كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:
خلال مؤتمر المانحين لدعم لبنان الذي نظمته فرنسا وعقد بالتزامن مع إحياء الذكرى السنوية الأولى لإنفجار مرفأ بيروت، أعلن عن جمع مبلغ 370 مليون دولار، سيوضع بتصرف منظمات المجتمع المدني او المنظمات غير الحكومية لانتفاء رغبة الدول في مساعدة مؤسسات الدولة . تلك المنظمات التي اصبح عمل غالبيتها عرضة للانتقاد آخرها ملاحظة رئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط “عن ما يُسمّى بالمجتمع المدني والـNGO’S التي تبتلع عشرات الملايين من الدولارات وتذهب”!
القصة ليست بجديدة لكن لا مصلحة لكثيرين بإثارتها وتدور حول عمل منظمات المجتمع المدني NGO’S بعد الطفرة التي شهدتها خصوصا في اعقاب انفجار المرفأ في الرابع من آب المشؤوم. بشهادة شاهد من اهلهم قال وكيل وزارة الخارجية الأميركية ديفيد هيل في ايلول الماضي “أنفقنا 10 مليارات دولار في لبنان على القوى الأمنية و”المجتمع المدني” فيما تحدثت المؤسسة الفرنسية عن مساعدات بملايين الدولارات. ما يوازي 12 مليار دولار صرفت في لبنان بينما 50 بالمئة من سكانه تحت خط الفقر.
لا تقديرات دقيقة لحجم الاموال التي تدخل الى لبنان من خلال مشاريع تنفذها منظمات غير حكومية NGO، ولا عدد العاملين فيها. وبتقدير المتابعين فإن مليارات الدولارات انفقت بعيد انفجار مرفأ بيروت، “كاش” او “فريش” ولم تحدد وجهة انفاقها. ويمكن لاي جهة دولية ان تتبنى مشروعا بكلفة خمسة ملايين دولار وتنفق على الارض 20 مليون دولار ولا تجد من يراقب نفقاتها. ويتحدث أستاذ السياسات والتخطيط في الجامعة الأميركية في بيروت، ناصر ياسين عن مليار و600 مليون دولار انفقتها المنظمات الدولية مؤخراً على مشاريع تولتها NGOs.
فوضى الانفاق استدعت زيارة خصصها وفد اميركي الى لبنان للاستفسار والطلب عبر وزارة الداخلية اعداد قانون لمراقبة نفقات برامج هذه المنظمات والتحقق من الارقام التي تنفقها وفي اي اتجاه. لم يخف الوفد خشيته من ان يكون جزء من الاموال يذهب باتجاهات تستفيد منها تنظيمات ارهابية كانت لها نشاطات في لبنان وعبره. اكثر من استفسار استوقف الوفد تمحور حول الجهات التي تدخل من خلالها الاموال وتلك التي تستفيد منها. حسب تقديراتهم اذا كان يدخل الى لبنان مليار دولار من الخارج على سبيل الدعم وما يقارب 2 مليار من المغتربين فان نحو 7 مليارات دولار تصرف بطرق غير محددة الاتجاه.
الاخطر وفق المعنيين بالشأن الاجتماعي أن المشاريع المتعلقة بالدعم الاجتماعي في لبنان لا تتوافر لديهم تفاصيل عن نوعية الخدمة التي تقدمها هذه المنظمات وفعاليتها وما التغيير الذي تحققه في الواقع الاجتماعي خصوصاً وان ثلاثة ارباع الانفاق يركز على الدعم النفسي الاجتماعي بعيداً عن تغطية الاحتياجات الحياتية او التربوية او الطبية وهذه غالباً ما تستهدف المرأة وتركز عليها لناحية القوانين والدين والتقاليد.
وتسبّب المبالغ المنفقة شرخاً بين الموظفين فتجد مثلاً ان راتب موظف متعاقد مع احدى المنظمات غير الحكومية يفوق ستة آلاف دولار مقابل خدمات استشارية، بما يوازي راتب عشرة موظفين في القطاع العام، ما يدفع بالموظفين الكفوئين في الادارت العامة للاستقالة او التغيب عن العمل والسعي للتعاقد مع منظمات NGO مقابل الالف دولار فريش شهرياً. والامثلة على ذلك كثيرة ومتشعبة حيث ان كل مشروع تبغي المنظمات غير الحكومية تنفيذه تستعين لذلك بشريحة واسعة من الموظفين والمستشارين برواتب يتقاضونها بالدولار (فريش) تفوق راتب مدير عام في مؤسسة رسمية.
عامل اضافي لا يتم الالتفات اليه وهو اقتطاع المنظمات الدولية الداعمة نسبة من المبالغ المرصودة للبنان كمساعدات تذهب كنفقات تشغيلية تبلغ احياناً ما لا يقل عن 50 بالمئة من المبلغ المرصود وكون المنظمات الدولية تقتطع مبلغاً لصناديقها من المبالغ المرصودة نسبته 12 بالمئة. مثلا في برنامج الاسر الاكثر فقراً يتم اقتطاع نسبة 5 بالمئة من مجمل المبلغ المرصود بدل استمارات وزيارات الى المنازل بكلفة 15 دولاراً عن كل طلب وبدل ان تشمل الزيارات 200 عائلة تتدنى الى 100 عائلة اي النصف .
ناهيك هنا عن تعدد الصناديق العاملة في لبنان وكلها لها كلفة تشغيلية. وخلال اجتماعها مع مسؤولين في الدولة شكت جهات دولية من وجود اكثر من صندوق تتم ادارتها داخل الاراضي اللبنانية ومن انفاق كبير غير محددة الجهات المستفيدة منه وغاياتها واهدافها ما يوجب دراسة امكانية توحيد الصناديق في صندوق واحد. وثمة اختلاف في وجهات النظر بين الاتحاد الاوروبي الذي يريد للدعم ان يكون من خلال مؤسسات الدولة لكنه يشكو مسألة البيروقراطية المعيقة وامكانية التدقيق في صرف الاموال حيث يجب والداعمين لفكرة الذهاب باتجاه دعم المنظمات غير الحكومية . مسألة اخرى لا تقل اهمية منفصلة عن المنظمات غير الحكومية لكنها تثبت التفلت المالي في لبنان تلك المعاملات المالية التي تحصل بعيداً عن اعين الدولة ورقابتها، حيث تلاحظ زيادة الطلب على العملة الوطنية في بيروت والتي يعيد اصحابها وهم غير لبنانيين تحويلها الى الدولار في البقاع و بمبالغ تتزايد يوماً بعد يوم.
يقول أستاذ السياسات والتخطيط في الجامعة الأميركية في بيروت، ناصر ياسين ان قطاع المنظمات غير الحكومية متروك الى قدره بحيث يصعب معرفة الارقام الدقيقة التي تنفق من خلاله وآلية انفاقها والجهات المستفيدة التي وان كان لغالبيتها الرغبة بالعمل الجدي لكنها امام تحدي العمل الشفاف وحسن الادارة والهدر” ولكن الخشية “في حال تولت المؤسسات الرسمية ادارة تلك المشاريع ان تخضع المبالغ للمحاصصة والمنفعة السياسية” ليختم “هو قطاع غير منظم لكن لا امكانية للدولة على تنظيمه قبل الاستقرار السياسي”.