Site icon IMLebanon

لبنان “على كف” سيناريوهات أمنية قاتمة

 

لا تملك الأجهزة الأمنية معطيات محددة عن احتمالات حصول خضات أمنية ربطاً بالوضع السياسي والاقتصادي المتدهور، لكن الانطباعات العامة السياسية والأمنية هي أن المخاوف من تدهور أمني غير المحدد الملامح، تتصاعد تدريجاً، مع تعثر تشكيل الحكومة ودخول البلاد مرحلة حساسة من الخلافات السياسية الحادة.

وفيما تتحدّث كل التحذيرات الغربية تحديداً عن احتمال دخول لبنان في مرحلة حساسة أمنية، تعاين سفارات معنية بالأوضاع في لبنان حجم الانهيار الاجتماعي عبر مراكزها الاستخباراتية والأمنية وأيضاً مراكز الاستقصاء والأبحاث والتغطيات الصحافية التي تتناقل يومياً أخباراً عن مواجهات في سوبرماركت هنا ومحال مواد غذائية هناك نتيجة فقدان منتجات أو التهافُت على أنواع معينة تدعمها الحكومة.

 

من هنا الدفع بقوة الى تشكيل حكومة بأسرع وقت، ولا سيما من جانب الفرنسيين. فكل الأطر الأمنية تتحدث عن أن رفع الدعم، يعني دخول اللبنانيين في مرحلة مجهولة المعالم نتيجة ارتفاع أسعار المواد الغذائية والمحروقات والكهرباء والأدوية. وهذا يجعل تلقائياً، عنصر الانفلات الأمني في أولوية المخاوف.

لأن أسعار المنتجات الغذائية والطبية سترتفع في شكل هستيري ومعها احتمال فقدان أدوية وتعثُّر دفع كثير من المستحقات، في بلد تراجعت فيه القدرة الشرائية للبنانيين في شكل دراماتيكي خلال أقل من سنة، وانخفضت قيمة الرواتب نحو تسعين في المئة.

كذلك الأمر اذا استمرت المصارف في سياسة منع المودعين من الحصول على أموالهم وتأمين متطلبات أولادهم في الجامعات خارج لبنان، الأمر الذي سيزيد من احتمال حصول مواجهات لا سيما بعد تزايد الأحكام القضائية في حق عدد من المصارف، وانتشار سوق السلاح الفردي.

ولأن الفقر يُشكل دائماً حالة خصبة للاستغلال السياسي والمساس بالاستقرار، فان التحذيرات تتوالى من احتمال دخول لبنان في مرحلة خطرة أمنية من دون سيناريوهات واضحة، نتيجة امتزاج كل العناصر التي تجعل من الأمن ساحة مفتوحة.

لأن مثل هذه الفوضى الاجتماعية تؤسس دائماً لحالة فلتان أمنية حتى من دون تحديد أطر سياسية لها، وبلدان أفريقيا وأميركا اللاتينية مثال على ذلك.

فكيف الحال اذا ترسخ أكثر الانقسام السياسي والشعبي نتيجة تعثّر تشكيل الحكومة. علماً أن سعي دولٍ الى حفظ الاستقرار في لبنان قد لا يكون في مرحلةٍ ما مطلوباً، لا بل ان العكس هو الذي يصبح أكثر الحاحاً اذا كان المساس بالاستقرار طريقاً الى التفجير ومن ثم الحل، مع الاشارة الى أن التعويل على القوى الأمنية لمواجهة أي توتر لم يعد كافياً.

ويسود بعض الدوائر اقتناعٌ بأن مرحلة المواجهات بين المتظاهرين والقوى الأمنية في أعقاب انفجار تظاهرات 17 اكتوبر 2019 أظهرت أن الانفلات الأمني هو قرار «رفيع المستوى محلي أو خارجي» وليس نتيجة قدرة هذه القوى على ضبط الوضع. وقرار المساس بالأمن، يستفيد أيضاً من الوضع الاجتماعي والمعيشي لعديد القوى الأمنية.

ففي مواجهة التفلت الأمني هناك عجز القوى الأمنية، من خلال الأزمة المعيشية التي ضربت أيضاً العناصر العسكرية والأمنية واضطرت المؤسسات الأمنية والعسكرية بسببها الى تلقي اعانات غذائية ويقال مالية، من عدد من الدول لتأمين متطلبات عناصرها ومساعدتهم. وهذه حالة فريدة لدى مؤسسات أمنية في ساحةٍ تغلي بكل عناصر التفجير.

ويذكّر عارفون في تعقيدات الواقع الأمني بأنه في الأعوام الأخيرة، كان الخوف الأمني الأول الذي سيطر على أجندة الأجهزة الأمنية ونشاطها، يتعلق باحتمالات حصول أعمال ارهابية ولا سيما ان لبنان كان عرضة لسلسلة عمليات أمنية – ارهابية، من دون نسيان طرد الجماعات الارهابية من الحدود الشرقية عبر معركة «فجر الجرود».

وما زال سجلّ الجيش وفرع المعلومات والأمن العام وقوى الأمن الداخلي يحفل بالقبض على شبكات ارهابية في حوادث أمنية متفرقة.

ورغم أن طابع العمليات الارهابية انحسر نسبياً لا سيما بعد تقلص نفوذ تنظيم «الدولة الاسلامية» في المنطقة من سورية الى العراق، الا ان بقاء «الخلايا النائمة» و«الذئاب المنفردة» لا يمكن أن يغيب عن حسبان الأجهزة الأمنية، مع التذكير بما حصل في بلدة كفتون شمال لبنان، حين ألقي القبض في أغسطس من العام الماضي على مجموعة ارهابية قتلت ثلاثة من أبناء المنطقة. واستخدام هذه الخلايا لأسباب سياسية عدا عن العقائدية مازال احتمالاً قائماً، حين تصبح التدخلات الخارجية أمراً واقعاً في بث الفتنة.

لكن لا يقتصر الخوف على الاستقرار على العامل الارهابي، فمنذ تظاهرات 17 أكتوبر، دخل لبنان في مرحلة توتر أمني، تتصاعد وتيرتها وتنخفض بحسب الكباش السياسي، مرفقاً بالانهيار الاجتماعي والمالي غير المسبوق.

في مرحلة التظاهرات والمناكفات السياسية الحادة، شكل قطْع الطرق واشعال الاطارات العامل الأساسي الأول في احداث بلبلة أمنية ولا سيما في ظل مواجهات حصلت بين المتظاهرين ومعارضيهم من «حزب الله» وحركة «امل»، في بيروت والطريق الساحلية المؤدية الى الجنوب، و«التيار الوطني الحر» الذي حصر مواجهته مع «القوات اللبنانية» التي كان يعمد مناصروها الى قطع الطرق في مناطق نفوذ الطرفين.

ومع دخول لبنان مرحلة المراوحة السياسية بعد تكليف الرئيس سعد الحريري تشكيل الحكومة، انخفض منسوب التوتر في الشارع، مع تراجع تدريجي لحركة المتظاهرين وانكفاء المحتجّين عن الاعتصامات وقطع الطرق. لكن عاملاً جديداً طرأ وتسلل تدريجاً الى الحالة الأمنية، وهو انعكاس انخفاض سعر الليرة اللبنانية، وارتفاع سعر الدولار بصورة جنونية، وارتفاع أسعار السلع والمواد الغذائية، وامتناع المصارف عن تزويد المودعين بودائعهم، وعدم السماح بتحويلات للطلاب الموجودين في الخارج.

وفي بدايات مرحلة التدهور الاجتماعي والمالي، وانعكاس ارتفاع سعر الدولار على الأدوية تحديداً وانقطاعها، رغم أنها مازالت مدعومة من الحكومة، الا ان أول اشارة أمنية تجلت بالاعتداء على الصيدليات التي عانت من مسلسل سرقات في عدد من المناطق الأمر الذي دفعها أكثر من مرة الى تنفيذ اعتصامات والتلويح بالاقفال.

وصحيح أن عامل السرقة عامل عام، ولم يكن دائماً بحُكْم الحاجة، الا أن استهداف الصيدليات بدا أول مؤشر جدي على بدء موجة سرقات تحت ضغط العوز والفقر ونتيجة الحاجة الماسة الى أدوية مفقودة، والى منتجات خاصة بالأطفال.

تزامناً، عاد الكلام عن تنفيذ سرقات لا سيما في المناطق الجبلية، حيث تخلو منازل من سكانها شتاءً، وخصوصاً ان انتشار فيروس كورونا المستجد، وفرْض عمليات اغلاق متتالية، أدى الى عدم تنقل المواطنين بين المناطق وتالياً بقاء بيوتهم الجبلية فارغة ما تسبب بتزايد أعمال السرقة.

ولم يتوقف هذا المسلسل الذي طال الحديد والخردة بعدما ارتفع سعر الحديد، ونشطت عصابات الاتجار به وبيعه في لبنان وتهريبه الى الخارج ولا سيما الى سورية.

وراجت عمليات سرقة اللوحات الاعلانية، خصوصاً مع انتفاء عرض الاعلانات نتيجة كساد هذا السوق محلياً، اضافة الى سرقة أغطية الحديد للمجاري المائية وأسلاك الكهرباء، الى أن وصل الأمر الى فضيحة سرقة الأبواب الحديد (نحو 11 باباً) لمدافن مسيحية في بلدة رياق في قضاء زحلة (البقاع)، والتي كادت تتسبب بفتنة طائفية.

وقد تضاعف عدد عصابات السرقة نتيجة عوامل الفقر وانهيار الطبقة الوسطى، وتضاعفت معها الجرائم المرتكبة، كما عمليات شراء الأسلحة الفردية التي نشط سوقها في الأشهر الأخيرة، بعدما أقدم عدد من اللبنانيين على تخزين ما سحبوه من المصارف من أموال في منازلهم، اضافة الى الخوف من تزايد الجرائم وعمليات اقتحام المنازل.

لكن هذا الواقع على سيئاته وأخطاره، لم يشكل نقزة بالمعنى الحقيقي على مستوى الأمن، رغم ارتفاع عدد الجرائم المرتكبة. لأن المخاوف الحقيقية تتعلق بانفلاش الانفلات الأمني بين السرقات والجرائم، معطوفاً عليه عامل المواجهات المحتملة، اذا فشلت كل الوسطات الدولية لتشكيل حكومة، تزامناً مع رفع الدعم عن المواد الأساسية كالمحروقات والمواد الغذائية والأدوية.
https://www.alraimedia.com/article/1534324/متفرقات/قضايا/لبنان-على-كف-سيناريوهات-أمنية-قاتمة