سياسي واضح.

أولاً: استعداد للتحقيق

عرضت مصر مساعدة لبنان بالتحقيقات بشأن ما حصل في المرفأ، معبرة عن استعدادها لارسال أهم المحققين في حوادث مماثلة في حال رغبت الدولة اللبنانية في ذلك.

ثانياً: مساعدات

لم تكتف مصر بجسر جوي تصل به إلى لبنان، بل وسّعت اطار مساعداتها لتشمل إضافة إلى اطنان الطحين والغذاء والمساعدات الطبية، فتح جسر بحري مخصص لمساعدة اللبنانيين في إعادة اصلاح المنازل كالزجاج والألومنيوم والرخام، ولا تقتصر على مساعدات من الدولة فحسب بل اتت بالاشتراك مع مؤسسات وجمعيات واتحاد الصناعات المصري، فضلاً عن مبادرات فردية من أطباء ومنهم كبار الجرّاحين في مصر، ارادوا تقديم خدماتهم في المستشفى المصري لمدة شهر. ليتخطى مجموع ما أرسلته وسترسله مصر خلال الأسابيع المقبلة، جواً وبحراً نحو 250 طناً من المساعدات. كما عرضت على لبنان تأهيل المرافئ الثلاثة (بيروت، صيدا وصور) وحل مشكلة الكهرباء في حال رغبت الدولة اللبنانية في ذلك. سلّمت مساعداتها للجنة يرأسها الجيش اللبناني، وليس إلى الشعب مباشرة لصعوبة استلام هذه الكميات وتوضيبها وتجميعها. ولا تخفي الحاجة إلى المتابعة الدائمة من اللبنانيين للمساعدات التي تصلهم، لضمان وصولها إليهم، خصوصاً أن الجيش مؤسسة يثق بها الشعب.

ثالثاً: زيارة ورسائل سياسية

قد تكون هي الجرعة الأهم، فبالنسبة إلى مصر، وعلى حد قول أحد السياسيين اللبنانيين، إن المصريين يعتبرون أن البيئة الاستراتيجية للبنان تغيّرت بعد انفجار مرفأ بيروت، فيما لا تزال الطبقة السياسية على حالها. وبدأت الثوابت المصرية تظهر من حركة السفير المصري ياسر علوي قبل زيارة وزير الخارجية سامح شكري.

– إختار علوي “بيت الوسط” ليعلن عن المساعدات المصرية، رغم معرفته كيفية الوصول إلى السراي الحكومي. في رسالة واضحة للثقة المصرية بالرئيس الحريري ورؤساء الحكومات السابقين وليس بالرئيس المقال حسان دياب.

– يمكن القول إن زيارة شكري وضعت فيتو على طرفين، جبران باسيل و”حزب الله”، ووفق المعلومات أن الأول وبعد لقاء شكري بالرئيس ميشال عون والقيادات المسيحية واتصاله المباشر مع رئيس “القوات” سمير جعجع والبطريرك الراعي، طلب باسيل أن يلتقي شكري فرفض الأخير. أما “حزب الله” فلم يكن اساساً على جدول زيارات شكري… ماذا عن حسان دياب؟ ربما إذا سأل أحدهم شكري عنه لأجاب: من حسان دياب؟

– إختار وزير الخارجية المصري “بيت الوسط” حيث التقى رؤساء الحكومات السابقين ليطلق مواقفه السياسية، في رسالة تؤكد ما سبق وقام به العلوي حينما أعلن عن المساعدات المصرية بعد لقائه الحريري.

من يعود ويطّلع على نص خطاب شكري من “بيت الوسط”، ويستخلص الموقف السياسي من زيارته، يستنتج أن:

– مصر تدعم ترؤس الحريري الحكومة الجديدة، على أن تكون بوزراء مستقلين لا يشارك فيها “حزب الله” ولا باسيل.

– تعتبر القاهرة أن انفجار المرفأ ليس الأزمة الأساسية التي أوصلت لبنان إلى هذه الحال، بل سبقتها أزمات متتالية: ازمة اقتصادية وجائحة كورونا واتت كارثة المرفأ لتضع لبنان على خط الاحتضار، فإما أن يغير اللبنانيون من ممارستهم السياسية أو لبنان سيحتضر مع أول أزمة جديدة تطاله. ورد في نص شكري: “اننا نتطلع لتحقيق جميع طموحات الشعب اللبناني في الحفاظ على استقرار لبنان وسيادته ووحدته، وتجاوز التحديات العديدة التي تواجهه وغير المتصلة فقط بالانفجار”.

– نقل شكري رسالة واضحة: إن لم يتم تغيير الممارسة السياسية والقيام بالاصلاحات المطلوبة والاتجاه إلى صندوق النقد فإن لبنان لن يحصل على دعم المجتمعين العربي والدولي. وورد في نص شكري: “كل ذلك يتطلب بشكل ملحّ تغيير التوجه والارتقاء الى إطار مستحدث وقادر على تلبية متطلبات الشعــب اللبناني”.

– لبنان عربي الهوية والانتماء، وإن مصر تدعم مبادرة الراعي الداعية إلى “الحياد”، وورد في كلام شكري: “لدينا ثقة كاملة بان الشعب اللبناني يملك القدرة والعزيمة التي تؤهله لتجاوز هذه الازمة وتبوؤ مركزه في قلب العالم العربي كمكون رئيسي في تحقيق امنه القومي، وان لا يتأثر بتجاذبات خارج الإقليم العربي والتي تثقل على كاهله”.

تحول لبنان بعد الأزمات التي يتلقاها، منها بفعل تدخلات ايرانية في سياسته، واخرى داخلية من فساد وازمة اقتصادية وكورونية واخيراً الانفجار “الغريب العجيب”، ليتحول إلى بلد بحاجة إلى المجتمعين الدولي والعربي، وفي وقت يتغير فيه الواقع السياسي في المنطقة وبدأت ملامح تغيرات في البيئة الاستراتيجية للبنان، وأظهرت زيارة شكري الرسائل المصرية تجاه لبنان، بانتظار وضوح الموقف السعودي، للخروج بإجابات واضحة عن الموقف الخليجي وكامل الموقف العربي.