Site icon IMLebanon

الحكومة رهن وزارات الاستحقاقات

كتب طارق ترشيشي في “الجمهورية”: 

كثيرة هي السيناريوهات التي بدأت تحاك حول ما يمكن ان يكون مصير الرئيس نجيب ميقاتي: أيؤلف حكومته الثالثة أم يعتذر كسلفه الرئيس سعد الحريري الذي لم يتمكن من التفاهم مع رئيس الجمهورية ميشال عون ومن خلفه رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل على تشكيلة وزارية محددة ستدير شؤون البلاد في زمن الاستحقاقات الكبرى داخلياً وخارجياً؟

اول هذه السيناريوهات يقول انّ عواصم القرار الدولي والعربي توصلت الى اقتناع بأنّ الخطر الذي يهدد لبنان الآن وجودياً بفعل الانهيار الاقتصادي والمالي والمعيشي الذي يعيشه منذ تشرين الاول 2019 بات يفرض تأليف حكومة تدير الازمة على الاقل، أو تبدأ بمعالجتها عبر الاصلاحات المعروفة والتي حددتها المبادرة الفرنسية وقبلها حكومة الرئيس سعد الحريري في ما سمّي «الورقة الاقتصادية» وغيرها، وذلك في موازاة إجراء الانتخابات النيابية في موعدها الربيع المقبل لإنتاج سلطة جديدة يأمل اللبنانيون في ان تكون على نقيض السلطة الحالية والتي تشارك فيها قوى سياسية تتحمل المسؤولية عن الفساد والافساد الذي تسبب بانهيار البلاد على كل المستويات.

أمّا ثاني هذه السيناريوهات فهو ان يفشل ميقاتي حيث فشل سلفه الحريري في الاتفاق مع عون على حكومة انقاذ او «حكومة مهمة» حيث ان كلّاً منهما (اي عون والحريري) اراد ان تكون له اليد الطولى فيها بما يمكنه من التحكم بالاستحقاقات المقبلة من النيابية الى الرئاسية وما بينهما الاستحقاق الحكومي، الذي سيتأتى من نتائج الانتخابات النيابية في الربيع المقبل.

ويقول البعض ان عوامل الفشل التي كانت سائدة ايام تكليف الحريري هي موجودة الآن امام ميقاتي، وابرزها الخلاف على من تكون الجهة التي ستتولى وزارتي الداخلية والعدل اللتين تشكلان ابرز وزارتين في زمن الاستحقاقات الكبرى التي سيخوضها لبنان على مساحة السنة المقبلة من الانتخابات البلدية والاختيارية الى الانتخابات النيابية في الربيع وصولاً الى الانتخابات الرئاسية في خريف السنة نفسها.

لماذا الموضوع محصور بوزارتي الداخلية والعدل وليس غيرهما؟ لأن وزارة الداخلية هي وزارة الانتخابات وما ادراكم ما الانتخابات هذه المرة حيث تُقدم القوى السياسية على خوضها في زمن جوع اللبنانيين الذي قد يجد فيه بعض هذه القوى السياسية ومجموعات من رجال الاعمال الطامحين للوصول الى السلطة أرضية خصبة لتزوير ارادة الناخبين، ولا سيما منهم المحتاجون، عبر ممارسة الرشوة «بأرخص الاسعار»؟! في زمن تدهور سعر العملة الوطنية امام العملة «الخضراء»، والتجارب في لبنان كثيرة في ما مضى حيث لم تنجح الدولة «بالتمام والكمال» في ضبط العمليات الانتخابية بما يمنع تزويرها عبر الرشاوى وغيرها، خصوصاً ان الراشين يستمرون في ممارسة هذه الرشى على مدار السنين والايام الفاصلة عن موعد كل استحقاق انتخابي، ومنها الرشى بالمال مباشرة او بالخدمات والتوظيف في الادارات العامة والخاصة او بأشكال اخرى يعرفها اللبنانيون جميعاً ولا حاجة للتفصيل فيها اكثر.

ولذلك، يعتقد بعض القوى والجهات الرسمية او السياسية انه اذا استحوذ على وزارة الداخلية فسيكون في إمكانه التحكم بالاستحقاق النيابي إداريا ولوجستيا وحتى سياسيا، خدمة لمصلحته وحلفائه او لمواجهة منافسيه وخصومه بالتضييق عليهم او بالتحكم بإدارة العمليات الانتخابية من صناديق الاقتراع بداية وصولاً الى فرز الاصوات واعلان النتائج نهاية. على ان كثيرين من السياسيين وحتى من عامة الناس يتناقلون في كل موسم انتخابي على سبيل النكتة عبارة «انتخابات حرة ونزيهة.. والدولة على الحياد»، وذلك في معرض الغمز واللمز الى ان ما من انتخابات شهدتها البلاد، قبل التوصّل الى «إتفاق الطائف» وبعده، كانت «حرة ونزيهة» بعيداً من أي تزوير سواء لإرادة ناخبين (ولا نقول جميع الناخبين) او في عملية فرز الاصوات واصدار النتائج.

اما وزارة العدل التي ترتبط بجانب من صلاحياتها بصلاحيات وزارة الداخلية في مجال اجراء الانتخابات لجهة فرز الاصوات واعلان النتائج الذي يتم بإشراف قضاة، فهي ايضاً موضع طموح لدى بعض القوى والمرجعيات الرسمية والسياسية وخصوصاً التي تسمّى «نافذة» في السلطة والواقع، تريد ان تكون لها اليد العدلية الاولى في هذا الاستحقاق النيابي كما في ملفات الفساد المفتوحة والتي يمكن ان تفتح مستقبلاً، فضلاً عن الملفات القضائية الكبرى المفتوحة والتي يتصدرها ملف انفجار مرفأ بيروت الذي لم يرس قضائياً على برّ معيّن بعد، ويدور فيه وحوله كثير من الجدل القضائي ـ السياسي حول المرجعيات القضائية الصالحة لملاحقة هذه الشخصية المدعى عليها او المشتبه بها، سواء كانت رئيساً او وزيراً ونائباً او مرجعية امنية.

ولذلك، فإنّ غالب الظن لدى كثيرين هو انّ الاستحقاق الحكومي في زمن تكليف ميقاتي تأليف الحكومة سيُنجز او يتعثّر تِبعاً لما سيكون عليه مصير حقيبتي وزارتي الداخلية والعدل ومآلهما، مع العلم انّ طموح بعض القوى السياسية للاسستحواذ على بعض الوزارات الخدماتية الدسمة إنما هو لغاية استخدام خدمات هذه الوزارات رشى لناخبين على رغم من انها حق مكتسب لعامة اللبنانيين بلا تفرقة او تمييز، ولا ينبغي ان تكون مِنّة لدى هذا الفريق السياسي او ذاك تُعطى للمواطنين مقابل التصويت لهذه اللائحة الانتخابية او تلك.

اما السيناريو الثالث، والذي يتخوّف منه بعض الاوساط السياسية وحتى الشعبية، فهو ان تتكرر تجربة الحريري مع ميقاتي فلا يتفق مع عون على التشكيلة الوزارية العتيدة ويذهب الى الاعتذار، خصوصاً انه قد حدّد لنفسه مهلة شهر لتأليف حكومته، وفي هذه الحال تكون البلاد امام احتمالين: الاول دخول لبنان في انهيار شامل على كل المستويات يستدرِج تدخلاً دولياً تحت عنوان «إنقاذه»، والثاني بقاء لبنان على ما هو عليه من انهيار يستمر معه سعر الدولار الاميركي في الارتفاع على حساب قيمة العملة الوطنية، بينما تستمر حكومة تصريف الاعمال بصلاحياتها وقدراتها المحدودة في ادارة الازمة وتُشرف على اجراء الانتخابات النيابية التي تنبثق منها حكومة جديدة.