Site icon IMLebanon

“المستقبل” في “الخارجية”… لن يكون طليق اليدين

كتبت هيام القصيفي في جريدة الأخبار:

الخلاف حول من يتولّى وزارة الخارجية لا يتعلّق فقط بتقاسم الحقائب بين الطوائف، بل بتوزعها سياسياً. لأن وزارة الخارجية لا تزال منذ سنوات في اتجاه سياسي واحد، ومؤشرات الأسابيع الأخيرة خير مثال.

زيارة أو استدعاء السفيرة الأميركية دوروثي شيا الى وزارة الخارجية، لا تحمل سوى وجهة نظر واحدة تتعلق بالعقوبات التي فرضتها واشنطن على النائب جبران باسيل. عملياً، باسيل ليس وزيراً للخارجية، بل هو رئيس حزب سياسي واستيضاح الخارجية لأسباب العقوبات يتعدى بطبيعة الحال كونه وزيراً أسبق للخارجية. لأنها تعني في مكان ما الاتجاه السياسي لوزارة الخارجية، كوزارة سيادية من حصة رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر معاً.

هذا الاتجاه هو نفسه الذي لا يزال يشكل التباساً حول هوية الفريق الذي سترسو عليه وزارة الخارجية، في حال تأليف الحكومة. والقطبة هنا ليست في استيضاح السفيرة الأميركية، في ظل كل التباينات التي باتت تحكم علاقة العهد وتياره مع الولايات المتحدة. بل بالمعنى الأدق الذي يتحدث عنه سياسيون، هو المنحى العربي الغائب كلياً عن الخارجية والذي ينسجم التعاطي معه رسمياً على مستويات السلطة كافة، مع الموقف من واشنطن وفرضها عقوبات تصاعدية. ففي وقت يغيب فيه السفير السعودي وليد البخاري، لا تسأل السلطات اللبنانية الرسمية عن مغزى هذا الغياب ولا تستوضح أسبابه الحقيقية وخلفيات الموقف السعودي. وينتقل السفير الإماراتي حمد الشامسي الى مصر مع خفض مستوى التمثيل الدبلوماسي والكلام عن عدم تعيين خلف له، حتى من دون زيارات وداعية تقليدية، كما تجري العادة، مكتفياً باتصالات هاتفية ورسائل وداعية، فلا تجد السلطات اللبنانية داعياً للاستفهام.

يقول سياسي ــــ دبلوماسي إن ما يجري يشبه «قطعاً غير معلن للعلاقات الدبلوماسية»، وهذا ينسحب على كل المستويات السياسية والاقتصادية والدبلوماسية. لأن أي تبدل أو إجراءات تقوم بها دولة كمثل تأشيرات دخول أو إقامات أو إجازات عمل ستكون كلها في إطار متجانس مع السياسة التي تتبعها هذه الحكومات وتعبر عنها بطريقة تعاطيها دبلوماسياً مع لبنان. وقد تكون البلبلة حول تأشيرات الدخول الى دبي واحداً من هذه التجليات، وسبقها أسلوب تعاطي دول عربية مع السلطات اللبنانية بعد انفجار المرفأ، وقد يتبعها أيضاً تدابير أخرى غير متوقعة انسجاماً مع التبدلات في العلاقات الإقليمية الحالية.

والتجاهل اللبناني عمداً أو إهمالاً، لا يمكن تبريره في مرحلة يحتاج فيها لبنان الى كل أنواع الإحاطة الخارجية للمساعدة على إنقاذه، وخصوصاً أن أي حادثة لم تسجل رسمياً على مستوى العلاقات بين لبنان والدول المعنية. وإذا كان أداء أي دولة دبلوماسياً يعكس تبدّلاً ما، فإن السلطات الرسمية الأولى، وليس الدبلوماسية فحسب، يفترض أن تبادر الى الاستيضاح لتصحيح أي خلل وإعادة الأمور الى نصابها. وهذا ما لم يحصل. إلا في حال كان لبنان يعوّل على أن الإدارة الأميركية الديموقراطية الجديدة ستكون هي مفتاح حلحلة الأزمات مع دول الخليج.

وفيما يشكل التعامل السعودي والخليجي عموماً مع تكليف الرئيس سعد الحريري تأليف الحكومة، مظهراً من مظاهر الانزعاج الواضح من أدائه وأداء السلطات اللبنانية عموماً، فإن المنحى الجديد يشكل خطوة متقدمة، وخصوصاً في ظل تصاعد العقوبات الأميركية التي لا يبدو أنها ستتوقف على شخصيات لبنانية، وتحذيرات واشنطن المتكررة حيال شكل الحكومة. ولعل أداء الدبلوماسية والسلطة اللبنانية المتجاهل لحجم هذه الخطوات وانعكاساتها من شأنه أن يزيد من حدتها، وأن يضاعف كذلك الثقل على الرئيس المكلف. ف

حصول الحريري على الخارجية من ضمن سلة تفاهمات متكاملة لتوزع الحصص، وإطلالته سياسياً على دول العالم من خلالها في هذه المرحلة التي تحفل بشتى أنواع التوترات الدولية والإقليمية، لن يتحقق بلا مقابل، بل بأثمان داخلية لها وزنها. ووضع يد تيار «المستقبل» على الخارجية ليس بالسهولة التي يتصورها في إحكامه القبضة على كل مفاصلها الداخلية والخارجية بعد كل التغييرات التي لحقت بها. وفي حين يحتاج الى تغطية سياسية واسعة كي يستعيد «الوجه العربي» للدبلوماسية التي يريدها، فإن من المبكر إبداء أي تفاؤل بقدرته على تحقيق ذلك. إذ لن يقدر على تأليف حكومته إلا في إطار صفقة متكاملة مع العهد و”حزب الله”، وهذا تماماً لا يزال يشكل عنصر الأزمة الأساسية بينه وبين الدول الخليجية التي لن تقدم درهماً واحدا له ولهذا الشكل من الحكومات التي تعترض عليها. ولأنه أيضاً لن يأتي الى الخارجية متفلتاً من أي غطاء سياسي تحكمه التوازنات التي ستأتي به رئيساً، وتالياً ستتحكم بالسياسة الإقليمية والدولية للبنان، وبهذا المعنى لن يكون طليق اليدين في إعادة تصويب بوصلة السياسة الخارجية الى اتجاهات أخرى. هذا إذا افترضنا أنه يريد ذلك.