Site icon IMLebanon

تَعاظُم الحِراك الدولي حول لبنان

 

… إلى المربّع الأول عُد. عبارةٌ طبعتْ ملف تأليف الحكومة اللبنانية في الأسابيع الأخيرة، ولكنها اكتسبتْ معناها الأعمق مع «الأسس» الجديدة التي نجح تباعاً الائتلاف الحاكِم (حزب الله – التيار الوطني الحر) في إرسائها وجعْلها «المدخل» لأي حلّ كان حدّد الرئيس المكلف سعد الحريري ركائزه ومعاييره التي تستند إلى المبادرة الفرنسية والتي يجول العواصم ساعياً لحشْد الدعم للبنان على أساسها.

ورغم النَفَس الذي اعتمده الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله في كلمته ليل الثلاثاء والذي بدا فيه وكأنه يريد إرضاء حليفه رئيس الجمهورية ميشال عون وفريقه وفي الوقت نفسه عدم إغضاب الحريري، فإن أوساطاً مطلعة اعتبرت أن «إعطاءَ» نصرالله الرئيس المكلف أحقيةً على حساب عون، ولو من «باب التفهُّم»، في مسألتيْ عدم حصول فريق رئيس الجمهورية منفرداً على الثلث المعطّل وإصراره (الحريري) على حقيبة الداخلية، قابَله «ضربُ» حجر الزاوية الذي وضعه زعيم «المستقبل» لتشكيلته وقوامه صيغة الـ 18 وزيراً لمصلحة ما يشبه «أمر العمليات» على قاعدة: إلى تركيبة 20 أو 22 وزيراً… دُر.

وفي رأي الأوساط أن تَعاطي نصرالله مع هذه النقطة بوصْفها «تفتح الباب أمام المزيد من التفاوض وتدوير الزوايا واستعادة بعض الثقة (…)»، يعني نسْف «الهيكل العظمي» للحكومة الذي جرى العمل عليه على مدار الأشهر الأربعة الأخيرة ومعاودة فتْح مسار التأليف على تجاذبات جديدة حول التوازنات وتوزيع الحقائب وكيفية تفادي أن يكون الوزير المسيحي والدرزي الإضافييْن (في صيغة الـ 20) من حصة رئيس الجمهورية بما يمنحه تلقائياً الثلث زائد واحد.

ولم يقلّ أهمية في رأي الأوساط نفسها حرص نصرالله على وضْع مراعاة الحريري بتمسكه بـ «الداخلية» في سياق «معاملة بالمثل» مع «ثنائي حزب الله – حركة أمل عندما تمسك بوازرة المال»، وهو ما اعتُبر أنه تظهيرٌ للحضور السياسي للحزب والآخَرين في الحكومة وإن «عن بُعد»، كما من شأنه تعزيز إصرار عون وفريقه على أن يسْري عليه ما اعتُمد مع غيره لجهة حقّه باقتراح الأسماء من الحصة المسيحية أو غالبيتها العظمى، وهو ما يعطيه حُكْماً الثلث المعطّل انطلاقاً من المناصفة حكومياً بين المسلمين والمسيحيين، وفي ظل إحجام الأطراف المسيحية من خصوم «العهد» عن أي مشاركة في الحكومة.

وإذ كرّست مقاربة نصرالله، عدم استعجال «حزب الله» بت الأزمة الحكومية التي باتت رهينة المرحلة الجديدة التي تشق طريقها في المنطقة انطلاقاً من مآل الملف النووي الإيراني، توقفت هذه الأوساط عند الرسالة المزدوجة التي وجّهها من باب الضغوط الخارجية والتدويل.

ولم يكن ممكناً فهْم الكلام عن «ان انتظار ضغوط خارجية هو تضييع وقت وقد يدفع البعض لمزيد من التمسك باقتناعاته» إلا في سياق الغمز من قناة الحركة الخارجية للحريري التي حملتْه أمس الى الدوحة ويُنتظر أن تتوسع نحو دول أوروبية أخرى، والتي تثير حفيظة معلنة من فريق عون باعتبارها محاولة لتكريس غطاء خارجي لمعايير الرئيس المكلف للتأليف.

أما «الخط الأحمر» الذي رَسَمه نصرالله حول عنوان «التدويل» والذي بدأ باعتبار أي كلام عن «قرار تحت الفصل السابع» ربْطاً بالأزمة الحكومية «دعوةً إلى الخراب والحرب»، فبدا ضمناً، بحسب الأوساط برسْم البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الذي يواظب منذ فترة على الدعوة لمؤتمر دولي برعاية الأمم المتحدة يتناول مجمل مشاكل لبنان وبينها «تعدُّدية السلاح» على قاعدة «تطبيق القرارات الدولية السابقة حتى لو اضطر الأمر لإصدار قرارات جديدة».

ويأتي التجاذب حول «التدويل» وحدوده، فيما يزداد الحِراكُ الخارجي حول الواقع اللبناني الذي تتصاعد المخاوف من انكشافه المالي – الاقتصادي وما يخلّفه ذلك من تداعيات قاسية على الواقع المعيشي وخصوصاً مع تجاوُز سعر صرف الدولار في السوق السوداء أمس عتبة 9 آلاف ليرة وسط ارتفاع مضطرد في أسعار المحروقات في عزّ عاصفة ثلجية هي الأقوى لهذا الموسم لامست معها الثلوج 400 متر شمالاً.

وتزامن ذلك ‏مع ما كشفته «وكالة الأنباء المركزية» عن مصادر ديبلوماسية غربية من ان نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف وقبيل اتصالاته اللبنانية قبل أيام أجرى اتصالات مع الرياض، وان رئيس الاستخبارات الفرنسية برنار إيميه زار واشنطن أخيراً للتنسيق في شأن لبنان، وأن الرئيس ايمانويل ماكرون يستعد «لتنظيم اجتماع في باريس بين مسؤوليين مصريين وفرنسيين معنيين بالأزمة لبحث الوسائل الممكنة لتنفيذ المبادرة الفرنسية، وآليتها أي حكومة مهمة من اختصاصيين وغير سياسية».

وفيما لفت أمس أول كلام للسفير السعودي وليد بخاري بعد عودته الى لبنان إذ تمنى أمام مفتي الجمهورية الشيخ عبداللطيف دريان أن «يجتاز لبنان أزمته بأسرع وقت»، مؤكدا أن «السعودية لن تتخلى عن الشعب اللبناني الشقيق وستبقى داعمة له ولمؤسساته»، بقي الوضع في الجنوب في دائرة الاهتمام بعد ما كشفته صحيفة «جيروزاليم بوست» عن إجراء الجيش الإسرائيلي «تدريبات ناجحة (بين الأحد والثلاثاء) على ضرب 3 آلاف هدف لحزب الله خلال 24 ساعة»، وأيضاً في ضوء ردّ نصرالله على تهديدات تل ابيب «إذا قصفتم مدنيّين، ‏فسنردّ على مواقعكم العسكرية بين المدنيّين، وإذا قصفتم قرية، فسنردّ على ‏مستوطنة… ولا أحد يضمن أن الأيام ‏القتالية لن تتدحرج إلى حرب».