Site icon IMLebanon

السياسيون يخجلون من الفنانين!

كتب جوزف طوق في “الجمهورية”:

الغباء والجهل غالباً، والصوت الجميل أحياناً، هي من أبرز صفات معظم الفنّانين والفنّانات في لبنان كما إتّضح هذه الفترة.

وهؤلاء الذين راكموا سمعة وثروات وأملاكاً وامتيازات بإسم الهوية اللبنانية، كانوا يرعون عشب الأرضية الجماهيرية المحلّية، قبل أن يذهبوا ليجترّوا شهرتهم في فنادق ومنتجعات وعواصم عالمية، تسمح لهم أموالهم بزيارتها دون غيرهم من هذا الشعب المغلوب على أمره في هذه المحنة غير المسبوقة. هذا ناهيك عن الإطلالات الإعلامية والمقابلات التي فضحت مدى بعدهم عن الناس، ومدى إنسلاخهم عن الواقع بكلّ أبعاده.

قبل الأزمة المالية وإنفجار 4 آب، كنّا نسمع أغانيهم لننسى وجعاً كان محمولاً حينها، أو كنّا نحرم أنفسنا من أشياء ليبقى معنا ثمن تذكرة نعبّر فيها عن حبّنا الدائم للحياة في إحدى حفلاتهم. أمّا اليوم، وقد أصبح الموت مغروماً بنا، كنّا بحاجة لأن يسمعوا أنيننا كما سمعنا أغانيهم، وكنّا نفضّل أن يمشوا إلى إحدى حفلات بكائنا وصراخنا ووجعنا، كما ركضنا إلى حفلاتهم. الشعب لا يريد مالهم، ولا يريد شفقتهم، ولا يريد مساعدات غذائية وطبيّة من ثرواتهم… الشعب لا يريد رفاهية سياراتهم ولا رخام صالوناتهم ولا فرو ملابسهم ولا فضّة موائدهم… الشعب لا يريد أكثر من صمتهم، بعد أن حوّلوا كلماتهم وتصريحاتهم وفيديوهاتهم إلى شتيمة بحقّ كرامته.

يا أخي، غنّوا، ارقصوا، اسهروا، عيشوا، ولكن لا تتصوّروا، لا تتكلّموا، لا تصرّحوا… بربّكم اصمتوا قليلاً، فضجيج كلامكم يزعجنا أكثر من قرقعة طناجرنا التي تشتهي العدس، ومدفآتنا المشتاقة إلى الحطب وعلب أدويتنا المصابة بالسقم.

كان الأجدى بصفحاتكم المتخومة بملايين المتابعين، والتي تجعل منكم مؤثّرين، أن تحمل صوت اللبنانيين المقهورين إلى العالم… فأنت وهي لن تنتظروا علبة سردين حتى لا ينام أولادكم جياعاً، ولا همّكم في لوح زجاج مفجور يحرم ليلتكم من الدفء، وما بالكم بحقوق مهدورة وقوانين ضائعة.

وكأن اللبنانيين ما كان ينقصهم الاستهتار، حتى ظهر البروفيسور البوب ستار رامي عياش في مقابلة تلفزيونية ليتكلّم بإسم الشباب اللبناني الذي يتابعه ويتمثّل به، وقال إنّه لا يعارض زواج القاصرات، في بلد تعاني فيه المرأة للحصول على أبسط حقوقها، وتنشط الجمعيات والوجوه العامة في النضال الحقوقي لرفع سنّ الزواج…

نعم، هذا الفنّان الشاب الذي يتابعه الملايين، لا يجد مشكلة في زواج البنت بعمر الـ16 سنة، بحجّة أنّها في هذا العمر «بتفهم أكثر منه». لا نختلف أنّها والأصغر منها يفهمن أكثر منك، ولكن هنّ بحاجة لأن يسمعن أمثالك يشجعهن على إكمال دراستهن والتخصّص في الجامعات، والتزوّد بالعلم والمعرفة، ليس من أجل إرضاء رغبات الذكور، بل من أجل لعب دور فاعل والمساهمة في الإرتقاء بالمجتمع، إلى مرتبة لا يكون فيها مكان لرامي عيّاش للتحدّث بأمور حسّاسة وجوهرية، والأهم أن لا يكون لمن بمستواه الفكري امتياز تأسيس جمعيات تُعنى بالقاصرات والقاصرين، مثل جمعيته «عيّاش الطفولة».

وأمّا عاصي الحلاني، الذي أحيا حفل عيد رأس السنة كما إبنه الوليد، ودبكا بإهمالهما مع الموجودين على جثث المقتولين بفيروس كورونا. هل كان من الضروري، بعد أن سافرا إلى دبي، أن يغرزا إصبعهما أكثر في جرح الشعب اللبناني؟ الأول يحيي الحفلات والأعياد مع العائلة في المطاعم الفخمة، حيث الوجبات مكدّسة فوق بعضها لضرورات الصورة وليس للأكل، والثاني سارع إلى تلقّي اللقاح وإخبار اللبنانيين المحرومين من أبسط الخدمات الطبيّة بأنّ وجعهم متل إجرو. «وقلّن إنك لبناني».

نحن، الثائرين على الطبقة السياسية المجرمة في لبنان، بتنا نشعر بالغثيان من بعض الفنّانين الذين لا يحترمون حدودهم، فتفوّقوا بعنجهيتهم وغبائهم على من سرقوا حقوقنا، وهم بكلّ براءة يسرقون أملنا بعد أن نهبوا إعجابنا.