Site icon IMLebanon

لبنان… “حروب صغيرة” في الوقت الضائع الإقليمي

… إذا أردتَ أن تعرف ماذا سيحصل في بيروت فعليك أن تعرف ماذا سيجري في المنطقة. معادلة لطالما التصقتْ بالواقع في لبنان لتصبح أكثر رسوخاً في الأعوام الـ 16 الماضية وما شهدتْه من وضْع البلاد على «فوالق» الاقليم وتحوّلاته، سواء التي تُفرض بالحديد والنار وبقوة الأرض، أو التي تحصل على البارد وبموازين سلامٍ قالِب للتوازنات ومحاورها.

ومع انتقال دفّة الحُكْم أميركياً إلى إدارة جو بايدن، بات من السذاجة، وفق كل الأوساط المتابعة للوضع اللبناني، في الداخل والخارج، تَصَوُّر إمكان استشراف مآل رزمة أزماته العاتية قبل اتضاح حزمة السياسات التي ستنتهجها واشنطن حيال قضايا المنطقة وفي مقدّمتها النووي الإيراني.

ويسود اقتناعٌ لدى مصادر واسعة الاطلاع بأن كل ما يشهده لبنان من «عصْفٍ» لمأزق تأليف الحكومة الجديدة وتَفاعُلاتٍ للأزمات المتشابكة التي صارت بمثابة «برميل بارود»، ما هو إلا «لهو» في الوقت الضائع الخارجي والذي سيقصر مداه تباعاً كلما انقشعت الرؤية حيال «السرعة» التي سيعتمدها بايدن في العودة إلى الاتفاق النووي والتي يصعب فصْلها عن «خطر البالستي» ودور طهران في الساحات العربية، خصوصاً بعد «خلْط الأوراق» التاريخي الذي شكّلته «الورقة الذهبية» (السلام) التي كرست العنصر العربي في معادلات المنطقة.

وتبعاً لذلك، وعلى أهمية أبعاد «الحروب الصغيرة» داخلياً، والرسائل غير المشفّرة التي حملتْها أحداث طرابلس في إطار «الملاكمة» في حلبة تأليف الحكومة بين رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف سعد الحريري والتي تُشتمّ منها محاولةٌ لتسديد ضرباتٍ متتالية للأخير، لاعتباراتٍ سُلْطوية، تجعله «يستسلم» قبل ارتسام ملامح المشهد الاقليمي في طبعة ما بعد دونالد ترامب، فإن هذه المصادر التي تعتبر أن «حزب الله» يبقى الناظم الفعلي للواقع اللبناني بمفاصله الكبرى ترى أن أي شيء يصعب ان يتغيّر قريباً في الأفق المسدود رغم تعويم الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون مبادرته ومسارعته لتثبيت ذلك باتصال هاتفي بنظيره اللبناني (السبت).

وإذ رأت المصادر أن اتصال ماكرون بدا إيذاناً بمعاودة تفعيل مبادرته التي لم تنجح منذ إطلاقها في اغسطس بتحقيق «مهمتها» بقيام حكومةٍ جديدة تدرّجت مواصفاتها فرنسياً من اختصاصيين مستقلين إلى غير حزبيين في محاولةٍ لتدوير الزوايا الحادة في الأزمة اللبنانية ومماشاة الوقائع الثابتة، فإنها اعتبرت أن سيد الاليزيه أعطى بكلامه الإعلامي الجمعة إشاراتٍ إلى أنه يسعى لتوجيه رسالة طمأنة للرياض – عبر الدعوة لضمّها للاتفاق النووي – بإزاء السعي للجم تمدُّد نفوذ إيران بالمنطقة، وحضّ السعودية تالياً على مساندته في مبادرته اللبنانية التي لفت إلى انه مصمم على المضي بها ولو على قاعدة حكومة «غير مكتملة المواصفات» بمعنى إشراك «حزب الله» فيها وإن عن بُعد تحت عنوان «الواقعية» التي كان دعا واشنطن للتحلي بها حيال الحزب.

ورأت هذه المصادر، أنه «إذا كان» يمكن القفز نحو استنتاجٍ بأن ثمة تَقاطُعاً أميركياً – فرنسياً مستجداً عند مقاربةٍ أكثر «براغماتية» للواقع اللبناني استُشفّت أيضاً مما عبّر عنه تقرير لمجموعة الأزمات الدولية برئاسة روبرت مالي (قبل تنحيه بسبب تعيينه مبعوثاً خاصاً إلى إيران) دعا إدارة بايدن لسياسة مغايرة تجاه «حزب الله» على قاعدة «ان العقوبات الأميركية ضد حلفائه والضغط الموجه لاستبعاده من السلطة التنفيذية» يعقد تشكيل حكومة جديدة، فإن هذا التقاطع الذي ما زال يحتاج لمؤشراتٍ إضافية لاستنتاج حصوله تحت هذا السقف، يبقى مشوباً بنقطتين: الأولى صعوبة تَصَوُّر تراجُع الرياض في أي مقاربة للوضع اللبناني عن ثوابت باتت معلنة وآخِرها على لسان وزير خارجيتها الأمير فيصل بن فرحان الذي أكد قبل أيام أن «لبنان لن يزدهر من دون إصلاح سياسي ونبذ ميليشيات«حزب الله». والثانية صعوبة توقُّع تخلٍّ لإيران مبكراً عن التشدّد في ساحاتها قبل تثبيت هدف الفصل الذي لا عودة عنه بين مسار النووي وبين الصواريخ البالستية ونفوذها ورفْض إشراك دول أخرى في الاتفاق النووي.

وجاء «الفيتو» السريع الذي رفعتْه طهران بوجه ماكرون وتوجيهها انتقادات قاسية له و«لمواقفه المتسرعة وغير المدروسة» ليعزّز قراءة المصادر التي ترى أن ثمة مرحلة لا بدّ منها لـ«جس نبض» متبادل بين الأطراف المعنية اقليمياً ودولياً قبل إرساء أي منطلقات أو ركائز للتفاوض بما في ذلك حول لبنان، ناهيك عن الترقب الذي ستفرضه «الأجندة» الانتخابية بين مارس ويونيو في كل من اسرائيل ورئاسياً في سورية ثم ايران.

وفي موازاة هذا الأفق الخارجي المعقّد، لا تقلّل المصادر من وطأة ما يقاسيه لبنان في أزماته، وبينها جائحة «كورونا» التي لا تكاد السلطات تنجح ولو متأخرة بإظهار حدّ أدنى من الإمساك بخيوطٍ تتيح تفادي الكارثة الكبرى باجتياحٍ في الإصابات كانت بدأت طلائعه، وهو ما عبّر عنه بدء العدّ العكسي لوصول لقاح فايزر منتصف هذا الشهر، حتى تستعيد مظاهر الارتباك وسوء الإدارة لهذا الملف المصيري.

ولم يكن ممكناً في هذا الإطار التغاضي عن «الفضيحة» التي شكّلها كشف وزارة الصحة العامة في تقريرها عن مستجدات «كوفيد – 19» الجمعة 290 حالة وفاة بسبب الوباء لم يتم الإبلاغ عنها منذ العام 2020، ما رفع عدد الضحايا التراكمي في لبنان إلى 3031 حالة.

ورغم ردّ ما حصل إلى أن تشخيص سبب الوفاة لم يكن واضحاً وأنه بعد تدقيق كامل تم التوصل إلى السبب الحقيقي للوفيات والإبلاغ عنها وتالياً إدراجها، فإن مخاوف برزت حيال هذا التطور وسط علامات استفهام إعلامية لم تتوانَ عن سؤال إذا كان وراء هذا الأمر خلفيات تخفيفية من مستوى الوفيات في فترة معيّنة.

وكان مُفْجعاً أمس ما أوردته «الوكالة الوطنية للاعلام» الرسمية من أن بلدة القليعة (الجنوبية) فُجعت بوفاة شقيقين بفيروس كورونا، يعملان ممرضين في أحد مستشفيات بيروت، هما روميل ابن الـ32 عاماً وروبير طوبيا وعمره 29 عاماً بفارق بضعة أيام بينهما.