Site icon IMLebanon

الحريري يُحيّد عون: لن يدفعوني إلى الإعتذار!

كتب عمّار نعمة في “اللواء”:

هل يتمكن الرئيس سعد الحريري من إعادة عصر الحريرية السياسية على أنقاض التسوية الرئاسية؟

هذا هو السؤال الجوهري الذي لا إجابة عنه حتى اللحظة في حال إستمر الكباش المرير بين زعيم «تيار المستقبل» ورئيس «التيار الوطني الحر» المُبعد عن محاولات الحل جبران باسيل.

يجهد الرئيس المكلف للسير على حافة الهاوية. هو الشخصية الأكثر حاجة إليها بالنسبة الى البلاد والوحيدة القادرة على إستقطاب التقاطعات الداخلية والخارجية، هو من يملك مفتاح الحل ونقيضه في آن.

عندما خرج الحريري من التسوية التي أتت به رئيسا للحكومة على أثر المجيء أيضا بالعماد ميشال عون رئيسا للجمهورية، حصل ذلك في خضم إنتفاضة شعبية عارمة كان هو أول ضحاياها.. أو هكذا أراد.

جاء هذا الأمر منافيا لرغبة كل الحلفاء والأخصام خاصة مع رفض الحريري عودة باسيل الى الحكومة، حتى اعتقد أنه تمكن من العودة وحيداً من دون باسيل بعد أشهر طويلة، على أنقاض حكومة خصمه حسان دياب بعد نحو عام.

يأمل الزعيم «المستقبلي» تمرير المرحلة لفرض رؤيته المدعومة فرنسياً، لكن الأمر لم يصل الى خواتيمه الاخيرة حتى اللحظة. فرئيس «التيار الوطني الحر» شبه المعزول والذي تجانبه الظروف والضربات خاصة المتعلق منها بالعقوبات الأميركية، لم يُسلم الراية وتمثل المعركة حرب حياة أو موت له في ظل تساؤلات جديّة حول ما إذا كانت الحكومة المزمع تشكيلها ستستمر الى ما بعد ولاية العهد الحالي.

في كل محاولة لتحقيق خرق حكومي في زيارات الحريري الى عون في بعبدا، أطل طيف باسيل بين الجانبين في تأكيد على أن أية محاولة حريرية لصياغة ملامح الحكم المقبل لن يُكتب لها النجاح من دون تسوية ما مع ولي العهد العوني.

في كلماته أمس بعد خروجه من لقاء عون في القصر الرئاسي في بعبدا حيث كان كثيرون ينتظرون كلمة تفاؤل تخرق الحظر الحكومي، إختصر الحريري واقع الحال.

تعابير توددية نحو رئيس الجمهورية في مقابل أخرى موارِبة منتقدة لولي عهده.

قبل ولوجِه الإجتماع ذاك، وجّه عون له شروطه للحل بعد نبرة تفاؤلية خرج بها الحريري من عنده أمس الأول. أنا شريك لك في التفاوض على أساس المبادرة الفرنسية..  بشموليتها. أما تفسير تلك المبادرة، فيكفي تأخير تنفيذها لنحو أربعة أشهر حتى يُستشف التباين حولها واستعمالها شماعة لعدم تنفيذها.

وبعيدا عن كل الشروط والشروط المضادة التي ستخضع بدورها الى التبديل، فإن تحييد رئيس البلاد عن رئيس «التيار» لن تنفع الحريري في حكمه الذي يواجه تحديات هائلة وصعبة جداً.

لن يكون في مقدور الزعيم «المستقبلي» ولوج حكم يريده طويلا وفاعلا وسط صدام مع القوة المسيحية الأكبر، أقله بالنسبة الى التمثيل الرسمي في المجلس النيابي، ولو أن الكثير من الحبر سال حول تراجع دراماتيكي لـ«التيار الحر» في الشارع المسيحي.

يخطىء كل من يظن أن باسيل، المغضوب عليه، سيرفع الراية البيضاء بعد العقوبات الأميركية. قد تجعل العوامل الجديدة منه أكثر شراسة وتمسكاً بـ«الحقوق» وأكثر عناداً ضد مهاجميه، وخاصة، أكثر إستهدافاً لمنافسيه الرئاسيين وهم إثنان دوماً، زعيم تيار «المردة» سليمان فرنجية وزعيم «القوات اللبنانية» سمير جعجع، وخرق صفوهما أخيراً المرشح الجديد الصامت دائماً قائد الجيش جوزف عون.

الوزارات الأمنية بدل الثلث؟

ثمة من يلفت النظر الى أن الأشهر الأخيرة من عهد عون ستشهد عدائية غير مسبوقة بين المرشحين للرئاسة. لكن قبل دخول العد العكسي لانتهاء العهد، هناك من يشير الى أن الفراغ الحكومي لم يُحل بعد، حتى أن مقربين من الحريري يعلنون بأن عون نفسه، بإيعاز من مقربين منه وخاصة باسيل ومستشاره سليم جريصاتي، لا يريد للحريري أن يشكل حكومته.

وبينما قيل كثيرا إن الحريري يريد كسب الوقت حتى الانتهاء نهائيا من مرحلة الرئيس الاميركي الحالي دونالد ترامب ووصول الرئيس المنتخب جو بادين ليتسلم مهامه رسمياً، يبدو أن الزعيم «المستقبلي» بات على قناعة أن العهد يريد شراء الوقت وربما دفعه الى الإعتذار.

فبعد مناكفات طويلة حول الثلث الضامن، وعلى أثر جهود كبيرة من البطريرك الماروني بشارة الراعي، تمكن الحريري من إنتزاع الموافقة على حكومة من ثلاثة أثلاث على أساس 18 وزيراً.

 

لكن العِقد التي استجدت أخيرا اطاحت بموجة التفاؤل. وحلّ الإشتباك على الوزارات الامنية بديلا عن معركة الثلث. والإشتباك يدور حول الدفاع والداخلية والعدل، ويشير البعض الى أن رئيس الجمهورية يتمسك بالدفاع والعدل بينما يهدف الى المساومة على الداخلية التي خاض الحريري معارك كبيرة في سبيل حفظها من حصته.

 

من ناحيته، صعد الرئيس المكلف الى بعبدا أمس وكانت فكرته تقوم على أن يظفر بالعدل بينما يأخذ عون الدفاع وأن يتم التفاهم على الداخلية أو ربما العدلية، أو حتى طرح بعض الأفكار الجديدة وهو ما يثبت أن الجميع تورط في عملية تشاطر غريبة في هذا الظرف. ويؤكد الرئيس المكلف في مجالسه إستمراره في معركته وعدم نيته إطلاقا الاعتذار وقد خرج بخطاب شبع إعتذاري من اللبنانيين أمس، ناعياً تفاؤله السابق.

 

وفي كل هذه الأثناء يقبع اللبنانيون في بحر من الكوارث الإنسانية والإجتماعية التي بات كرراً أن الخطوة الاولى على طريق مكافحتها ستتمثل بحكومة تؤمن إستقرارا سياسيا، ولو هشاًّ، لعل المقبل من الايام يشهد هطول المساعدات الدولية على بلد منكوب.