كتب أنطوان الشرتوني في “الجمهورية”:
كل سنة، يحتفل العالم في العاشر من شهر آذار باليوم الدولي للسعادة. السعادة، هي الشعور بالراحة الداخلية واطمئنان القلب وراحة البال، وهي الإحساس بالرضا والإستمتاع بالحياة الجميلة والمستقرة. ولكن للأسف، مع كل تلك الأزمات التي يتخبط بها العالم، بدايةً من لبنان وانهيار اقتصاده ومقوماته تدريجاً، وصولاً إلى الحرب التي قادتها روسيا تجاه جارتها أوكرانيا. والأصعب في كل هذا هو أن، عاجلاً أو آجلاً، ستنتهي الحرب وستخلف وراءها مئات أو حتى آلاف القتلى. فما هي السعادة؟ كيف تتكوّن شخصية الانسان السعيد؟ وكيف يمكن للإنسان أن يجد سعادته في كل هذا السواد الذي يعيش فيه؟
للسعادة تفسيرات كثيرة، حيث الكثير من الفلاسفة والحكماء وعلماء النفس قد فسّروها كمصدر إيجابي في داخل الإنسان، تدفعه لأن يرى العالم الخارجي جميلاً. فكم من المرات، وخلال أزمة «حزن» نمر فيها، نسترجع بعض الذكريات السعيدة وذلك يكون كفيلاً للحصول على طاقة إيجابية ليوم كامل. ويحتفل العالم كل سنة في العاشر من شهر آذار باليوم الدولي للسعادة، حيث يعبّر الإنسان عن سعادته تجاه أخيه الإنسان.
ما هي السعادة؟
السعادة هي شعور إيجابي ينبع من قلب الإنسان ويتنعّم به ويشكر الخالق عليه. كما يمكن أن تكون نتيجة أفعال حسنة قام بها الإنسان تجاه أخيه أو تجاه عائلته أو حتى تجاه المجتمع الذي ينتمي إليه. ولا يمكن أن نقيس السعادة بشكل دقيق، لأنها شعور ولكن يمكننا أن نَصِفها ونعرّف عنها ونكتشف أسبابها. فلطالما إعتبر أنّ الانسان السعيد هو الذي ينشر هذا الشعور الجميل للقريبين منه من خلال فعل أو عبارة أو حتى ابتسامة. لذا، الإنسان هو «خالق» السعادة ويجب أن يقنع نفسه بأنه قادر للوصول إلى هذا الإحساس، إذا اراد ذلك. لذلك في العيادات النفسية، نطلب دائماً من الصبور أن يسترجع ذكرياته الجميلة لكي يستفيد من خبراته الماضية، أكانت سلبية أو ايجابية. يساعد هذا التمرين الصبور لقبول الحاضر واستبداله بالتفكير وبالسلوك الإيجابي كما يدفعه للتشوّق إلى المستقبل.
الشخص السعيد وصفاته
كم من الأشخاص الذين نعرفهم في حياتنا يجلبون لنا السعادة أو على الاقل إبتسامة عندما نراهم ونَنعتهم بأنهم أشخاص سعداء وإيجابيون. وبالمقابل كم من الأشخاص نهرب منهم خائفين حتى إلقاء السلام عليهم بسبب شخصيتهم السلبية. لذا، إذا كنا نريد أن نتحدث عن شخصية الشخص السعيد يمكن أن نحدد النقاط التالية:
– متقبّل لذاته، منطقي، واعٍ ويحب الآخرين كحبه لذاته. كما يعرف كيف يجذب الآخرين من خلال كلماته التي يختارها بتأنٍ وانتباه.
– يبحث دائماً في الامور اليومية والحياتية والسياسية والإقتصادية… بالرغم من «سوادها» بعض الأحيان، عن بريق أملٍ للإستمرار في الحياة.
– متطور في علاقاته الخارجية والتي لا تقتصر فقط على الأصدقاء والاقارب ولكن يمكن أن تتعدى العائلة القريبة وزملاء العمل. فهو يعتبر شخصا «منفتحا» اجتماعيّاً ولكن طبعاً لا يمكننا تعميم ذلك. فهناك الكثير من الاشخاص السعداء ولكنهم منغلقون على أنفسهم.
– إنه دائم الإبتسامة والصدق، بعيداً كل البعد عن الخبث والنميمة وكل ما يضمنه للآخرين يظهر من خلال تصرفاته. فهو واضح في علاقاته مع الآخرين.
– يشعر بالتعاطف مع العالم الخارجي ويسعى الى تغييره بحسب قدراته الإجتماعية. فيقوم بتلك الخطوة للوصول إلى السعادة التي يتمنى للجميع الشعور بها.
القواعد الأساسية للعيش بسعادة
كل إنسان يمكنه أن يكون سعيداً. كل واحد منّا يمكنه الحصول على مفتاح السعادة ولكن يجب أن يقوم ببعض التبديلات في حياته واستبدالها بسلوكيات أكثر مرونة واقل تصلباً. كما يجب التفكير بأنّ السعادة موجودة أينما ذهبنا ولكن يجب أن نفتح عيوننا وقلوبنا جيداً لاكتشاف مصدرها. ومن الدروس الأساسية التي يمكن تطبيقها للوصول إلى السعادة:
أولاً، عدم الخوف من المستقبل، فهو لم يأت بعد، وعدم تذكّر الماضي الأليم لأن «الماضي أصبح من الماضي»، بل يجب العيش كل يوم بيومه والإستفادة من الحياة والإستمتاع بها بالطرق الإجتماعية المقبولة والإبتعاد عن التحسر والبكاء والنحيب.
ثانياً، تخصيص وقت مع عائلتك، اللعب مع الأطفال، ومساعدتهم بكل شيء. وذلك يقوّي علاقتك مع الأفراد وينمّي روح التعاون والشعور بالإرتياح والتعاضد. كما عليك أن تستمتع بكل صغيرة وكبيرة معهم، فإذا شعرت بمرارة الحياة أو إذا أحسست بفرح لا يوصف، شارِكه مع احبائك، لأنّ ذلك ينشر السعادة بين بعضكم البعض.
ثالثاً، تقديم يد العون في المؤسسات التي تعنى بالأشخاص الاقل حظاً منا. فيمكن تخصيص ساعة أو ساعتين أسبوعياً لمؤسسة تهتم بالأشخاص ذوي الإحتياجات الخاصة فذلك ينفع الطرفين: ستشعر بالرضا عن النفس وسيترجم ذلك بالشعور بالسعادة كما ستنتقل الفرحة للطرف الآخر.
رابعاً، العيش ببساطة وعدم مقارنة الذات بالآخرين، فالمال لا يشتري السعادة، وجميعنا نعرف أشخاصا ذات نفوذ عالٍ وارتياح مادي ولكنهم ليسوا سعداء البتة في حياتهم. فالسيارات الفخمة والثياب ذات المركات العالمية والقصور الكبيرة… وغيرها لا تجلب السعادة. كما تذكر المثل القائل: «عَا أدّ بساطك، مدّ إجريك»، فابتعد عن الآمال العالية وإستمتع بما لديك من قدرات مالية وإقتصادية وحياتية.
خامساً، التفاؤل ثم التفاؤل ثم التفاؤل… فمفتاح السعادة في هذه الحياة هي النظر الى الأمور بشكل تفاؤلي. فكلما استبدلنا تفكيرنا السلبي بسلوك إيجابي، كلما شعرنا بالسعادة.

