Site icon IMLebanon

عندما يلعب ماكرون صولد في بيروت!

للمرة الثانية على التوالي، نجح الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون حيث لم يفلح نظيره اللبناني العماد ميشال عون. ذلك أن ساكن قصر الاليزيه كسب رهانه على قدرته على جمع رؤساء الكتل النيابية، بمن فيهم النائب محمد رعد، إلى طاولة واحدة، في مقابل سقوط الخطوة عينها التي كان الرئيس عون بادر إليها في حزيران الفائت في فخ المقاطعة الشاملة من جانب المعارضة.

إلى ذلك، يحق للرئيس الفرنسي أن يعتدّ بنجاح آخر يتمثل في انتزاع تعهد لبناني جامع بتشكيل حكومة اختصاصيين مستقلين برئاسة مصطفى أديب في مهلة أقصاها 15 يوما، وهو ما تجلى في تصريحات رؤساء في استشارات التأليف، وإن كان رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل وعضو كتلة التحرير والتنمية النائب أيوب حميد اللذان فتحا باكرا معركة الحقائب السيادية، على رأسها وزارة المال.

إذا، وبعد الضغط على الدول المانحة والمجتمع الدولي لمد لبنان المنكوب بالمساعدات سريعا، غطس الرئيس الفرنسي في وحول السياسة اللبنانية وانقساماتها، مع العلم أنه حرص على إعطاء اللبنانيين إشارات ايجابية تمثلت أولا في لقائه النادر مع السيدة فيروز، واستمع إلى مطالب الناس المتجمهرين حول منزلها في الرابية، إضافة إلى معانقة الفنانة الكبيرة ماجدة الرومي، واحتفاظه بهدية قدمتها إليه الطفلة تمارا طياح، وهي عبارة عن مجسم لخريطة لبنان نفذته والدتها مصممة المجوهرات هلا طياح التي استشهدت في انفجار المرفأ.

وفي وقت لا يختلف إثنان على أن كل هذه الاشارات الايجابية والمبادرات في اتجاه لبنان أمر متوقع من فرنسا ذات العلاقات التاريخية مع لبنان، فإن مصادر سياسية دعت عبر “المركزية” إلى التمعن جيدا في أهداف زيارتي ماكرون في الشكل والمضمون.

وأشارت المصادر إلى أن الرئيس الفرنسي حرص على الحضور شخصيا إلى بيروت عقب الانفجار لأسباب دولية ليس أقلها تكريس بلاده مدماكا للحل السياسي في لبنان، ما يعني تأكيد حضورها الفاعل على  الساحة الدولية، في مقابل سياسات الرئيس الأميركي دونالد ترامب التي لا تنال اجماعا دوليا. بدليل أن ماكرون أكد على هامش مؤتمره الصحافي الأخير في بيروت أنه لم يتحدث مع الأميركيين في شأن لبنان، وهو ما رد عليه وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو بتأكيد أن بلاده على تواصل ضيق مع باريس في الملف اللبناني. وفي ذلك مؤشر واضح إلى ضوء أخضر دولي ناله ماكرون بمباركة أميركية لإطلاق عجلة الحلول السياسية، بدليل التسمية السريعة والمباغتة للرئيس المكلف الجديد، بعدما كان الأفق مسدودا لثلاثة أسابيع أعقبت استقالة الرئيس حسان دياب.

ولفتت المصادر أيضا إلى أن الرئيس الفرنسي أشار إلى هذا التفويض الدولي بقوله في المؤتمر الصحافي إن في حال لم يلتزم المسؤولون اللبنانيون بتعهداتهم، سيصارح اللبنانيين ويقول لهم إن المجتمع الدولي (وليس فرنسا وحدها) أراد مساعدة لبنان لكن سياسيي البلاد عطلوا هذا المسار.

وفيما تستعد فرنسا لاستضافة مؤتمرين دوليين الشهر المقبل من أجل لبنان، نبهت المصادر إلى أن مسعى ماكرون هذا يأتي في وقت لا تنال خياراته الاقتصادية والسياسية كثيرا من الدعم على المستوى الفرنسي الداخلي على وقع تطور فيروس كورونا، وهو ما يبدو الرئيس ماكرون متيقنا منه بدليل كلامه عن أنه يلعب ورقة رصيده السياسي بالكامل في الملف اللبناني، وهذه إشارة واضحة إلى مدى تأثير لبنان على الحضور الدولي لفرنسا، من جهة وعلى المسارات الانتخابية في عاصمة الأنوار، على بعد عامين فقط من الاستحقاق الرئاسي المقبل في فرنسا، مع العلم أن ماكرون كان كسب رهانا لا يقل صعوبة في انتخابات العام 2017، حيث أزاح أحزاب اليمين واليسار التقليدية، ووصل إلى الاليزيه بعدما أسس حركة “الجمهورية إلى الأمام!” مراهنا على التغيير. فهل يعيد التاريخ نفسه في لبنان؟